أفكار وآراء

الاشـتراكيون الألمان يتطلعون للفـوز على مـيـركـل

17 فبراير 2017
17 فبراير 2017

سمير عواد -

فاجأ زيجمار جابرييل رئيس الحزب الاشتراكي الألماني الجميع عندما أعلن في مقابلة مع مجلة «شتيرن» الألمانية مؤخرا قراره بعدم الترشح لمنافسة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على المستشارية في سبتمبر القادم، واقتراح عوضا عنه، مارتن شولتس. وقلة في الحزب الاشتراكي شعروا بالأسف على قراره، بينما شعر غالبية أعضاء ومؤيدي الحزب بارتياح ولأول مرة منذ سنوات طويلة، وخاصة منذ أن خسر الاشتراكيون الألمان السلطة في نوفمبر عام 2005، وعادت الآمال باستعادة حزبهم السلطة في برلين بعد الانتخابات العامة المقررة بتاريخ 24 سبتمبر القادم.  

وبذلك، حدد الاشتراكيون مرشحهم لمنافسة ميركل ومنعها من الفوز بولاية رابعة إذا حالف مرشحهم الحظ، إذ لم يسبق منذ خسارة المستشار الألماني السابق جرهارد شرودر منصبه أن انتشرت أجواء التفاؤل في أوساط الاشتراكيين الألمان مثل المرحلة الراهنة، والسبب، هواختيار مارتن شولتس، المعروف ببساطته وآرائه الصريحة والجريئة، وقربه من الناس، خلافا لميركل، المعروفة بعدم تقربها من الناس بنفس القدر.

وفي أول عملية استطلاع للرأي تمت لحساب قناة التلفزيون الرسمية الألمانية ard، تساوى شولتس وميركل في عدد النقاط، وذلك على الرغم من أن الناخبين الألمان لم يعرفوا بعد، البرنامج السياسي الذي سيدخل به مرشح الاشتراكيين الحملة الانتخابية. علما أن شعبية الاشتراكيين كانت في تراجع مستمر عندما كان الجميع يظن أن جابرييل سوف يترشح لمنافسة ميركل. وقال جابرييل لمجلة «شتيرن» إنه أدرك في حال ترشحه لمنافسة ميركل، فإنه سوف يتسبب بهزيمة منكرة لحزبه، وإنه يعلم أن مارتن شولتس يتمتع بشعبية أكبر ومؤهل للقيام بهذه المهمة رغم صعوبتها في ضوء المتغيرات السياسية الدولية بعد استلام دونالد ترامب منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وانتشار الشعبوية في أوروبا خاصة في ألمانيا عبر حزب «البديل من أجل ألمانيا» الذي استطاع بفضل أزمة اللاجئين أن يصبح ثالث أكبر قوة سياسية في ألمانيا، وهدفه هذا العام دخول البرلمان الألماني «بوندستاج».

ومارتن شولتس الذي يطمح لأن يستعيد أمجاد الحزب الاشتراكي الألماني، وإزاحة ميركل عن منصب المستشارية، من مواليد عام 1955 في مدينة «إيشفايلر» بولاية شمال الراين فستفاليا كان والده شرطيا ووالدته ربة بيت، ولم يحصل على الثانوية ولا على دراسة عليا، وكل ما فعله أنه كان يطمح لأن يكون لاعب كرة قدم، غير أن إصابة بساقه حالت دون أن يحقق حلمه، وبعد ذلك قرر تغيير نمط حياته، فانتسب إلى شباب الحزب الاشتراكي، مما جعله في سن مبكرة يصبح عمدة لمدينة «فورزلن» بولاية شمال الراين فستفاليا، ثم حصل على مقعد في البرلمان الأوروبي وظل غير معروف إلى أن فاز في عام 2012 بمنصب رئيس البرلمان الأوروبي وفي كلمة ألقاها في الكنيست الإسرائيلي في فبراير 2014 تحدى الإسرائيليين الذين قاطعوه بعد اتهامه إسرائيل برفض النقد وسرقة المياه من الفلسطينيين وحرمانهم منها. وظل شولتس في منصبه حتى استقالته في عام 2017، عندما قرر المجيء إلى برلين، ليشغل منصبا سياسيا، وكان مرشحا ليخلف فرانك فالتر شتاينماير، في منصب وزير الخارجية، بعد أن تقرر أن يخلف شتاينماير الرئيس الألماني يواخيم جاوك في منصبه. كما رشحته وسائل الإعلام الألمانية لمنافسة ميركل، لأنه أكثر شعبية من جابرييل.

ومن مزايا هذا الرجل أنه على الرغم من عدم حصوله على الثانوية العامة ولا على دراسة عليا ومارس عمله السياسي في منطقة ريفية، إلا أنه معروف بطلاقة لسانه، وجرأته وصراحته، وولائه للحزب الاشتراكي، علاوة على أنه اكتسب خبرة في السياستين الأوروبية والخارجية، خلال عمله رئيسا للبرلمان الأوروبي. وبحسب نصيحة جابرييل، فإنه حرص على عدم قبول أي منصب وزاري، كي يركز عمله في الأشهر القادمة على التحضير للانتخابات العامة، واستغلال كل فرصة لانتقاد ميركل.

وفي كلمة ألقاها مؤخرا في «بيت فيلي برانت» مقر الاشتراكيين في برلين أكد شولتس عزمه على استعادة التأييد لحزبه وإيصال صوته إلى أسماع الناخبين لاسيما المواطنين البسطاء، وقال إن المستشار الألماني يجب أن يهتم بالمواطنين العاديين، وكشف أنه سيسعى إلى نهج سياسة عادلة فيما يتعلق بالضرائب، حيث لا يعقل أن يُجبر الخباز على دفع ضرائب، بينما تقوم الشركات الكبرى بإيداع أموال طائلة في الخارج «وكان هذا انتقادا واضحا لشركة القوة الأمريكية ستارباكس التي بالكاد تدفع ضرائب في أوروبا بينما تجني أرباحا طائلة». وأعرب شولتس عن أمله أن تعمل دول الاتحاد الأوروبي في تقاسم أعداد اللاجئين، وانتقد التقارب بين الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري ورئيس الوزراء المجري، فكتور أوربان، الذي يرفض التعاون مع ألمانيا في حل أزمة اللاجئين، معتبرا ذلك تحديا للمصالح الألمانية.

ويعلم شولتس أنه أصبح بعد تعيينه رئيسا للحزب الاشتراكي ومنافسا لميركل على المستشارية أنه أصبح هدفا لانتقادات الشعبويين الألمان، وقال إن حزب «البديل من أجل ألمانيا»، ليس بديلا لألمانيا، بل عارا على ألمانيا.

وفي أول تصريح له حول قضايا السياسة الخارجية أوضح شولتس الفارق بين موقفه من قرارات ترامب الأخيرة المثيرة للجدل، وبين موقف ميركل منها. فحين اعتبرت ميركل قرار منع ترامب المسلمين من سبعة بلدان إسلامية دخول بلاده، خطأ، قال شولتس الذي يعرف ما يريد أن يسمعه المواطنون، خاصة أنه يتحدث لغتهم أفضل من ميركل، أن مواقف ترامب من الأقليات وبناء جدار مع المكسيك وتأييده ممارسة التعذيب ضد المشتبه بممارستهم الإرهاب،هي مواقف مشينة، ولذلك ينبغي أن يتم إجبار ترامب على احترام القوانين والمواثيق الدولية.

وبينما تتحفظ ميركل في التعليق على منافسها الذي يشكل خطرا على مشروعها في الفوز بولاية رابعة، وتعمد حزبها التقليل من أهمية شولتس، فإن هورست زيهوفر، رئيس حكومة ولاية بافاريا، وشريك ميركل في الاتحاد المسيحي، حذر من خطورة شولتس، واحتمال فوزه بمنصب المستشار في انتخابات سبتمبر القادم.