Untitled-1
Untitled-1
الاقتصادية

غير عاداتك تتغير حياتك.. وتخلص من سيّئها

17 فبراير 2017
17 فبراير 2017

قد يكون صعبا في البداية لكنه ممكن -

امتلاك الإرادة القوية الحازمة التي تمكننا من الفعل الحقيقي.. أولى خطوات التغيير -

إعداد: عدل فتحي عبد الله -

تحليل ومناقشة: إميل أمين -

عن الدار الذهبية للنشر في القاهرة صدر هذا الكتاب الشيق من إعداد المدرب البشري الأستاذ عادل فتحي عبد الله الخبير في التنمية البشرية الذي يتصل بالعادات وأثرها في سلوك الإنسان.

حياة الإنسان عبارة عن مجموعة من العادات التي تعودها فيما مضى من شبابه وطفولته، والعادة طبيعة ثانية، وتحقيق النجاح في الحياة مرهون بالشخصية القادرة علي التحكم في العادات، وليست الشخصية هي التي تتحكم فيها العادات. لا شك أن العادة قوية ومتحكمة في حياة البشر عموما، ولكن التغلب عليها ممكن، وليس مستحيلا، قد يكون من الصعوبة، بمكان، ولكنه في النهاية أمر ممكن.

ولدينا العديد من الأمثلة الرائعة التي استطاعت أن تتحكم في العادات، وتتخلص من العادات السيئة بقوة الإرادة والعزيمة الجبارة، وبغيرها من الوسائل، فحققت النجاحات تلو النجاحات، وساهمت في نهضة الأمة. في هذا الكتاب شرح واف لوسائل مفيدة ومجربة، وقد خضع بعضها للبحث العلمي فأثبت شجاعته وقوته في التخلص من العادات السيئة. وفي النهاية الأمر بيدك أنت -إن شئت-. ما عليك إلا أن تمتلك الإرادة، ثم تستعين بالله تعالي وتأخذ بتلك الوسائل، وسيكون النصر حليفك علي تلك العادات إن شاء الله.

فهيا إلى العمل، ولا تدع خطاياك تتحول إلى عادات، وتخلص من عاداتك السيئة.

 

أمثلة عن الإرادة

الأبطال لا يصنعون في صالات التدريب، الأبطال يصنعون من أشياء عميقة في داخلهم هي: الإرادة والحلم والرؤية. إن أولى خطوات السيطرة على العادات، ومحاولة التغلب عليها، واستبدال العادة الحسنة بتلك السيئة التي لا نرغب فيها، ونود التخلص منها، أولى هذه الخطوات هي امتلاك الإرادة القوية الحازمة التي تمكننا من الفعل الحقيقي على الأرض، وليس من الأماني والأحلام، بل هي تحول الأحلام إلى حقائق.

لماذا يستطيع بعض الناس التخلص من بعض العادات السيئة في حين لا يقدر آخرون على التخلص من نفس تلك العادات؟! في حين أيضا أن هؤلاء الأشخاص الذين لم يستطيعوا التخلص من تلك العادات نفسها إذا شعروا بالخطر الشديد يتهددهم إن استمروا على تلك العادات فإنهم يتخلصون منها في الحال ... على سبيل المثال لقد ظل الحاج عبد الحميد- وهو أحد تجار الجملة للمواد الغذائية- ظل يدخن السجائر فترة طويلة من الزمن تقترب من أربعين عاما. والحقيقية أنه حاول جاهدا الإقلاع عنها، ولكن لم يفلح عندما حاول ذلك أكثر من 15 مرة، لكن حينما إصابة مرض صدري خطير، وأصبح مهددا بالموت، ونصحه الطبيب محذرا إياه من العواقب الوخيمة على صحته إن لم يمتنع تماما عن التدخين.. عندئذ استطاع الحاج عبد الحميد بسهولة أن يمتنع تماما عن التدخين.

وقد عاش بعد ذلك سبع سنوات لم يدخن فيها سيجارة واحدة رغم أنه كان قادرا على أن يدخن، فلم تكن صحته بذلك السوء الذي لا يمكن فيه من التدخين، ولكنه كان يدرك المخاطر الحقيقية لاستمراره في التدخين. ماذا حدث للحاج عبد الحميد؟! إنه فقط امتلك الإرادة والعزيمة الصادقة حين تأكد من أن صحته سوف تكون مهددة بقوة في حالة استمراره في التدخين. إذا الإرادة موجودة، ويمكن لي ولك ولكل الناس أن يمتلكوها إن هم أرادوا ذلك!! ولكن ... متى نمتلك تلك الإرادة؟!! إن أعظم لحظة يمكننا فيها أن نمتلك الإرادة القوية والجبارة هي لحظة الشعور بالخطر. ولأن الحاج عبد الحميد أدرك خطورة اللحظة التي يعيشها. وأن تدخين سيجارة واحدة قد يؤدي بحياته، أو يعجل بوفاته بشكل حقيقي. عندئذ امتلك الإرادة الجبارة. وكل شخص فينا يجب أن يشعر بخطورة أية عادة سيئة حتى يتمكن من الكف عنها، والتغلب عليها.

والشخص العاقل هو من لا ينتظر لحظة المرض، أو الهلاك، أو انهيار تجارته، أو فقدان أحد أبنائه، وطلاق زوجته: ينتظر مثل هذه الأمور أو غيرها من المخاطر التي قد تحدث نتيجة لإشباع عادة معينة هو وحده يعرفها، ويدرك ضررها ... على سبيل المثال هناك ملايين البشر يموتون سنويا بسبب التدخين وحده، وبشكل مفاجئ من سرطان الرئة أو سرطان الحنجرة، أو غيرها. وهؤلاء قد لا تكون لديهم الفرصة كاملة كما كانت لدى الحاج عبد الحميد بحيث إذا أقلعوا عن التدخين حافظوا على أنفسهم، بل ربما عاجلهم الموت بأسرع مما يظنون.

قوة العزيمة والإرادة

إن موضوع التدخين هو مثال من أمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصي لعادات سيئة أو مدمرة ... سواء كانت عادات صحية أو اجتماعية أو أخلاقية ... الخ. إذا الخطوة الأولى للتخلص من العادة السيئة وامتلاك الإرادة الحقيقية لذلك هي: إدراك خطورة تلك العادة. كذلك تكمن مشكلة بعض الناس الذين لا يمتلكون الإرادة الحقيقية للتغلب على العادة في الفهم الخاطئ للطبيعة البشرية .. حيث إن بعض الناس يقول : إنني هكذا طبيعتي، ولن تتغير، فهذه العبارة قد تأصلت في نفسي ومستحيل تغييرها... كلا... فأي عادة مهما كانت وعند أي شخص يمكن تغييرها، ويمكن استبدالها بعادة أخرى .. يجب أن نعلم جميعا أن الله تعالي خلقنا أخيارا ولسنا أشرارا، فالخير طبيعة بشرية ... قال رسول الله «صلى لله عليه وسلم» : «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه ينصرانه أو يهودانه، أو يمجسانه» يعني كلنا نولد على فطرة الإسلام، والتي هي جماع الخير كله... ثم الظروف الخارجية، والأبوان والمحيط العائلي والاجتماعي هو الذي يؤثر فينا عند التربية في الصغر، وتعديل السلوك الإنساني، وعن طريق القدوة، والأسوة الحسنة، أو غير الحسنة.

فالأصل أننا نولد على الفطرة، ولهذا يمكننا العودة إليها. ولدى كل منا القدرة الكاملة على أن يكون من الأخيار ومن الأطهار، ومن الأبرار. قال الله تعالي: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) (سورة الشمس: 7-10) وحين يدرك الإنسان أنه قادر فعلا على تغيير سلوكه وتغيير عاداته، والتغلب على تلك العادات غير المرغوبة فإنه عندئذ يكتسب القدرة على تغيير تلك العادة.

الطريق إلى تحطيم الأوهام

إذا يجب عليك أن تحطم الأوهام التي تجعلك تشعر كأنك غير قادر على تغيير عاداتك. وتستبدلها بالحقائق التالية:

(1) الإنسان خير بطبيعته، ويولد على الفطرة التي هي جماع الخير كله.

(2) الإنسان يمكنه أن يزكي نفسه باتباع المنهج السليم في التربية.

(3) أنت كغيرك من البشر لديك القدرة الكافية لتغيير عاداتك مهما تأصلت فيك، فلا تيأس أبدا.

تخلص من الأفكار السلبية «إن العقل يمتلك فكرة واحدة في أي وقت، فإذا أدخلنا في عقلنا فكرة إيجابية أخرجت الفكرة السلبية التي تقابلها». عادة ما تكتسب العادات السيئة قوتها وإمكانية استمرارها من الأفكار السلبية التي تسيطر على عقل ذلك الشخص الذي يدعي بقوة أنه ضعيف الإرادة. أو يقول حتى: إنني لا إرادة لي، إنني لا أستطيع أن أفعل كذا وكذا. إن الأفكار السلبية المسيطرة على الذات لا تعتبر سببا من أسباب استمرار العادات السيئة فحسب لكنها أيضا سبب مهم للاضطرابات النفسية والانفعالية التي تواجه العديد من الأشخاص في حياتهم، بل وتؤرق عليهم الحياة، حتى أنها قد تدفع منهم إلى التخلص من الحياة نهائيا والانتحار!! وهذا ليس كلاما مرسلا، لكنه كلام كثير من علماء النفس في العصر الحديث... حيث بنى (ألبرت أليس) وهو أحد أكبر علماء النفس في العصر الحديث، بنى نظرية في العلاج النفسي على هذا الأساس. وتسمى نظرية «الإرشاد العقلاني الانفعالي» ومختصر هذه النظرية أن الاضطرابات النفسية تنتج عن التفكير غير العقلاني والتفكير السلبي، والنظرة الدونية للذات، وأن هذه الأفكار قد تنبت لدى الإنسان في الصغر، لكنها تستمر معه في الكبر، بل إنه هو نفسه الذي يغذيها وينميها. ويقول إن الإنسان نفسه لديه القدرة على التفكير بطريقة عقلانية أكثر، ولديه القدرة على التخلص من تلك الأفكار السلبية، إنه فقط يحتاج إلى الإرشاد. والحقيقة أن تلك النظرية لاقت رواجا في الولايات المتحدة الأمريكية طوال العقود الماضية. وبناء على دراسة مهنية قامت بها الولايات المتحدة وعلماء النفس الكنديون تم تصنيف (ألبرت أليس) مؤسس هذه النظرية (ثاني أكبر طبيب نفسي) تأثيرا في التاريخ، بعد (كارل روجرز) الذي حاز المركز الأول. وكان ذلك في عام 1985. ولهذا فقد وصفته مجلة (سايكولوجي توداى) بأنه أعظم عالم نفس على قيد الحياة. إذا يجب عليك أن تكتشف أولا الأفكار السلبية التي تجعلك لا تستطيع التحكم في عاداتك، ثم عليك أن تغير هذه الأفكار، وتحويلها إلى أفكار إيجابية. كيف؟! يجب عليك حتى تتمكن فعليا من التخلص من الأفكار السلبية التي تراودك أن تتبع الخطوات التالية.

تخلص من أفكارك السلبية

1- حدد أفكارك السلبية المهمة: لدينا آلاف الأفكار تراود عقولنا بصفة منتظمة كل يوم، ولكن هناك أفكار مهمة، تؤثر تأثيرا مباشرا في حياتنا، وفي قراراتنا، وفي تحديد مصائرنا.

حدد هذه الأفكار المهمة السلبية في حياتك، وإليك بعض الأمثلة لهذه الأفكار:

- لا أستطيع أن أحل المشكلة.

- مستحيل الدخول إلى هذا المجال.

- أنا فاشل.

- منذ الصغر ولدى هذه الطباع ...

- أنا محبط وغير قادر على العمل.

- أنا غير متفائل بخصوص هذا الموضوع.

- الناس جميعا سيئون.

2- أنظر للمستقبل بإيجابية: نحن نعيش الحاضر، وكلما كانت نظرتنا للمستقبل بإيجابية كلما تقدمنا في العمل والإنجاز، وكلما تمتعنا بروح متفائلة ونشطة، استمتعنا بالحياة بالفعل.

لا أنا ولا أنت، ولا أي أحد في هذه الدنيا يعرف ما يخبئ لنا المستقبل، فلماذا نحزن لشيء لا ندرك طبيعته، ولا هيئته ؟! (تفاءلوا بالخير تجدوه).

3- أبتعد عن الأخبار السيئة: عادة حين نستمع لأخبار سيئة تؤثر فورا على الحالة النفسية لدينا، ومن ثم تتوارد الخواطر والأفكار السلبية لدينا تباعا...

فإذا راودتك أفكار سلبية، فابتعد فورا عن تناول تلك الأخبار السيئة، واستمع فقط للأخبار الإيجابية.

4. لا تصاحب أشخاصا متشائمين: يوجد العديد من الشخصيات التي تتميز بالتشاؤم وتنظر للعالم من خلال منظور أسود اللون لا ترى غيره، ومن ثم فلديها تفسيرات جاهزة للأحداث وكلها تفسيرات سوداوية، لا ترى أبدا أية نوع من أنواع الحلول ولا الأمل .... بل عندهم أننا ننتقل من سيئ إلى أسوأ، والعالم يقترب من الدمار يوما بعد يوم، ولا يوجد أمل في الإصلاح. هؤلاء الأشخاص يجب أن تبتعد عنهم فورا، فإنهم مصدر كبير من مصادر الأفكار السلبية القاتلة.

5- اقتل وقت الفراغ بالعمل: يعتبر الفراغ من العمل من دواعي الأفكار السلبية، ومرتعا مهما ترتع فيه تلك الأفكار، والهموم والأحزان.

وكلما كان الإنسان مشغولا بعمل مفيد كلما ابتعدت عنه تلك الأفكار الهدامة، وكلما كان سعيدا في حياته.

6- تعلم فن الاسترخاء: قد نحتاج لبعض الوقت، فكما أن الفراغ قاتل للنفس فإن العمل والإرهاق المستمر أيضا يؤدي في النهاية إلى التعب النفسي والبدني.

وعادة ما يحتاج الأشخاص الذين يعملون بجد أوقاتا طويلة، عادة ما يحتاجون إلى الاسترخاء، وأن يجلس الشخص وقتا هادئا يمارس فيه أحد تمارين الاسترخاء المتنوعة. كما أنه يشعر بالرضا، والرضا شيء مهم للغاية من الناحية النفسية، بل إنه يمثل السعادة تعني الرضا والتسليم بما يلاقيه الإنسان، والرضا بحالة وبظروفه.

(7) فكر بأشياء إيجابية: إذا راودتك أفكار سلبية، فلا تدعها تسرق فكرك، ولكن بسرعة فكر بأشياء أخرى إيجابية قد حدثت لك. ولا تدع هذه الأفكار السلبية تسيطر على عقلك أبدا، وعلى سبيل المثال!

إذا حدثتك نفسك أنك إنسان فاشل، وحاولت أن تغلبك على أمرك أن تذكرك أنك قد فشلت في كذا وكذا. فيجب عليك أن تتوقف فورا عن مثل هذه الأفكار وعليك أن تحدث نفسك، وتذكر نفسك بالمواقف والأشياء التي أديتها بنجاح. فتقول لنفسك مثلا ... لا... لست فاشلا ... لقد نجحت في كذا وكذا وكذا ... لقد فعلت الكثير في حياتي، لدي إنجازات كثيرة ... ولا يعتبر فشلي في بعض الأمور هو فشل في الحياة ...

كلا ... كل إنسان قد يفشل في بعض الأمور، لكن هذا ليس نهاية المطاف، ولو لا الفشل لم يكن النجاح.

النجاح يولد من رحم الفشل

إن النجاح يولد من رحم الفشل، ولو أن كل شخص فشل مرة أو عدة مرات في حياته فكر بطريقة سلبية لما استطاع أحد النجاح أبدا. لقد فشل توماس أديسون في التعليم في المدرسة وهو صغير، وقال عنه معلمه إنه فاشل، لكنه بعد ذلك أصبح أعظم مخترع في التاريخ، وهو الملقب بصاحب الألف اختراع. استعن بالله ولا تعجز لا يوجد أقوى ولا أعظم طريقة من الاستعانة بالله تعالى في التغلب على العادات السيئة، المهم أن تكون تلك الاستعانة حقيقية، ومدركة، وواعية. وحيث تكون الاستعانة بهذه الصفات تؤتي ثمارها بإذن الله تعالى. ولهذا جاء في الحديث: (استعن بالله ولا تعجز). فمن استعان بالله تعالى، وأكثر من الطاعة، ومن الدعاء فقد نال الثقة بالنفس، ونال قوة الإدارة بإذن الله تعالى. ولهذا جاءت الاستعاذة من ضعف الإرادة. فقد جاء في الحديث أيضا: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل...» وقد فسر بن القيم - رحمه الله - العجز بعدم القدرة على الحيلة النافعة، والكسل بعدم الإرادة لفعلها. ونحن جميعا لدينا ضعف في إحدى هاتين الناحيتين القدرة أو الإرادة أو الاثنين معا. وهنا تأتي أهمية الدعاء في التخلص من العادات السيئة، إذ يعتبر الدعاء أحد أهم الحاجات النفسية التي تطمئن الشخص، حين يطلب من الله تعالى أمرا ويرجوه ملحا عليه، فيستجيب الله تعالى له ويلبي دعاءه.

قال الله تعالى: «وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين» (سورة غافر: 60) وقال: «وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون» (سورة البقرة: 186). وأي شخص مؤمن حين يكون على ثقة عالية من معية ربه سبحانه وتعالى يشعر بالأمن والأمان، وهذا يساعده كثيرا على التغلب على عاداته السيئة. وقد استطاع كثير من الناس التغلب على عاداتهم السيئة عن طريق مجاهدة النفس والدعاء. فإن سهام الدعاء تصيب الهدف لا محالة. خصوصا إذا التزم الشخص بأدب الدعاء مع الله تعالى، ولم يتعجل الأمر. يقول «صلي الله عليه وسلم»: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول دعوت ولم يستجب لي» متفق عليه. يعني أن الله تعالى يستجيب للدعاء لكن ذلك محدد بوقت معين، ولهذا لا يجب على المسلم حين يدعو أن يتعجل الاستجابة، فيقول دعوت، فلم يستجيب لي... متعجلا بذلك استجابة الدعاء، لأن هذا ليس من الأدب مع الله في الدعاء. إذ أن الله تعالى أعلم بما يصلح العبد، وسوف تأتي الاستجابة في الوقت المعلوم.

لكن قد تكون تأخير استجابة الدعاء لاختبار قدرة العبد على التحمل، أو اختبار إيمانه، وثقته بربه، أو غير ذلك من الأمور. المهم أن يرضى العبد بقضاء الله، ويسعى جاهدا لإصلاح ما يمكن إصلاحه من عيوب ونقائص، وليكن في كله مستعينا بالله تعالى، غير يائس أبدا.

الإرادة الفاعلة والدعاء الصادق

وللاستعانة بالله تعالى والدعاء عدة فوائد في سبيل تحقيق الإرادة الفاعلة، ويمكن إجمال أهم هذه الفوائد فيما يلي:

(1) القوة المعنوية والطاقة الروحية: من استعان بالله حق الاستعانة والتوكل رزقه الله تعالى قوة روحية هائلة تمكنه من التغلب على الصعاب وتحدي الشدائد.

(2) الرزق وتوفيق الله: يقول رسول الله «صلى الله عليه وسلم» «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا، وتروح بطانا» لأن الاستعانة بالله والتوكل على الله حق التوكل فيه الثقة بالله تعالى، وحسب علماء التنمية البشرية فإن الشخص الواثق بالله تعالى تزداد عنده الثقة بالنفس، وكلما وثق الشخص بنفسه كلما زاد معدل الإنجاز لديه.

(3) من استعان بالله رزقه الله الصبر والجلد وتحمل الشدائد: والصبر من الصفات التي يحتاجها الشخص الناجح في حياته، ولولا الصبر في هذه الحياة لما نجح الناجحون، ولما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من مجد وعلا. لأن الشدائد التي تواجهك في الحياة كثيرة، وتحتاج إلى شخص صبور، وهذا الصبر هو نعمة عظيمة ينعم الله تعالى بها على عباده المتوكلين عليه المستعينين به.

(4) السعادة في الدنيا والآخرة: إن الاستعانة بالله تعالى والتوكل عليه هي إحدى أسباب السعادة في الدنيا ولآخرة، أما في الدنيا فاطمئنان القلب، وراحة البال، والرزق، والصبر والرضا بقضاء الله ومحبة الناس، والاسترخاء من التعب، والتكيف مع كل حال. وأما في الآخرة فإن المتوكلين على الله لهم جزاء لا يبلغه أحد غيرهم، قد جاء في الحديث النبوي الشريف: «سبعون ألفا من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب !! هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون».

عقلك الباطني وعاداتك السيئة

أقنع عقلك الباطن بضرورة تغيير عاداتك السيئة ... إن السر العظيم الذي يمتلكه الرجال العظماء في جميع مراحل العمر هو قدرتهم على الاتصال وإطلاق العنان لقوى العقل الباطن (جوزيف ميرفي)».

العقل الباطن هو اللاشعور، وهو مخزون استراتيجي للأفكار والقيم التي تؤمن بها، وهي التي درجت على مدار سنوات تقولها لنفسك وتغذي بها فكرك. هذا العقل يسجلها، ويعمل من خلالها، وهذا العقل من ثم لديه حلول لكل المشاكل التي يمكن أن تواجهك... وهو نعم العون لك والمساعدة. لكن بشرط توجيهه بشكل صحيح، ومحاولة السيطرة عليه بشكل منضبط.

ذلك أن عقلك الباطن له القدرة على فعل المعجزات بحق، لكن هو يريد منك فقط أن تنقل الفكرة التي تريدها إليه. يمثل العقل الباطن البوصلة التي توجهك إلى الوجهة الصحيحة التي تريدها، بشرط أن تكون هذه البوصلة هي أصلا بوصلة صالحة، وتم صناعتها بشكل جيد، وتخلو من العيوب والمشكلات. إن عقلك الباطن هو عقل غير واع، وغير مدرك، بمعنى أنك مثلا إذا قلت إنني مستحيل أن أفعل كذا .. فهو يسجل هذا الكلام، مثل (الكمبيوتر) ومن ثم يتصرف على أساسه فيما بعد. إذا أنت تعطي الأوامر للعقل الباطن، بالضبط كما تعطي الأوامر للحاسب الآلي وتغذيه بالمعلومات اللازمة، يجب أن تعلم أن أخطر شيء عليك، وعلى عقلك الباطن ومن ثم على حياتك كلها هو: الأفكار التي تبعث بها بشكل دوري إلى عقلك الباطن!! عقلك الباطن لا يرفض الأفكار أبدا، إنه يقبلها كما هي، فهو لا يجادلك أبدا، إنه يقتنع بما تقول بسهولة وكلما كررت تلك المقولات، وغذيته بأفكار معينة، صار ذلك دافعا لك على نفس المنوال. وحسب بعض المعلومات المعروفة عن العقل الباطن مثل التي ذكرناها آنفا، وهي التي يتفق عليها علماء النفس فإنك تستطيع أن تستفيد بقوة هذا العقل الباطن عن طريق توجيهه بشكل جيد لما تريد. وتغذيته من ثم بالأفكار الخلاقة والإيجابية، ودحض الأفكار السلبية، والتخلص منها بشكل نهائي.

ومن ثم تستطيع بطريقة سهلة أن تتغلب على عاداتك السيئة عن طريق الحديث إلى عقلك الباطن بضرورة تغيير تلك العادات والتغلب عليها.

كيف يمكنني فعل هذا؟!

يمكن اتباع خطوات إقناع العقل الباطن كالتالي: تحدث إلى نفسك عن عيوب تلك العادات وأضرارها، ومدى تأثيرها السيئ على حياتك. وقل لنفسك: هذه الأمور تزعجني يجب على أن أغيرها، إن لها أضرارا كذا وكذا. تحدث عن مميزات الإقلاع، أو التخلص من تلك العادات السيئة، واذكر تلك المميزات مع نفسك أكثر من مرة. كذلك يمكنك كتابة تلك المميزات وترديدها. تحدث إلى نفسك بقوة الإرادة، وأنك تستطيع بإذن الله إنجاز تلك الأمور في وقت قصير وأنك ستفعل هذا. وأن هذا الأمر سهل ميسور، قل إنني أستطيع أن أفعل كذا وكذا. اذكر أن ما تريده من تغيير لهذه العادات ما هو إلا شيء واقعي وعادي، وقد فعله كثيرون غيرك ولا توجد مشكلة في أن تقوم به أنت كذلك كما قام به آخرون.

توقع دوما الأفضل، وكن متفائلا بصفة دائمة، وينعكس هذا التفاؤل على عقلك الباطن. ويصبح دافعا لك للعمل والإنجاز، والتغلب على الصعاب. كون صورة ذهنية جيدة عن حياتك المستقبلية، سوف يحتفظ عقلك الباطن بهذه الصورة، ويسعى إلى تحقيقها بكافة السبل. تخيل نفسك وقد انتصرت على عاداتك القديمة واستطعت فعلا تحقيق حلمك، وتغيير تلك العادات بعادات أخرى حسنة أنت تحبها وتسعى إليها. سوف يساعدك عقلك الباطن على تحقيق هذا التخيل وهذا الحلم الجميل. اشحن عقلك الباطن بكل الأفكار الجميلة، الأحلام التي تريد تحقيقها قبل النوم، واطرد تلك الأفكار السلبية والرديئة قبل النوم.

اصنع ظروفا مساعدة... قد نسمع عن أناس استطاعوا بكفاءة منقطعة النظير أن يتغلبوا على عاداتهم السيئة، على الرغم من تحكم تلك العادات في سلوكياتهم بدرجة كبيرة.

وقد نسمع أيضا عن أناس قريبين من هؤلاء يقولون إن السبب في تغلب هؤلاء على عاداتهم هي أن الظروف المحيطة كانت عونا لهم، وساعدتهم على ذلك. إنها إذا الظروف المساعدة ..، ما الظروف المساعدة؟! وكيف نجعل الظروف تساعدنا على التغلب على عاداتنا السيئة.

الظروف المساعدة

يمكننا أن نتغلب على العادات بصنع ظروف تساعدنا على ذلك. ويمكننا ضرب الأمثلة لشرح هذا الموضوع: لقد كان كريما يعاني من عادة سيئة بالنسبة له، تؤرقه، وتنغص عليه حياته، تلك هي عادة السهر طوال الليل، وما يترتب على ذلك من ضياع للوقت حيث إنه لم يكن يسهر في عمل مفيد، ولكنه كان يضيع وقته، وكانت الظروف المعيشية لكريم تساعده على السهر، حيث كان يذهب لعمله متأخرا، واستطاع كريم التغلب على تلك العادة بأن عمل جاهدا على تغيير الظروف، واستطاع فعلا ذلك عن طريق إلزام نفسه بعمل صباحي، ولقد وجد صعوبة بالغة في بداية الأمر، لكنه مع مرور الوقت استطاع الالتزام بالاستيقاظ المبكر، ومن ثم قضى على عادة السهر ليلا التي كانت تؤرقه واستطاع الاستيقاظ مبكرا بصورة يومية، وأصبح أمامه اليوم كاملا يستطيع إنجاز مهامه كلها بدون تأجيل. إن صنع الظروف المساعدة أمر في غاية الأهمية، وقد تكون الظروف المساعدة في تغيير البيئة، أو تغيير الأصدقاء، أو تغيير السيارة، أو غير ذلك من الأمور.

المهم أن تحدد بدقة المعوقات التي تقابلك في سبيل التغلب على العادات السيئة، ومن ثم تستطيع تبعا لذلك تحديد الظروف المساعدة التي تعينك على التغلب على تلك المعوقات. وتلميحا إلى استغلال الظروف المساعدة، والاستفادة منها، ورد في الأثر «الشتاء ربيع المؤمن، يقصر نهاره فيصومه، ويطول ليله فيقومه».

يعنى أن هذا الفصل من فصول العام يساعد المؤمن، فهو بالنسبة له كالربيع، حيث نهاره قصير، ومن ثم سهل الصيام، ولا يشعر فيه بالجوع والعطش، كما أن ليله طويل، فيمكنه الاستفادة من بعض أجزائه في قيام الليل من غير تأثير على مقدار النوم الذي يمكنه من الراحة اليومية.

وهنا تظهر أهمية الظروف المساعدة في تحقيق الأهداف المنشودة والتغلب على ظروف قهر العادات السيئة للإنسان. فكما أن تلك العادات السيئة تحاول أن تخلق لنفسها ظروفا مساعدة تمكنها من الاستمرار، كذلك فإنه وبطريقة عكسية يمكنك أنت من خلق ظروف عكسية مساعدة تمكنك أنت من دحض تلك العادات، وإعاقة طريقها في الاستمرار والنمو، ومحاولة التمكن من حياتك!!

التحايل قد يفيد: قد يكون التحدي هو أحد الدروب التي يسلكها بعض الناس، لكن أيضا لقد نجح آخرون في التغلب على عاداتهم عن طريق التحايل على الظروف!!

يعني ذلك استخدام حيل معينة للتغلب على تلك الظروف، فاستخدام الحيل التي تخدع تلك العادات هي نوع من أنواع تهيئة الظروف المناسبة للإقلاع عن تلك العادات. ومن أنواع الحيل المستخدمة حيلة الاستبدال، حيث إن العادة قد تضغط على الشخص لتلبيتها وذلك حين لا يوجد بديل لتلك العادة، لكن إذا احتال الشخص على العادة بإيجاد البديل المناسب فإنه لا شك سوف يقهر تلك العادة.

والأمثلة على ذلك كثيرة، فإذا كانت لديك مثلا عادة الإكثار من شرب الشاي والقهوة وقد أصبت بقرحة المعدة، وأصبح لزاما عليك أن تمتنع عن شرب الشاي والقهوة، فإنه يكون من المناسب أن تستبدل هذين المشروبين بمشروبات أخرى لا تمثل ضررا على القرحة، أمثال بعض الأعشاب، (أو الكاكاو) أو (الكركديه) أو غير ذلك من المشروبات المفيدة.

لكنك لو امتنعت عن شرب الشاي والقهوة مع عدم وجود البديل فإنك قد تجد صعوبة بالغة في الاستمرار على ذلك، إن لم توجد البديل الذي يحل محلها.

ذلك لأن العادة توجد لنفسها مكانا ووقتا في حياتك يرتبط ذهنيا ونفسيا بتلك العادة، وما لم تملأ هذين الأمرين بعادة أخرى لتحل محل الأولى فإنها تظل تضغط عليك نفسيا للعودة إليها. ومن الحيل الأخرى التي يمكنك استخدامها مع العادات السيئة في سبيل القضاء عليها حيلة (التسويف).