926444
926444
إشراقات

مساعد المفتي: الأمة بحاجة إلى متخصصين في العلوم الشرعية يفهمون الدين ويقدمون الحلول

16 فبراير 2017
16 فبراير 2017

الإسلام يعتني بالإنسان .. ويبعث رسالة الرحمة إلى العالم أجمع -

متابعة: سالم بن حمدان الحسيني -

أكد فضيلة الشيخ د.كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة أن الأمة اليوم بحاجة ماسة إلى وجود متخصصين في العلوم الشرعية للغوص في أسرار علومها والعب من معينها الصافي يستطيعون تقديم الحلول لهموم الناس وقضاياهم غير مقلدين لمن يأخذون من أدوات العلوم بالقشور ويقفون عند سطحيات فنون العلوم الشرعية ومعارفها المختلفة كي يتمكنوا من حفظ هوية المجتمع ورد الشبهات وتيسير وتسهيل معاني الدين الذي ينتسبون إليه.

وأضاف: هناك مشكلات تهدد الحياة الإنسانية: منها انتشار موجة الإلحاد العنيف المتطرف، والثقافة الاستهلاكية الطاغية، وانعدام القيم والأخلاق في التدخلات العسكرية السافرة، والدعوات الضيقة التي تقصي وتنبذ وتفسق وتبدع الآخر، وتنفيه عن هذه الأمة، وتعلي من شأن صغائر وفروع وجزئيات لا محل لها في أولويات المسلمين حتى صارت حركة الحياة تفرغ هذا الإنسان من جوهره ومن حقيقته ومعناه ولا يملك الدواء إلا أهل هذا الإسلام شريطة أن يدركوا أن لديهم الدواء وأن يحسنوا تقديم هذا الدواء لغيرهم بعد أن يتشربوا هم به، وإلا فإن الله سوف يستبدل بهم قوما غيرهم، وسوف تزول دولتهم وتفنى حضارتهم لأن الحضارة الحقيقية هي الإنسان وليست هذا العمران المادي .. جاء ذلك في استضافة برنامج: «سؤال أهل الذكر» لفضيلته في حلقة تحت عنوان: «المسلم واستقلال الشخصية .. مفاهيم وأحكام» .. وهنا الجزء الأخير من هذا اللقاء:

 

الإلحاد المتطرف والثقافة الاستهلاكية الطاغية والتدخلات العسكرية السافرة .. مشكلات تهدد الحياة -

■ ما يركز عليه العالم الآخر في ألا يكون للمسلمين هوية؛ لأنهم يقولون إن المسلمين لو عادوا للسيطرة على العالم لصادروا الحريات ولمايزوا بين الناس ولكان هناك أهل ذمة ولكانوا هم الأصل وغيرهم الفرع.. إلى غير ذلك.. من أين وصلت مثل هذه الفكرة إلى عقول هؤلاء؟

لا شك أن المسلمين أنفسهم أصيبوا بجهل، فإن كثيرًا من شباب المسلمين اليوم ما عادوا يعرفون حقيقة هويتهم ومعنى استقلال شخصياتهم، وما عادوا أيضًا يعرفون تاريخهم، فإن الصحيح أنهم ما كانوا كذلك؛ لأن المسلمين سادوا العالم وكانوا قادة الحركة الإنسانية العالمية لأكثر من ألف عام وحينما كانوا كذلك نشروا العلوم والمعارف والفنون وبسطوا في الناس العدل ومكنوهم من حرياتهم، وأقاموا أود الحياة على أسس من العمل والخلق والصلاح، بينما نرى نحن اليوم في واقعنا المعاصر دولا كان ينظر إليها على أنها من أعلى الدول والأمم والشعوب شأنا في الحضارات والتقدم والرقي وحقوق الإنسان، وإذا بها بجرة قلم تنفي حقوق من يعيشون فيها ومن يهاجرون إليها، ومن يقصدونها، فأين إذن حقوق هذا الإنسان وأين حقوق ممارسة العقائد وما ينتسب إليه الإنسان وما يرتضيه، فينبغي لشباب المسلمين اليوم أن يتعرفوا هويتهم.

وأضاف: نحن نعلم أن هناك خللا أصاب المسلمين في معرفتهم بمكونات هويتهم التفصيلية لا بالعنوان العام ولا بالشعار الجامع لهم، وشتتت المسلمين وهذا مما ينبغي أن نعترف به في عالمنا اليوم، فهناك دعوات ضيقةـ تقصي هذا وتنبذ ذاك، وتفسق هذا وتبدع الآخر، وتنفيه عن هذه الأمة، وتعلي من شأن صغائر وفروع وجزئيات لا محل لها في أولويات المسلمين اليوم، ولذلك نجد في القرآن الكريم أن أمثال هذه الظروف مرت بالمسلمين، ومرت برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فما الذي أرشدهم إليه ربهم جل وعلا، هل أرشدهم إلى أن يتماهوا في غيرهم وأن يتركوا معالم هويتهم وأن يقدموا التنازلات؟ نجد أن الله تبارك وتعالى يقول: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) حيث تكالبت عليهم الأحزاب وتكالبت عليهم الأمم وهم في ضعف، وقد أتى اليهم المخذّلون الذين يريدون بهذه الأمة الهوان والذل والضعف يخوفونهم من الناس ومن تلك الجموع ومن تلك الحشود والعدد، فكان التوجيه من الله تبارك وتعالى في مثل هذه الظروف: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ، فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، ذلك كل ما قالوه عودة إلى المكون الأول في هويتهم وفي استقلال شخصياتهم، (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ، إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).

له علاقة

■ يحث ديننا الإسلامي الحنيف على تعلم العلوم التي تخدم الإنسان ويبني من خلالها حضارته، ولا شك أن العلم الشرعي ومعرفة حدوده ومتطلباته هو أشرف العلوم وسيدها، مع هذا نجد فئة من طلبة العلم الشرعي إذا ما اجتمعوا بإخوانهم من بقية التخصصات في مجالسهم الشبابية أو محافلهم العلمية فإن البعض منهم يدخل في دوامة الشعور بالنقص، إذا ما سئل عن تخصصه العلمي أو ماهية دراسته فما علاقة ذلكم الشعور باستقلالية طالب العلم الشرعي وإدراك قيمة ما حباه الله تعالى من معارف؟

له علاقة واضحة جلية ولا يقتصر الأمر على أمر علاقة هذه الظاهرة بشخصية طالب العلم الشرعي بل بوعي المجتمع وإدراكه لأن هذا يعني قد يكون من ضمن الأسباب أن هناك نقصًا يجده من غيره، وأن هناك سخريةً أو استهزاءً يجدها من غيرها حينما يصرح لهم بما هو فيه من تخصص في العلوم الشرعية، وهذا لا يصح أن يكون سببا مقبولا لترك الاعتزاز بما هو فيه من العلوم الشرعية، كما أنه أيضا يذكي فيهم الاعتزاز بسائر العلوم المشروعة النافعة المفيدة التي يحتاج إليها المجتمع وتحتاج إليها الأوطان فإن عليهم أيضا أن يعتزوا بوجود متخصصين في العلوم الشرعية، كيف ونحن نجد أن الله تبارك وتعالى حتى في أشد الساعات حلكة يرشد مجتمع المسلمين للحفاظ على مكونات ما يبقي لهم صلتهم بالله تبارك وتعالى على هدى فقه وبصيرة، فقال: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)، فلابد من اكتمال هذه العناصر فكل العلوم في هذا الدين الحنيف مندوب إليها مرغوب فيها، بل إن علماءنا حينما يتحدثون عن فروض الكفاية يمثلون لها بهذه العلوم والمعارف والصنائع التي يحتاج إليها المجتمع لنهضته ولتكون سببا لقيامه وانبعاثه فلا يصح أن تعم ثقافة في النقص من شيء من هذه العلوم النافعة المفيدة فضلا عن العلوم الشرعية التي تبين للإنسان كيفية عبادته لله تبارك وتعالى وتحفظ للمجتمع هويته وترد عنه الشبهات والأباطيل، ونحن نجد أن الأطروحات الكبرى مما هو بائد منها أو مما هو قائم إلى وقتنا اليوم، تلك الأطروحات والأنظمة في الحقيقة ما قام بها متخصصون في مهن وحرف من العلوم الطبيعية وإنما روادها والمفكرون الذين أوجدوها ونشروها إنما هم في التخصصات في العلوم الإنسانية، خذ على سبيل المثال: النظام الرأسمالي والنظام الشيوعي والاشتراكي أساطينهم من المتخصصين في العلوم الإنسانية.

وأوضح قائلاً: اليوم حينما تثار شبهات على فكرة فإن الذي يتصدى لرد تلك الشبهات والأباطيل إنما هم المفكرون والفلاسفة والمتخصصون في هذه العلوم الإنسانية فكيف ونحن نتحدث عن قوام حضارة هذه الأمة الذي هو الدين، فلا شك أنها في أمس الحاجة إلى متخصصين، ولا نقصد المتخصصين في العلوم الشرعية أيضا أن يكونوا مقلدين وأن يأخذوا من أدوات العلوم بالقشور فقط، وأن يقفوا عند سطحيات فنون العلوم الشرعية ومعارفها المختلفة، بل لابد لهم من بذل الجهد والغوص في أسرار هذه العلوم والتشبع منها قدر المستطاع والعب من معينها الصافي من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن التراث الإسلامي ثم من بعد غربلة ذلك كله لابد لهم من إيجاد الوسائل المناسبة لتقديمها للناس لأن الناس أيضا يظنون أن ما لدى هؤلاء إنما هو رجع حديث لا يجدون فيهم شيئا جديدا، لا يجدون تناولا لهمومهم وقضاياهم اليوم ولذلك فهي رسالة أيضا موجهة إلى طلبة العلم الشرعي أن يسلكوا المسالك الصحيحة وإلى أن يبذلوا مهجهم في سبيل التحصيل العلمي؛ لأنهم يريدون لهم رسوخ القدم في هذه العلوم حتى يتمكنوا من حفظ هوية المجتمع ورد الشبهات وتيسير وتسهيل معاني الدين الذي ينتسبون إليه ومحاسن الهوية التي يعرفون بها أنفسهم إلى عقولهم وقلوبهم.

تنازلات

■ في البرامج والأنشطة التي تجمع بين أهل الشرائع السماوية يسعى كل طرف لعرض نقاط الاشتراك التي يمكن من خلالها صناعة الروابط الدينية والإنسانية لتحقيق الحوار والسلام الذي ترجى نتيجة في مثل هذه البرامج.. ولكن قد يتحدث أحدهم باسم ديننا الإسلامي فيخوض في تنازلات قد تصل إلى تهميش مبدأ من مبادئ المسلم أو إلى تهميش حكم من أحكام شريعتنا بحجة المسايرة والتقرب من الآخرين.. هل مثل هذه المبالغات في التنازل تعود لخلل فكري لا يعي من خلاله جوهر وعمق ديننا الإسلامي الحنيف؟ أم هو عائد إلى هزيمة نفسية لدى البعض من الظهور؟

كل هذه الأسباب موجودة .. والحقيقة أنني رأيت بنفسي بعض هؤلاء الذين يكونون في مثل هذه اللقاءات والمؤتمرات أبواقا لتقديم التنازلات بدعوى التسامح والتعايش وقد أغضبني ذلك كثيرا، فلما حان دوري كانت أول جملة أقولها: «نحن مختلفون لكن اختلافنا لا يمنعنا من اللقاء والنظر فيما هو مشترك، ومواجهة التحديات والصعوبات التي تواجهها الإنسانية، ونحن في الإسلام ديننا يأمرنا أن نعتني بالإنسان أيا كان، وأن نبعث في العالم رسالة الرحمة، ثم كنت أذكر لهم التحديات والصعوبات التي يواجهونها، فمما يؤسف له في هذا السياق أن نجد العالم الغربي اليوم ينحط في دركات الرذائل إلى حد اعتراف بعض الكنائس والمؤسسات الدينية بأنماط أخرى من الزواج ويقصدون به الزواج المثلي ولا ينبس رجال هذه الكنائس والمؤسسات الدينية ببنت شفه للنقد أو رد الناس إلى الخير ومراشد الدين الذين ينتسبون إليه، وهذا أحط دركات الانحطاط الخلقي.

من يملك الدواء

إذن.. هل هي انهزامية من أجل أن يبقوا أم التحريف وصل بهم إلى هذه المواصيل؟

هو التحريف واتباع الشهوات ولذلك يبقى السؤال لمن أوحي إليهم القرآن الكريم هل يرضون أن يسكتوا عن هذا وهم شهداء على الناس، وسيسأل الله تبارك وتعالى الناس عما فعله أهل القرآن ولذلك فإن هذا هو الوقت الذي ينبغي للمسلمين أن يقولوا للعالم أجمع» «قف» وأن يبينوا لهم محاسن الأخلاق وأن يردوهم إلى مراشد أنوار دين الله تبارك وتعالى وأن يوجدوا لهم العلاج لمشكلاتهم، فهناك مشكلات تواجه الإنسان في فكره وفي روحه وضميره حيث صارت حركة الحياة تفرغ هذا الإنسان من جوهره ومن حقيقته ومعناه ولا يملك الدواء إلا أهل هذا الإسلام شريطة أن يدركوا أن لديهم الدواء وأن يحسنوا تقديم هذا الدواء لغيرهم، بعد أن يتشربوا هم به، وإلا فإن الله تبارك وتعالى كما نجد في نصوص قرآنية كثيرة سوف يستبدل بهؤلاء قوما غيرهم، وسوف تزول دولتهم وتفنى حضارتهم لأن الحضارة الحقيقية هي الإنسان وليست هذا العمران المادي.

■ في المؤتمر الذي حضرتموه .. ما المبدأ الذي تم التنازل عنه؟

بعضها يكاد يكون حتى فيما يتعلق بالعقيدة، فمثلا حينما نقول: نحن أديان إبراهيمية، ألا يتعارض هذا مع قول الله تبارك وتعالى: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) فالقرآن الكريم ينص على ذلك فما معنى الانتساب إلى أننا أديان إبراهيمية؟ وما معنى أديان إبراهيمية؟ فهذه بداية التنازلات، ثم قس على ذلك ما سواه، ومع ذلك هناك أصوات عاقلة حتى لا نعمم، حيث أذكر أنني عندما طرحت هذا الطرح تفاعل كثير من العقلاء، من المسلمين أنفسهم ومن غير المسلمين، وهناك مشاكلات تواجهها الإنسانية اليوم فيما يتعلق بهوية الإنسان بشكل عام، فهذا الانحطاط الأخلاقي لا يصح السكوت عليه؛ لأنه مؤذن بخراب هذه الحضارة، ونحن نعلم أن هذه الحضارة أبدعت فيما يتعلق بالعلوم والتقنيات والصنائع والكثير من الفنون والمهارات، فهذا إرث إنساني ينبغي أن يحافظ عليه، لكن الأهم من ذلك هو فقدان الروح، فقدان سر هذا الإنسان في هذه الحياة، فما يميز هذا الإنسان عن غيره من الموجودات سر تكريم الله تبارك وتعالى لهذا المخلوق الضعيف وتسخير كل ما في هذا الكون له.

مشكلات مجتمعية

■ لكن في مثل هذه الملتقيات في بعض الأحيان يضطر المسلم لاستخدام مبدأ «شر الناس من يتقي الناس شره».

هناك مشكلات تهدد الحياة الإنسانية، والمسلمون أقدر على وضع الأصبع على هذه الجراح، فانتشار موجة الإلحاد العنيف المتطرف ليس مجرد قناعات فكرية، وإنما صار موجها لاستخدام العنف والقوة بكل وسائل التطرف الممكنة لديه، فأين الذين يتنادون من أجل حفظ الشرائع السماوية وإقامة أود الحياة على القيم والأخلاق؟.

وأضاف: هناك ثقافة استهلاكية طاغية منتشرة في أرجاء هذه الأرض، وأقصد بالثقافة الاستهلاكية الانغماس في وسائل التسلية والترفيه والترف، فتجد أن فقراء العالم يطمحون إلى أن يقلدوا غيرهم في وسائل التسلية والترفيه، لا في العلوم ولا تحصيل العلم النافع، والمعارف المفيدة والعمل من أجل بناء هذه الحياة، وهذه ظاهرة عامة، هناك انعدام للقيم والأخلاق في التدخلات العسكرية السافرة في إطفاء نائرة ما يحصل من نزاعات وخصومات، فتكون هذه التدخلات بعيدة عن القيم والأخلاق، فكيف لا يقدم المسلمون منظومة من القيم والأخلاق يدعون إليها العالم أجمع؛ لأنها منبثقة من صميم استقلالهم في شخصياتهم وإدراكهم ووعيهم بحقيقة ذاتهم؟.