927142
927142
إشراقات

المسؤوليات المهنية.. في موازين الشريعة الإسلامية

16 فبراير 2017
16 فبراير 2017

العمل عبادة -

د. ناصر بن علي الندابي -

وقد ذكر لنا القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة والتسلم نماذج رائعة من قدوة الخلق وخير البشر وهم يعملون في مهن ووظائف مختلفة ليبين لنا مكانة العمل عند الله سبحانه وتعالى، فعلى الرغم من تلك المهمة الجليلة العظيمة التي أوكلت إليهم -مهمة الدعوة إلى الله وتبليغ دينه- إلا أن الله تعالى علّمهم حرفا يقتاتون منها لكي لا يسألوا الناس أعطوا أو منعوا، ولو شاء الله لأغناهم من حيث لا يحتسبوا ولكن أراد أن يصنع منهم قدوة لخلقه ونبراسًا يسيرون عليه.  

من المعلوم أن العمل عبادة وبه تقوم الحياة وبه تُعمر الأرض وبه تقاس الحضارات ومن خلاله يستقل المجتمع ويعلو ذرى المجد والتطور، وعن طريقه نسمو ونحصل على أقواتنا ومعيشتنا، ولا يتأتى الاستخلاف وإعمار الأرض الذي أمرنا به الله سبحانه وتعالى إلا من خلال العمل، وحين نفتح كتاب الله العزيز تطالعنا الكثير من الآيات الحاثة على العمل من بينها قوله سبحانه وتعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُون).

وقد تكّفل رب البرية بالرزق وما على المسلم إلا السعي من أجل الحصول عليه، والأخذ بالأسباب، فالسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، والرزق لا يسقط من السماء وإنما يتحصل بالبذل والجهد والعزم، فقد قال الله عز وجل في محكم التنزيل: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)، فما أوضحها من آية حاثة المسلمين على العمل والسير في مناكب الأرض.

إذن فالإسلام يمقت الكسل ويكره التواكل، ولا يحب أن يرى المؤمن متكاسلا متخاذلا، ولا يريده أن يكون ضعيفا فيُذل ولا محتاجا فيُطمع فيه، كما نفّر الإسلام من العجز والاستكانة للدعة والخمول، وجعل من المهنة والوظيفة وسام شرف لصاحبها فيكون محبوبا في الأرض ومباركا في السماء فهو يعز نفسه ويعز أهله ومن يعول عن الطلب وإراقة ماء الوجه

وقد ذكر لنا القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة والتسلم نماذج رائعة من قدوة الخلق وخير البشر وهم يعملون في مهن ووظائف مختلفة ليبين لنا مكانة العمل عند الله سبحانه وتعالى، فعلى الرغم من تلك المهمة الجليلة العظيمة التي أوكلت إليهم -مهمة الدعوة إلى الله وتبليغ دينه- إلا أن الله تعالى علّمهم حرفا يقتاتون منها لكي لا يسألوا الناس أعطوا أو منعوا، ولو شاء الله لأغناهم من حيث لا يحتسبوا ولكن أراد أن يصنع منهم قدوة لخلقه ونبراسا يسيرون عليه،

فقد قال عن نبيه داود عليه السلام مبينا المهنة التي كان يمتهنها: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُون)، فقد كان نبي الله داود كما هو واضح من الآية حدّادا يعيش من هذه الحرفة، وأوضح لنا هذا نبي الهدى حيث قال عليه الصلاة والسلام: «ما أكل أحد طعاما قط خيراً من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود ـ عليه السلام ـ كان يأكل من عمل يده»، كذلك كان موسى عليه السلام فقد حكى الله تعالى عنه قوله: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ)، فعمل عليه السلام مع شعيب أجيرا يرعى الغنم ويعينه على صروف الدهر من أجل الزواج من إحدى ابنتيه.

وقد طالعتنا قبل وفترة وجيزة وسائل التواصل الاجتماعي بتلكم الإحصائية المنذرة بالخطر على مجتمعنا العماني، التي أوضحت النسبة الكبيرة للأيدي العاملة الوافدة المنتشرة في أنحاء محافظات وولايات السلطنة، الأمر الذي يندى له الجبين ويدق ناقوس الخطر، ويدلل على وجود خلل في نسيج المجتمع، فقد أوضح ذلكم الإحصاء تساوي أعداد الأيدي العاملة الوافدة في بعض المحافظات مع السكان الأصليين، بل الأدهى والأمر من ذلك أن بعض المحافظات بلغ عدد الأيدي العاملة الوافدة فيها أكبر من عدد سكان المحافظة، فيأالله ما هذا الحال الذي وصلنا إليه وما هذا التكاسل الذي إلنا إليه، أخي القارئ، لم تكن تلك الإحصائية ضرب من الإشعاعات التي تصلنا من هنا وهناك بل كانت إحصائية من قبل مؤسسة حكومية معنية بهذا الأمر.

هذه الظاهرة السيئة في مجتمعنا أحببت أن أطرحها هنا في مقالي لأوضح أهمية العمل حاثا كل شاب على مزاولة العمل ومزاحمة هذه الأيدي العاملة في سوق العمل والإمساك بزمام المبادرة في سوق العمل ليصبح مجتمعنا يدار بأيد عمانية خالصة في كل الوظائف والأعمال. وقد كان نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم تاجرا وراعيا للغنم، ولم يتحول الأنبياء والرسل أغنياء وأصحاب أموال وإنما استطاعوا بمهنهم وأعمالهم هذه أن يكفوا أنفسهم مؤونة الرزق. وقد شجع رسولنا عليه السلام أصحابه على العمل فقال: «من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفوراً له».

وقال أيضا: «لأن يأخذ أحدكم حبلاً فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس: أعطوه أم منعوه».

ونذكر في هذا الصدد رواية جميلة عن الهادي عليه السلام في حث أصحابه على العمل، فقد روي أن أحد الصحابة رضي الله عنهم أجمعين جاء إلى مجلس النبي عليه السلام فقام الصحابة مصافحين نبيهم إلا هذا لم يمد يده مصافحًا فاستنكره نبي الهدى وسأله ما بالك لم لا تصافح؟ فقال الصحابي: يا رسول الله إني يدي خشنة ومتأثرة من شدة العمل والكد فاستحييت مصافحتك. حينها قام رسولنا عليه السلام معلما أصحابه وموضحا لهم هذا الموقف فصافح هذا الشاب العامل المثابر ثم أمسك بيد الصحابي وقال مخاطبا أصحابه: إن هذه يد يحبها الله ورسوله، إن هذه يد يحبها الله ورسوله، فما كان من الصحابي إلا أن ازداد فرحًا وغبطةً وعزيمةً لمواصلة عمله والاهتمام به بعد هذا الموقف العظيم من نبينا العظيم.

ولقد سار السلف الصالح من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم على نهج نبيهم محمد عليه الصلاة والسلام فهذا الفاروق –رضي الله عنه– يقول: «أرى الرجل فيعجبني، فإذا قيل لا صناعة له سقط من عيني» وقال أيضًا في موضع آخر حاثا إخوانه من الصحابة على العمل: «لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق وهو يقول: اللهم ارزقني وقد علم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة». كما يروى عن الإمام علي -كرم الله وجهه- قوله: «من مات تعباً من كسب الحلال مات والله عنه راض».

وصدق الشاعر حين قال :

صُنِ النفس وأحملها على ما يزينها

تعش سالما والقول فيك جميلُ

ولا ترينّ الناس إلا تجمــــــــلاً

نبا بك دهر أو جفاك خليــــــــل

يعز غنيُّ النفسِ إنْ قلّ ما لـــــه

ويغنى غني المال وهو ذليـــــل

وقد شبه رسول الله -عليه الصلاة والسلام- الساعي في طلب الرزق ليعف أسرته عن الطلب والراضي بما قدره الله له من رزق، شبهه بالحاج والمجاهد في سبيل الله، جمع الله له ثواب الحج ومثوبة الجهاد، فيا أيها الشباب ويا أيها الإنسان أينما تكون هل وجدتم دينا قبل الإسلام يحث على العمل بهذه الطريقة ويرغّب فيه ويلّح عليه، ويأمرهم أن يجعلوه قاعدة يسيرون عليها في حياتهم، وجعل أعزة الناس وأكرمهم أولئك الذين يعيشون ويأكلون من عمل يدهم وعرق جبينهم، وأثنى على ذلكم المجتمع الذي يكون كخلية نحل نشطة لا مكان فيها للكسالى ولا للمتخاذلين ولا للبطّالين.

وإذا كان يوم الجمعة وهو أفضل أيام الأسبوع، والقرآن الكريم يحض المؤمنين على طلب الرزق ويأمرهم بمجرد أداء الصلاة، أن يسعوا في الأرض لتدبير معيشتهم قال تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ)، إذن فلا مكان للكسالى والمتخاذلين عن الكسب في مجتمعنا الإسلامي.