salem-22
salem-22
أعمدة

إضاءة :للحياة هدف!

16 فبراير 2017
16 فبراير 2017

سالم بن حمدان الحسيني -

حينما يزن الإنسان حياته وفق موازين الشرع الحكيم يدرك تماما أنه لم يخلق في هذه الحياة سبهللا وإنما خلق لأداء رسالة يتوجب عليه أداءها وفق إمكانياته ومقدرته الذهنية والجسمية التي منحه إياها خالقه العظيم (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا)، وقد كان الوعد الإلهي بالتمكين في الأرض لمن أطاعه واتبع سبيله: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).. فما من إنسان على هذه البسيطة إلا وميزه الله بخصائص قد لا توجد في غيره من البشر فهو مطالب بأن يستثمر تلك الطاقات في عمارة هذا الكون وفيما يعود عليه وعلى مجتمعه بالخير وعليه أن يسعى لتحقيق ذلك مهما واجه من تحديات فليست كل الطرق ممهدة وليست كل السبل مفروشة بالزهور والياسمين، فقد اكتنفت هذه الحياة طبيعة التضاد والمفارقات التي لا يجد لها الإنسان تأويلا، وفي ذلك حكمة بالغة تمحص هذا الإنسان وتختبر قوة إرادته فبقدر الصبر والمعاناة يكون الجزاء، وقد واجه ذلك الأنبياء والمرسلون في تبليغ رسالة الحق إلى الخلق.

فكما أن هناك أرواحا تنضح بالخير وتسعى إليه تجد في المقابل التيار المضاد لها ولندرك تماما أن هذه الحياة كانت نتيجة ذلكم الصراع الأزلي بين الخير والشر وبين الحق والباطل، فما الذي أخرج سيدنا آدم من الجنة إلا العصيان الناتج عن وسوسة عدوه اللدود وهو الشيطان وما سبب وقوع أول جريمة بشرية في الأرض بين الأخوين قابيل وهابيل إلا نتيجة الصراع بين روحين متضادتين تمثل إحداهما الخير والأخرى تحمل في بواطنها نزعة الشر والفيصل بين الأمرين هنا «التقوى» وهي التي تكسب الرهان بكل تأكيد في آخر المطاف والغلبة تكون لها مهما بدا في ظاهر الأمر أن المنتصر هي نزعة الشر فقابيل قد حسم المعركة لصالحه حيث سحق أخاه ومحاه من الحياة، وقد أكد الحق سبحانه تلكم الحقيقة حينما قال: (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) إذن الشاهد هنا أن الشر وإن بدا منتصرا إلا أن الكفة الراجحة سوف تكون للتقوى والعاقبة للمتقين، كما جاء ذلك على لسان سيدنا موسى وهو يعد قومه: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، وكما تشير إلى ذلك الكثير من آي الكتاب العزيز.

فلو أن كل إنسان حكّم هذا المبدأ واتخذه ميزانًا يزن به ما يأتيه وما يذره وجعله نصب عينيه لسعد في دنياه وفِي عقباه ولميّز بين الحلال والحرام وبين النافع والضار وبين الحق والباطل ولتكشفت له الحقائق ولاتضحت أمامه السبل.. ولاستوى عنده تبر هذه الحياة وترابها ولاكتفى بالرزق الحلال الذي يكتسبه من بابه وينفقه في أبوابه ولأدرك أن ما اكتسبه في هذه الحياة نتيجة ما تبوأه من منصب أو جاه أو نفوذ هو وبال وليس مالا. فقد روي أن سيدنا عمر صادر الهدايا التي جاء بها واليه، وخطب في الناس قائلاً: «فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول: هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته؟! والله لا يأخذ أحد منكم شيئًا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة)، فما من شك أن ما يكسبه الإنسان من عرق جبينه فيه صحة لبدنه ودينه.

كما حث الدين الحنيف على عمارة واستغلال ثرواتها ونهى عن الانزواء والتقوقع (وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ)، فليس من الزهد أن يعيش الإنسان حياة الكفاف وقد رزقه الله من متاع الحياة الدنيا الرزق الطيب الحلال (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) .. فدعوة الإسلام الصريحة للانتفاع بهذه الأرض وتسخيرها في كل ما من شأنه عز البلاد وراحة العباد، ورفع راية الدين وتمكين عباد الله الصالحين.. (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).