أفكار وآراء

على أوروبا أن تدافع عن نفسها

15 فبراير 2017
15 فبراير 2017

كلاوس بيرنكباومر -

دير شبيجل الألمانية -

ترجمة : أحمد شافعي -

في الحياة أوقات مهمة بحق. أوقات تنكشف فيها طبيعة الشخص، لحظة أن ينفصل المهم عن غير المهم. وسرعان ما تتخذ قرارات تحدد المسار الذي سيسلكه الشخص. قد يكون هذا مأساويًا مع البعض إذ تحين هذه اللحظة في وقت مبكر للغاية من شبابهم وهم غير ناضجين بعد لاستشراف جميع العواقب المحتملة لقراراتهم. فيتخذون القرارات ببساطة ويمضون إلى الحظ أو الشقاء، أما البلاد والحكومات فنادرًا ما تكون على هذا القدر من البراءة عندما يتعلق الأمر باتخاذ قراراتها.

وهذا هو الوضع الموشك. والذين سيتخذون القرار عما قريب كبار وراشدون. وعليهم الآن أن يتأهبوا، حتى إن كان القرار مؤلمًا.

على ألمانيا أن تقف معارضة لرئيس الولايات المتحدة الخامس والأربعين وحكومته. وهذا أمر على قدر كاف من الصعوبة لسببين: لأن الأمريكيين هم الذين حصلنا منهم على ديمقراطيتنا الليبرالية في المقام الأول، ولأنه ليس واضحًا لنا كيف سيكون رد فعل الرجل الشرس الغضوب في الضفة الأخرى تجاه الضغوط الدبلوماسية. والحق أن معارضة الحكومة الأمريكية لا يمكن أن تنجح ما لم تتم بتكاتف من الشركاء الآسيويين والأفارقة -وشركائنا في أوروبا بلا أدنى شك- مع الاتحاد الأوروبي، وهذا لا يجعل الأمر أيسر على أي نحو.

لقد أظهرت ألمانيا حتى الآن دورها القيادي -أو هو على أقل تقدير فهم المستشارة أنجيلا ميركل ووزير المالية فولفجانج شاوبل للقيادة-بوصفه دورًا يتعارض مع مصالح الدول الأوروبية الأخرى. فسياسات التقشف التي يتبعها شاوبل أو سياسات الهجرة التي تتبعها ميركل جاءت جميعًا بدون كثير من التنسيق وبقدر غير قليل من القوة. وهنا تكمن مفارقة ما في أن تكون ألمانيا -أي البلد المسيطر في أوروبا سياسيا واقتصاديا- هو البلد الذي سوف يتحتم عليه الآن أن يملأ الكثير من الفجوات الناجمة عن انسحاب أمريكا من النظام العالمي القديم الذي سبق أن وصفه وزير الخارجية الألماني الأسبق يوشكا فيشر ذات مرة بالـ«أمريكاني». في الوقت نفسه لا بد أن تقيم ألمانيا تحالفا ضد دونالد ترامب؛ لأنه ما من وسيلة أخرى لإقامة ذلك التحالف. وهو تحالف لازم إلى أقصى حد ممكن.

من المؤلم تمامًا أن أكتب هذه الجملة، ولكنني أقولها: رئيس الولايات المتحدة يدير انقلابا من القمة، يريد أن يؤسس ديمقراطية غير ليبرالية أو ما هو أسوأ من ذلك، يريد أن يقوِّض توازن القوى. لقد أقال نائبًا عامًا لتبنيها رأيًّا مختلفًا عن رأيه واتهمها بـ(الخيانة). وهذه هي اللغة التي كان يستعملها نيرو، الإمبراطور الذي أحرق روما. وهذه هي الطريقة التي يفكر بها نوع محدد من القادة .

تهديد جسيم

دونالد ترامب ومطلق نيرانه ستيفن بانون يمارسان التمييز بقرار رئاسي ضد شعوب معينة، ولكنهما يستثنيان الدول التي يتاجر معها ترامب. والاحتقار الذي يكنه رئيس الولايات المتحدة وأهم مستشاريه للعلم والتعليم واضح وضوحا لا يعوزنا إلى الكتابة عنه. أما ازدراؤهما لسياسات المناخ والبيئة فلا بد أن يشار إليه لأن أربع سنوات أو ثماني من هذا الازدراء تمثل تهديدًا جسيمًا.

لقد كانت تعددية التجارة الحرة من بين مظاهر التقدم الحقيقي في القرن العشرين. ولقد بلغ العالم من التعقيد حدَّ أنه ما لدولة بمفردها أن تحل مشكلاته الكبرى، أو أن ذلك ما كنا ندركه. ومن أجل هذا السبب تأسَّست منظمات كالأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وحلف الناتو، والاتحاد الأوروبي. وليس من بين هذه المنظمات ما هو مثالي، لكنها المنظمات التي أنشأناها ونحتاج إليها ويريد «بانون» الآن أن يزيلها جميعا، وإما أن ترامب ينفذ نواياه أو هو يشترك معه فيها. إن الظلم إحدى القضايا الأساسية في زماننا، وكذلك الرقمنة والعولمة، وذلك في ضوء انقسام المجتمع وحدة سرعة الحياة الحديثة. ولكن ترامب يصهر هذه المخاوف المشروعة لدى ناخبيه بالقومية ورهاب الأجانب. وهكذا يعمل الديماغوجيون ومن هنا تأتي فعاليتهم. وإنه من العبث أن نرى الولايات المتحدة ـ وهي القوة العظمى النووية المسيطرة على العالم منذ عقود اقتصاديا وعسكريا وثقافيا ـ إذ تقدم نفسها الآن بوصفها ضحية وتنادي بمنتهى الجدية بشعار «أمريكا أولا» وتحاول أن ترغم بقية العالم على تنازلات مهينة. ولكن صدور مثل هذا الهزل عن أقوى رجل في العالم شَرَك له.

هذا ليس تهديدا من شأنه أن يحل نفسه بنفسه، فالتجارة الألمانية خصم للسياسة التجارية الأمريكية، والديمقراطية الألمانية خصم أيديولوجي لدونالد ترامب. ومع ذلك فإن متطرفي اليمين الألمان يحاولون أن يمدوا له يد المساعدة. غير أن الوقت يفرض علينا أن ننهض لما هو مهم، أعني الديمقراطية والحرية للغرب وحلفائه.

ولا يقتضي هذا تصعيدًا أو يلزمنا بالتنكر لعلاقاتنا مع أمريكا وكل الجماعات العاملة بين حكومتينا. بل يقتضي أن تقوى أوروبا وتبدأ التخطيط للدفاعات السياسية والاقتصادية، ضد رئيس أمريكي يمثل خطرًا.