أفكار وآراء

المحكمة العربية لمنازعات الاستثمار

15 فبراير 2017
15 فبراير 2017

د. عبدالقادر ورسمة غالب -

Email: [email protected] -

ان قيام المحكمة العربية لمنازعات الاستثمار من دون شك سيعمل على دعم وتشجيع الاستثمار بكافة أشكاله ما بين الدول العربية خاصة وأن الاستثمارات تشكل موردا اضافيا للخزينة العامة وتفتح فرص عمل كبيرة وتشجع المنافسة التجارية لتقديم أفضل المنتجات والخدمات، وكل هذا يعود بفوائد لا تحصى على المستهلكين وكل أصحاب المصلحة في المجتمع.

بعد الاطلاع على النظام الأساسي لهذه المحكمة، نلاحظ العديد من النقاط التي تحتاج للدراسة وتستوجب اعادة النظر من أجل تعديل بعض الأحكام حتى تتحقق الأهداف السامية التي تم تأسيس هذه المحكمة الخاصة من أجلها. من النقاط المهمة جدا التي تحتاج للدراسة الجادة نشير أولا الى تفسير وتعريف «الاستثمار» كما ورد في نظام المحكمة ثم تحديد المنازعات المرتبطة به. والأهمية هنا تأتي من دور المحكمة المتعلق بالنظر في تسوية وفض منازعات الاستثمار والفصل فيها وفقا لصلاحية واختصاص المحكمة.

بعد الاطلاع على بعض الأحكام التي أصدرتها المحكمة، نلاحظ صدور قرار المحكمة «بعدم الاختصاص» لأن النزاع المعروض عليها لا يقع ضمن اطار ومعنى «الاستثمار» الذي تختص المحكمة بالنظر فيه وفق النظام الأساسي للمحكمة. ومن هذه الأحكام يتبين، وبكل أسف، أن تعريف الاستثمار غير شامل بل محدود للدرجة التي تحد من صلاحية المحكمة في النظر فيه لأنه خارج اختصاص المحكمة. وهذا الوضع، وبكل بساطة، يتطلب اعادة النظر في تعريف الاستثمار وتوسيع مداه حتى تقع كل الاستثمارات تحت مظلة المحكمة العربية لمنازعات الاستثمار. والا فإن المحكمة ستظل مغلولة اليدين، كما عليه الوضع الآن، عند نظرها للكثير من المنازعات التي ستعرض أمامها. ان إنشاء المحكمة وحده لا يكفي، بل لا بد من منحها السلطة الضرورية وتوسيع نطاق صلاحياتها، ويمكن الاسترشاد بما عليه الوضع في المحاكم المماثلة مثل المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (اكسيد) التابع لمجموعة البنك الدولي بواشنطن.

هناك نقاط أخرى في النظام الأساسي للمحكمة ربما تأتي بنتائج عكسية تحول دون تحقيق العدالة. من هذه النقاط، أن فترة تعيين القضاة في هذه المحكمة لمدة ثلاث سنوات. وفي رأينا أن هذه الفترة قصيرة اذا أخذنا في الاعتبار أن أغلب منازعات الاستثمار من القضايا المعقدة ذات التفاصيل الكثيرة المتداخلة. ولهذا فإن هذه القضايا قد تحتاج لفترة أطول من ثلاث سنوات. هذا يعني في أغلب الأحوال أن مدة القضاة الذين ينظرون القضية قد تنتهي قبل الحسم النهائي للقضية. ومن هذا الوضع الاجرائي ستنجم مشاكل لا حصر لها قد تؤثر علي سير القضية، لذا فإن زيادة مدة عمل قضاة المحكمة قد يكون ضروريا بل عمليا.

هناك اشارة للخبرة والخبراء في النظام الاساسي للمحكمة، وفي منازعات الاستثمار هناك حاجة ماسة للخبراء الذين تستعين بهم المحكمة لمدها بالخبرة المطلوبة التي تساعدها في اصدار الأحكام السليمة. ولكن من هم هؤلاء الخبراء؟ وما هي مؤهلاتهم؟ وما حدود دورهم؟ وما مقدار رسومهم؟... كل هذه الأمور غير واضحة بالرغم من أنها تحتاج للتوضيح الشفاف وهذه الشفافية ستفتح باب المحكمة وتغري الأطراف بدخوله وهم مطمئنون لمؤهلات ودور الخبراء الذين تستعين بهم المحكمة. أيضا، دور المحامين يحتاج للتوضيح خاصة فيما يتعلق بمن هو المحامي المؤهل للظهور أمام المحكمة؟ وهو كل محام عربي مسجل في أي دولة عربية يمكنه الظهور أم هناك شروط معينة ؟ هذا وغيره من الاجراءات مثل اخطار الأطراف والشهود وفحص المستندات والرسوم .. كل هذا يحتاج للتوضيح حتى يكون نظام المحكمة واضحا للعيان. بالنسبة للرسوم، هناك فقرة تلزم الأطراف بإيداع مبلغ ألف دولار في المحكمة قبل السير في الاجراءات وقطعا هذا المبلغ ضئيل جدا بالنسبة لقضايا الاستثمار التي تكون بمبالغ كبيرة جدا.

النظام الأساسي للمحكمة العربية لمنازعات الاستثمار يمنح المحكمة دور «استشاري»، اذ يجوز لأي طرف أن يتقدم للمحكمة يطلب رأيها حول أي موضوع يتعلق بالاستثمار. أعتقد أن هذا الدور يجب أن يكون خارج اختصاص المحكمة لأنها جهة قضائية، «محكمة»، وليست هيئة استشارية يتم اللجوء اليها لتقديم الاستشارات. هناك جهات عديدة تقوم بالدور الاستشاري وهي مؤهلة تماما لهذا النشاط ولديها المعينات التي تمكنها من القيام بدورها خير قيام. ومن المستحسن والأفضل ترك المحاكم لتقوم بدورها القضائي الأصيل المتمثل في اصدار الأحكام في المنازعات التي تعرض عليها، وفي نفس الوقت، لنمنح الجهات الاستشارية دورها الاستشاري وهي مؤهلة لهذا ويمكن الاستئناس برأيها الاستشاري أو العدول عنه على حسب الأحوال وفي نهاية الأمر اذا استفحل النزاع يتم اللجوء للمحكمة للفصل وفق الاجراءات القانونية والمعطيات المتوفرة... وهي ستؤدي دورها القضائي كجهة مستقلة ومحايدة وبعيدة تماما عن النزاع أو أطرافه.

ان تأسيس هذه المحكمة يعتبر اضافة قضائية وعدلية في الدول العربية، ووجودها سيدعم الاستثمار العربي البيني وهذا أمر مطلوب لدعم البيئة التجارية والاستثمارية التي ستعمل على ارجاع الأموال العربية لتدور وتنمو في داخلها لمنفعة الجميع لمستقبل أفضل وأجمل، اضافة لدعم اللحمة والدم العربي. ولتمكين المحكمة من القيام بدورها المنشود لأقصى الحدود، علينا وضع الأمور في نصابها وتقويم الوضع بإعادة النظر في الوضعية القانونية للمحكمة واجراء التعديلات الضرورية التي تمكنها من القيام بواجبها الكبير خير قيام .