921418
921418
مرايا

تشكل شخصيتنا وعقدنا النفسية - للطفولة أثر لا يمحى مهما امتد العمر

15 فبراير 2017
15 فبراير 2017

كتبت - رحاب الهندي -

تمتد بنا الأيام ونكبر إذا مد الله في أعمارنا، لكن جميعنا وبلا استثناء تسحبنا أيام الطفولة التي ليس بالضرورة أن تكون جميلة أو رائعة، فهناك أناس عاشوا طفولة فقر أو حرمان، ليس فقط على الصعيد المادي بل والمعنوي والإنساني، والبعض يعيش بتأثير تشكيل شخصية طفولته حتى تنتهي حياته.

في أحاديث متعددة مع أناس متعددين كان للحديث في هذا الموضوع متعة خاصة نحاول هنا أن ننقله للقارئ الكريم من خلال هذا الاستطلاع.

ترافقنا ولكن بخجل

شيخة وسعيد زوجان يعمل كل منهما مدرسًا للغة الإنجليزية، كان الحديث مطولاً بينهما وكل منهم يشرح تأثير طفولته على حياة الشباب التي يمر بها، قال سعيد: أعتقد جازما أن تأثير الطفولة كبير جدًا، أنا شخصيًا كنت في طفولتي مشاكسا، لكنني كنت مجتهدًا في المدرسة، لذا كان دوما عقابي أقل من المدرس، وغالبًا كنت طفلاً مطيعًا للوالدين (يضحك) والآن مطيع لزوجتي.

وأجدني أتذكر طفولتي من خلال تلاميذي، فأتهاون معهم أحيانًا وأحيانًا أذكر أن لابد من عقاب حتى لا يتكرر الخطأ، وطبعا العقاب ليس ضربا أبدا ولا كلمات جارحة، بل بالإعلان عن الزعل منه، وهذا يضايق الطفل ويحاول أن لا يكرر الخطأ.

أما شيخه فأعقبت: كنت في طفولتي متعلقة بوالدي كثيرًا وكنت أغار من أي طفل يتقرب منه، حتى لو كان أحد إخوتي، وأعتقد هذا التصرف مازال ممتدًا معي للآن رغم زواجي.

الطفولة الصعبة

تحدثت أسماء علي مقبل (باحثة) عن موضوع الطفولة بقولها: أذكر كلاما للدكتور سامر رضوان معناه أن: بعض الأشخاص لديهم صعوبات حياتية من طفولتهم، لا يهنأ لهم عيش إلا إذا قاموا بتسميم حياة الآخرين ومضايقتهم وإزعاجهم انتقامًا لطفولتهم المتأذية أو خيباتهم المتكررة.

الإنسان الذي يعاني من اضطرابات في الشخصية يريد دائمًا أن يصنع لنفسه أعداء وهميين ليحاربهم ولا يرتاح إلا إذا سمم ولوث حياة الآخرين وشعر بالانتصار الوهمي، إلا أنه سرعان ما يكتشف أن حالته النفسية لم تتحسن فيبحث عن أعداد وهميين جدد.

إنه يتابع حربه بعناد ولا يهدأ لأن عدوانيته ستنعكس حينئذ على نفسه ببث سمومه إلى نفسه وسيصاب عندئذ بالاكتئاب ليفترس نفسه وهذا ما لا يطيقه. لهذا هو دائمًا بحاجة إلى إيجاد أعداء وهميين. ولتحقيق أهدافه فهو مستعد لعمل أي شيء، للكذب واللف والدوران والادعاء والمخاتلة والاستهبال والتخريف. هذا النمط بارع في التلاعب بالآخرين ويسخر الآخرين الأضعف لخدمته دون أن يدري الآخر إلى أي فخ يقوده، ثم ينقلب. هؤلاء الأشخاص يبدون الخضوع الظاهري للسلطة وفي الوقت نفسه لا يلتزمون بأي مواثيق وعهود ويمارسون الإنكار وادعاء أشياء لم تحصل إذا كان هذا في مصلحتهم ويقلبون الوقائع ليظهروا بمظهر الضحية ثم ينقضون ثانية. وهذا الجانب في الشخصية غير واع. أما البقية فهي مجرد تفاصيل صغيرة تضفي بالنسبة لهؤلاء على مشهد التوهم بالعظمة والانتصار وما يقابله من إحساس لا شعوري عميق بالخيبة عندما يركنون لأنفسهم معنى يمنح حياتهم اليومية الخالية من أي معنى إحساسا وهميا بالتأثير يغطي على مشهد مشاعر الخيبة والخواء الداخلي. وبدونه لا يتمكنون من العيش فيفترسون أنفسهم.

المشكلة أن المحيط قد لا يدرك ذلك ولا يلاحظه، فيستمر بتزويد هؤلاء بالسماد اللازم لمزيد من الممارسات المدمرة، أو قد يدرك ذلك، ويستغل هذه السمات لمصالح خاصة، فيجد نفسه وقد انزلق في فخ يصعب الخروج منه بسلام.

التعويض

تحدثت فاطمة البلوشية بقولها: فعلا تستمر الطفولة بداخلنا طويلاً ولا ننساها، ونحاول أن نعوض بعض ما كان ينقصنا في طفولتنا، لكن تبقى هناك أشياء لا يمكن أن تعوض.

أكثر ما أشعر به من بؤس في طفولتي حين توفي والدي وتحملت العبء كله، والدتي سهرت وتعبت من أجلنا وقد تركنا والدي أطفالاً، شيء لا يوصف فقدان الأب، وهذا ما أثر في طفولتي، والمصادفة أن لي صديقة في مرحلة الطفولة توفت والدتها، فكان إحساسها بالفقد مشابها لإحساسي الآن، وأحاول أنا وإخوتي تعويض والدتنا عن شقاء العمر والتعب من أجلنا.

الرعاية

لا يمكن لأي طفل أن يكون سويًا بشكل شبه كامل حين يكبر إلا إذا وجد الرعاية الكاملة أولاً من أسرته ثم مدرسته ثم مجتمعه، هذا ما بدأ الحديث به يوسف البلوشي (موظف) والرعاية طبعًا مادية ونفسية، البعض يفتقد الرعاية المرفهة نظرًا لظروف العائلة المادية، وهذه أفضل كثيرًا من عدم وجود رعاية معنوية. أذكر أنني في طفولتي كنت أعاني من غياب والدي لأسباب عمله، وكثيرًا ما أحتاجه وأكاد أحسد أقراني اللذين يتحدثون عن والدهم، لذا حين أنجبت أحاول أن أعوض النقص الذي أشعر به باهتمامي الدائم بأطفالي وعدم غيابي عنهم إلا فترة العمل، وهذا بكل تأكيد تأثير من الطفولة والذي نخزنه في أنفسنا دوما.

جمال الدنيا

يؤكد الغالبية أن لمرحلة الطفولة جمالًا خاصًا، فهي تتنوع في البراءة واللطف ومحبة الناس واهتمامهم أكثر من أي مرحلة عمرية أخرى، لذا لندع طفولتنا دوما ذكرى جميلة مفعمة بالمحبة والبراءة والانتماء لعالم ابتعد عنا لكننا دون وعي نتشبث به.