randa-s
randa-s
أعمدة

عطر: آسفة لأنني ضللتكم

15 فبراير 2017
15 فبراير 2017

رندة صادق -

[email protected] -

لعل الوجود الإنساني المدون والموثق والمتخيل والافتراضي، وكل ما وصلنا من معارف عبر الزمن وتقلبات أحداثه وعواصفه وجنونه، لا تتعدى أن تكون حكايات لشعوبٍ أو لحضارات أو لأفراد عبروا زمنيا الحياة قبل أن يسقطوا بأجسادهم ويخرجوا من دائرة الكينونة ليدخلوا الى دائرة الحكايات .

هذا الكون بغموضه لم يُعرفنا من نحن حقا؟ ولم يؤكد لنا أننا حلقة في سلسلة أو أننا فصل من فصول حكاية لا نهاية لها أو أن كل واحد منا له حكايته المنفصلة ونهايته الموحدة ولا ينفي فناءنا.

نتحرك وفق المصادفات ونتعامل دائما مع الأشياء على أنها خارجة عن ارادتنا ، ولا نملك القدرة على التحكم بها، لعل هذا الأمر حقيقي بنسبة كبيرة ولكن ونحن نلهث وراء الحياة ونركض وراء أحلامنا الخاصة ونتقلب بين الخير والشر، نجاهر بجنوننا حينا ونتعالى عن قباحتنا في حين آخر وندعي الكمال في أحيان كثيرة، نعارض نوافق نواجه ،الريح الضارية وننحني أمام المرض ،يهزمنا الموت، لا نملك أي شيء فعليا بل ندعي امتلاك الأشياء فمنازلنا لسنا إلا سكانها وسياراتنا تستعملنا ولا نستعملها وأموالنا تركة يحسبها من حولنا،عبثية الوجود حقيقة تفاجئنا واسئلة تنغص يومياتنا وتقلق ليلنا.

العالم يسير وفق مسارات وأقنية تبدو غير متصلة، بل تبدو أنّها تجري منفصلة ولكن في حقيقة الأمر، نحن نعيش بمكان واحد هو الأرض حتى لو انقسمت طبيعتها بين حارة وباردة،استوائية أوقطبية،نحن ابناؤها نباتها بُناتها وقاتلوها ، نحن مفاتيح الخير والشر فيها ، نحن مغتصبوها حتى ناصبتنا العداء،الأرض على اتساعها هي الرحم الذي نعيش فيه .

من الماء الى الذهب الأسود ،الى السباق المجنون من سيجد البديل للماء والبترول ويحافظ على النوع البشري؟ من يرى العالم مراتب وعوالم أولا وثانيا وثالثا؟ من يرانا أرقاما أثقلت الأرض وحان القضاء عليها، فهي طفيليات تستهلك ولا تنتج فلم يعد لها خيار اما العبودية الجديدة أو الموت، فبدأت الحروب المعلنة والحروب الخفية، بدأت عمليات التصفيات العرقية والطائفية.

حكاياتنا الشرقية حكايات حروب وصراعات، حكايتهم الغربية حكاية تعزيز لانقساماتنا،نحن أبناء الشرق اختار الله أرضنا لتكون أرض الرسل والأنبياء واختار لغتنا لتكون لغة القرآن الكريم ،نحن الصفوة الذين تقع على عاتقهم أمور الدنيا ،قدوة سكان الأرض،نحن الحكايات التي لا تنتهي ولن تنتهي،نحن صمت الأرض رغم أنها تصرخ معلنة عبودية الجوع التي تحتاج لعتق الأعناق ،بطون منتفخة وعيون شرهة وأجساد مثقلة بأرتال الدهن والشحم والشهوة العائمة بملذات الدنيا ،نحن القبلة ،محجة العالم لم نتوقف يوما لنسأل أنفسنا : الى أين ؟

... لم ار الشمس الا حين شعرت بحرارتها، ولم أغرق في سحر القمر الا حين فكرت أنه ضوء يطل علينا ليخفف عتمة الليل البهيم، لم اكتب حكايتي ولم أرغب أن أكون شاهدة على كل تلك الحكايات التي تتقاطع معي،لكن مع الفجر ابدأ في الكتابة تكتبني الأحرف ولا أكتبها فكل الحكايات مصادفات ومع هذا هناك حكاية أكبر مني ومنكم،حكاية أمة تتخبط تتقاسم تتقاتل، تكتب حكايات لها رائحة الدم المتخثر فوق أصابع تورطت بجرائم اللامبالاة،لها عيون لم تعرف الدمع متحجرة بلا نبض.

أخاف ان يقرأ أولادي حكاية أمتنا ،أخاف أن تموت كل تلك الحكايات التي ألفتها لهم ليناموا فقد زورت التاريخ والحب ولم أتكلم الا عن الجمال، لأني خفت ان يدركوا عبثية الحياة : “آسفة لأنني ضللتكم “.