مرايا

مسلسل « الكبريت الأحمر».. أوهام الأنفس الضعيفة تسيطر على العقول

15 فبراير 2017
15 فبراير 2017

كتبت - ضحى عبدالرؤوف المل -

يدخل المؤلف «د. عصام الشماع» في جدلية السحر والشعوذة برمزية كتاب «الكبريت الأحمر في بيان الشيخ الأكبر» وبمعالجة درامية منطقية في مسارات أحداثها، التي جذبت ذهنية المشاهد نحوها لاكتمال العناصر الحسية لهذه الدراما، ولتشفي تساؤلاته التي أغرقه بها المؤلف، بحنكة سيناريو يعالج به جدلية ما زالت من الحقائق المخفية في العالم الذي تسيره العين القادرة على تتبع حركة البشر المشبعة بالميول الخرافية، التي وان ذكرها القرآن الكريم، إلا أنها تحتاج الى الكثير من الاجتهادات في التفسير والشرح العلمي للوصول الى لب مفهومها الحقيقي لا الخرافي، وهذا ما حاول إظهاره دكتور «عصام الشماع» ليحمل المسلسل الكثير من الخيوط التي تعتمد على الرعب والتحفيز والتشويق الدرامي لنص هو الخامة الجوهرية الأساسية لنجاح مسلسل « الكبريت الأحمر» المنسجم مع الرؤية والفكرة والسبك الدرامي الذي رافقه مميزات كاتب اخترق الفهم الإدراكي للمشاهد، لصقل أفكاره وتركه يتذبذب بين التصديق والتكذيب حتى نهاية المسلسل، ليحمل العقل الإنساني قوة في تلفيق الأحداث، وجعلها تصب في خانة الشعب يريد هذا أو الانقياد العام للمصالح العامة التي تلتقي أو تتصادم مع المصالح الخاصة.

مسلسل من بطولة بطولة «احمد السعدني» الذي استطاع إظهار لياقة تمثيلية عالية في هذا المسلسل الى جانب الفنانة «داليا مصطفى» التي خرجت عن المألوف عبر تعاطيها مع الشخصية المريضة نفسيا الناشئة عن سلوك الأم المتعددة الأزواج، اذ تقع فريسة الحب والتمرد على حالة مكتسبة من مجتمع نجحت بالتعاطي معه أمها في حين أخفقت هي رغم الاهتمام والرعاية التي تلقتها من زوج عقلاني انتفض أيضا على موروثات الأب المشعوذ الذي قاد حياته من خلال ممارساته التي تساعد في تثبيت الإيمان بالسحر، للنيل من معتقدات أهل القرية التي يسكن فيها والفقيرة جدا رغم أنها تمتلك من الآثار ما يجعلها من القرى السياحية الكبرى، فهل هذا ما تحاوله الدول الكبرى لتزداد الدول الفقيرة فقرا وبؤسا؟

الفنان الكبير «عبدالعزيز مخيون» و»الفنان زكي فطين عبد الوهاب» والاختلاف بالمسارات الدرامية بينهما، وقدرة كل منهما السلطوية الأول بممارسة السحر من خلال المعتقدات القائمة على استخدام المفهوم القراني معتمداً على التقاط ثغرات النفوس الضعيفة التي تتطلع الى فك السحر بالطلاسم وما الى ذلك، وهي غير قادرة على إدراك ماهية العلم في تنفيذ مآرب السحر ليكون اقرب الى التصديق، والآخر على المال الناشئ من تهريب الآثار والاتجار بها، لتعم المحرمات على الاثنين وتغطي حياة كل منهما بالسلبية، ليتأمل المشاهد عالمه الصغير في نص أبحر بنا نحو القديم الجديد أو بتحديث رؤية السحر عبر عصر اتسم بالحداثة. إلا أن اليقين بالسحر لم يختلف، وما يخدم قوى الشر لا يمكن الانتصار عليه إلا بالعقل، فهل نجح المسلسل بمعالجة آفة السحر القائمة على خدمة أسياد السياسة أو أقطاب رؤوس المال عبر التفاعلات الإنسانية ان بالتعاطف أو بالرفض المبطن أو بالتدليس أو بالذاتية القائمة على مبدأ الحفاظ على المصلحة العامة؟

التصوف والدين وعلوم القرآن ومفاهيم انطلق منها المسلسل، لتكوين نظرية تعيد تصحيح يقين المجتمعات المتخلفة التي لا ترنو الى فهم لب مشكلة السحر والشعوذة، ولا التمسك بالآيات القرانية التي تبث الطمأنينة، بل الى الاتجار بالسحر لتغطية تجارات أخرى كاللحم الأبيض وسرقة الآثار وتعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة، إضافة الى مأرب شخصية كالانتقام معتمدا على ان كل مجرم هو مريض نفسي أولا. وبهذا تتفاوت المفاهيم في هذا المسلسل بين من اعتمد على نفسه في الحصول على العلم، وبين من اعتمد على مال

أبيه، وبين من يأخذ كل شيء الى نفسه وبين من يعطي كل شيء للآخرين، فكانت نقطة التوازن بين كل هذا هي الطفلة التي وضعها المؤلف، لتكون برمزيتها العفوية والبريئة قادرة على إدراك المخاطر قبل ان تحدث، لأنها ما زالت تحتفظ بصفاء القلب وطهارة النفس التي لا توسوس بالشرور، ولا بمتطلبات الحياة التي أنهكت الجد والأم والفرن الذي تشتعل فيه النيران كل يوم لصنع الخبز للحي.

تتر البداية وموسيقى تصويرية للموسيقي «راجح داوود» المنسجمة مع تطلعات كاتب النص والمخرج، وكل ممثل من المسلسل عبر تقمصه للشخصية بحيوية تمثيلية ذات تفاعلات طبيعية ميالة الى يقين المجتمعات التي خرجت منها مفاهيم كل فكرة ناقشها المؤلف بالنص، وحاورها المخرج بالمشاهد المتماشية مع كل مشهد وأركانه وعناصره، دون كلام لأغنية تترجم النص. لتبقى عناصر التشويق ضمن رموز الصورة في شارة البداية التي تؤكد على مفاجآت عديدة في مسلسل تسيطر عليه فكرة مادة الكبريت الأحمر الخرافية، فهل نرث الآباء من جيل الى جيل، لنبقى ضمن قيود اجتماعية لها التأثير الاكبر على البناء والتطور فهل مجتمعاتنا هي التي تجعلنا فريسة الأوهام؟ ام اننا نرث الآباء بتوريث له قواعده الحياتية المبنية على المفهوم الخاطئ؟ والشك هو السبيل الى اليقين والارادة تهدم الخرافة، فما هو موروث الجهل الذي يعالجه مسلسل الكبريت الأحمر عبر الدراما. العقل والروح والضمير كينونة الإنسان التي تجتمع فيها خصاله الحميدة القادرة على رفع مستوى الوعي عند الإنسان من خلال العلم والمعرفة، كالدكتورة المناضلة في القرية حيث يعم الجهل، ولكنها لم تشعر باليأس ولم تغريها السياسة ولا مكانتها الاجتماعية من خدمة قريتها، لتمحو بذلك بعض المأساة التي تتعرض لها القرى الأمية في الدول التي تحتاج الى تكاتف المواطن الذي لا يلجأ الى المغيبات ولا المنشطات ولا الى الغيبيات التي تفتح أبواب السحر والشعوذة على مصراعيه، وقد نجح المسلسل في تبسيط الرؤية المعقدة للمشاهد، ليكتشف ان ما يسيطر على العقول هو أوهام الأنفس الضعيفة.