sharifa
sharifa
أعمدة

وتر: زحمة يا مسقط

15 فبراير 2017
15 فبراير 2017

شريفة بنت علي التوبية -

لم يعد الزحام غريبا، لقد أصبح معتادا وربما جميلا ومألوفا، إنه يعرفنا ونعرفه، يحبنا ونحبه، وطابور السيارات يصبح أكبر بشارع مزدحم لا تعرف نهايته، لم يعد هناك فرق كبير في أن تتقدم بخمس دقائق أو تتأخر في دخولك للشارع، فالزحام ليس له زمن في مسقط الجميلة المزدحمة بعشاقها، والمكتظة بالبشر والسيارات والحكايات، وقدرك أن تكون أحد أبطال هذا الزحام اليومي في مدينة تعشقها رغم ازدحامها وتحبها لأنها المدينة الأجمل في عينيك، ففي شوارع مسقط عالم يستحق التأمل، وحياة تستحق أن تُشاهد بعين عاشق .

ما عاد يزعجنا الزحام، لقد أصبحنا جزءا منه، وفصل من تفاصيله الصغيرة والجميلة منذ اللحظة التي نستيقظ فيها مهيئين أنفسنا له، ولحياة نحن شركاء في صنعها، فكلما دخلت إلى الشارع في الصباح الباكر أستعيد أحد المشاهد للممثل البريطاني ( روان أتكينسون ) في شخصية مستر بن بأحد أفلامه الكوميدية وهو يغسل أسنانه ويرتدي ملابسه وحذاءه بالسيارة، ليتحول الزحام إلى حياة، فهناك امرأة ثلاثينية تضع أحمر الشفاه وأخرى ترسم بقلم الكحل حول عينيها، وهناك رجل أربعيني يشرب فنجان قهوة حارة كما يبدو من الدخان المتصاعد من الفنجان، وهناك شاب يقرأ رسائل الأصدقاء أو يقلب في مواقع التواصل الاجتماعي، هناك من يبحث في قنوات المذياع، هناك فتاة تلتقط صورة ( سلفي) لنفسها، وهناك من امتهن الانتظار وبقي صامتا، هناك من ينظر إليك فتلتقي عيناك بعينيه من خلف زجاج النافذة فيحييك بخجل، تنشغل بالاستماع إلى برامج إذاعية مختلفة، تتعجب أن برامج طلبات الأغاني ما زالت تبث وأن هناك من يتصل ليطلب أغنية ليهديها إلى أصدقائه وربما لامرأة مجهولة، رغم توفر تطبيقات الموسيقى في الهواتف الذكية.

في هذا الزحام تكتشف أن هناك من يشبهك ويغريه التأمل كما يغريك، هناك حياة لك أن تراها وتشعر بها ولا شيء قادر على إفساد متعتك بتلك اللحظة، فهناك حياة تستطيع أن ترصدها وأنت في بيتك المعدني المسمى سيارة، وهو الذي ربما تقضي فيه من الوقت أكثر مما تقضيه في بيتك الإسمنتي، وتكتشف أن للشارع أخلاقه وفلسفته وحياته بما فيه من فرح وحزن وحب أو غضب، ولك أن تدرك ذلك من تعامل البشر وتصرفاتهم حتى وهم داخل سياراتهم، لذلك أدين للزحام بتلك اللحظة التي أكون فيها مع نفسي التي قد أضعتها في زحمة الدنيا، فالتقيها بلحظة تأمل في زحمة شوارع الجميلة مسقط.