الملف السياسي

كيف سيحل جوتيريس مشاكل الأمم المتحدة ؟

13 فبراير 2017
13 فبراير 2017

د. فالح حسن الحمراني/ كاتب من العراق مقيم في موسكو -

[email protected] -

من الصعوبة الآن الكلام عن التدابير التي سيعتمدها جوتيريس لتعبئة المجتمع الدولي لمواجهة تلك التحديات المتفاقمة

رحبت موسكو بانتخاب أنطونيو جوتيريس امينا عاما للأمم المتحدة مثلها مثل غالبية دول العالم، وعقدت عليه الآمال الكبيرة في إنجاز ما كان تدعو له بتفعيل دور المنظمة الدولية ودورها في مواجهة التحديات الماثلة أمام البشرية، وإصلاح آلياتها للنهوض بتلك المهام. وجوتيريس من الشخصيات ذات الثقل السياسي، شغل سابقا منصب رئيس وزراء البرتغال ويعرف جيدا النظام المعقد للأمم المتحدة نظرًا لكونه عمل في مفوضية شؤون اللاجئين، كما يُعرف عنه بانه إداري مميز.

ولكن هل بوسع جوتيريس دفع الخطط والأفكار التي طرحها للتغلب على صعوبات عمل المنظمة والتحديات لتدخل إلى حيز التنفيذ؟. المعروف أن كل أمين عام جديد يتحدث في بداية فترته عن الإصلاحات وان جوتيريس يريد جعل المنظمة أكثر فعالية ويركز على التخفيف من حدة المشاكل الملحة، وان جوتيريس لن ينأى بنفسه كما فعل سكرتير المنظمة السابق بان كي مون عن تسوية الخلافات السياسية ذات الصلة بالنزاعات ولكن صلاحيات جوتيريس محدودة وتسري شكليا فقط على سكرتارية المنظمة التي تعد جهازًا تنفيذيًا.

ولم تكن تأكيدات جوتيريس، وهو يستلم مهام منصبه الجديد على انه لن يأتي بالمعجزات على واقع المنظمة تعبيرًا بلاغيًا بل حقيقة موضوعية. فإن تنفيذ مهامه وبرامجه تعتمد بالدرجة الاولى على دول المنظمة وأقصى ما يستطيع القيام به هو إخطار مجلس الأمن عن تلك المشاكل التي برأيه يمكن أن تهدد الأمن العالمي، فضلاً عن أن بمقدوره القيام بإصدار بيانات ينبغي أن تكون متوازنة. ووفقا للنظام الداخلي للأمم المتحدة لا ينبغي أن تكون ذات حد واحد، فعلى أمين عام منظمة الأمم المتحدة أن يكون محايدا وغير منحاز مثله مثل كافة موظفي المنظمة الدولية ولا يستطيع الأمين العام تبني قرارات بمفرده، ويقوم دائما بتنفيذ تكاليف مجلس الأمن والجمعية العمومية للمنظمة الدولية.

وتتوزع المشاكل التي سيتعين على الأمين العام للأمم المتحدة السعي للفت انتباه مجلس الأمن لها على محورين رئيسيين مرتبطين عضويا. فهناك مشاكل ذات طابع دولي وإقليمي وأخرى تخص مؤسسات المنظمة ذاتها. فعلى الصعيد الدولي تتسع مساحات النزاعات والإرهاب الذي اكتسب طابعًا عالميًا ـ علاوة على غيرها من التحديات كالهجرة وتنقل الجماعات البشرية وقضايا حرارة المناخ، وزيادة السكان. وهذه القضايا من دون شك تجعل العالم يواجه الأخطار المحدقة، مما يستدعي المجتمع الدولي العمل على اتخاذ التدابير اللازمة للوقاية منها. وكان جوتيريس قد قال في كلمته أمام منتدى دافوس الاقتصادي «إننا نعيش في عالم خطر. ونحن نرى نزاعات جديدة. وأتخيل ان النزاعات القديمة لن تجد لها الحلول أبدا وان النزاعات تغدو مرتبطة بتحديات الإرهاب العالمي الجديدة». وان النزاعات في الكثير من الحالات تكون متوازية للانتهاكات المروعة للحقوق الإنسانية وحقوق الإنسان. وهناك وعي كامل بان العلاقات الدولية أصبحت اقل فهما وغير قابلة للتنبؤ بها، كما لا يمكن مساءلة ومعاقبة الأطراف التي تنتهكها. وغدا من الصعب على المجتمع الدولي التغلب على الأزمات أو إيجاد حلول لها.

ومن الصعوبة الآن الكلام عن التدابير التي سيعتمدها جوتيريس لتعبئة المجتمع الدولي لمواجهة تلك التحديات المتفاقمة، لاسيما وان الأمم المتحدة لم تغد ساحة للوفاق وانما على الأغلب تلجأ لها الدول والتكتلات الإقليمية حينما تجد أنها في حاجة إلى دعم مشاريعها أو الحصول على المساعدة للتغلب على مشاكلها حصرا، وحينما تؤمن باستحالة تمرير مشاريعها فانها تلجأ والتفافا على المنظمة الدولية بتحقيق أهدافها بوسائلها الخاصة، ولو باستخدام العنف والعدوان واشعال الحروب وإسقاط الأنظمة. ويعقد جوتيريس الأمل على إنعاش الوسائل الدبلوماسية عالميا وجعلها في مقدمة أولوياته وبذل الجهود لخلق الظروف لإيجاد طريق لحل بعض تلك النزاعات. وسيضع في أولويات الأمم المتحدة العمل الوقائي للتغلب على النزاعات وإشكال التهديدات الأخرى.

ويدرك جوتيريس جيدا أن منظمة الأمم المتحدة اليوم تختلف بطبيعتها جوهريا عن الأمم المتحدة التي نشطت في زمن الحرب الباردة وعصر القطبين، حيث كانت الأمور أكثر وضوحا والعثور على حلول وسطية اكثر سهولة. ان بعض المراكز الدولية باتت تتحدث عن أن المنظمة الدولية بشكلها الراهن لم تعد تعكس موازين واصطفاف القوى الدولية، وهناك مطالب بالإصلاح والتغيير وإعادة النظر في بعض الثوابت بما في ذلك قضية حق النقض -الفيتو- وقوام مجلس الأمن الدولي وغيره من القضايا المهمة. ولذلك يضع جوتيريس في خطته جعل إدارة المنظمة اكثر مرونة ولامركزية وقادرة على الاستجابة لمصالح البشر.

وضرورة تفعيل مؤسسات الأمم المتحدة على صعيد التنسيق والمسؤولية وتضافرها كي تتأكد من أنها تعمل من أجل تحقيق هدف موحد ولا تستنسخ وظائف بعضها البعض .

وتتمثل المشاكل الداخلية التي تعاني منها المنظمة الدولية بعدم فعالية المهام الإنسانية وقضايا حفظ السلام وتباعد مقراتها جغرافيها، علاوة على احتكار مجلس الأمن الدولي وسائل التأثير على العلاقات الدولية، وهناك إشكالية تركيبته ومدى تلاؤمهما مع توازن القوى القائم الآن في العالم على خلفية ظهور دول كبرى يمكن أن تؤثر إيجابية على المشاكل العالمية ولكنها محرومة من وسيلة التأثير.