أفكار وآراء

المعلم .. دور مطلوب وينبغي دعمه !

12 فبراير 2017
12 فبراير 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

يكمل طلاب العلم والمعرفة في السلطنة عامهم الدراسي الحالي ببدء نصف العام الدراسي الثاني، وسط تفاؤل كبير بإنجاز معرفي آخر، في ظل مسيرة تعليمية يحرص القائمون عليها بأن تكلل بالنجاحات الكثيرة،

حيث يبرز التعليم في كل المجتمعات الإنسانية؛ كأهم محضن من محاضن البقاء المعرفي، وكأهم عنوان لأي تقدم حضاري، وكأي مناخ آمن لبقاء القيم، ونمو الحياة، وبدونه تدخل الحياة في معترك الجهل والظلم والظلمات، وما نراه اليوم في دول كثيرة عزّ فيها التعليم ما تقشعر منه الأبدان، حيث القتل والنصب والفقر وهي كلها نواتج لغياب هذه المظلة الآمنة في حياة البشرية جمعاء، وهذه الصورة برمتها يعمل على نضارتها وبهجتها شخص أوكل إليه المجتمع هذا الدور، وهو المعلم، وهو رسول المعرفة بلا منازع، وعندما نقول الـ «المعلم» فإننا نعني به ذلك الإنسان الذي يفتّت صخور الجهل من أدمغة الطلاب، ويزيح الستائر الداكنة التي تحول دون وصول المعرفة، ومن أثره تتفتح أبواب المعرفة الى مصراعيها، ولذلك إن نظرت الى الكتاب؛ حسبته المعلم، وإن نظرت الى المعلم؛ حسبته الكتاب، فهما يتقاسمان تجلية الأكدار من الصدور، ومن العقول، ولن ينفك أحدهما عن الآخر، ولم يثبت في عالم الحياة أن أحدا ما تحرر من عوالق الجهل دون أن يمر على جسر المعرفة القائم على الكتاب والمعلم سواء بسواء.

هنا وقفة أخرى تجاه هذا الإنسان الكريم «المعلم» وهي وقفة تحتاج الى كثير من المراجعة لأن أي خلل في المنظومة التعليمية تقاس بمدى حضور هذا «المعلم» من عدمه، ويعي الجميع أنه لو توفرت كل السبل الكفيلة بتقدير جهده وإكرام شخصه، لكان هو في المقابل تضحية بلا حدود، وعطاء لا تحدّه إلا السماء، ولكم تتم سعادته وسروره؛ وهو يرى من كانوا في صفه التعليمي يتبوؤون اليوم أدوارهم الوطنية في خدمة بلادهم في مختلف مجالات العمل والإنتاج، فهو يرى حصاده شاهدا على ما قدم، وأخلص وبذل ووفى، وفي المقابل متى انتقص من حقه، ولم ينل شرف مكانته، وأهمل وعُدّت وظيفته كأي وظيفة إدارية خانقة، ففي المقابل سوف يتراجع ويضمحل دوره، وانعكس ذلك على المنظومة التعليمية برمتها، وهذا ليس في صالح الوطن ككل، ولا في صالح الأمة برمتها، ويكفي ما نراه ونعيشه اليوم من واقع مرير على مستوى الأمة العربية في شأن التعليم، وهروب العقول المتحققة بالمعرفة من خارج بلدانها العربية الى بلدان لا تمت لهم لا بصلة العروبة ولا الإسلام، لأنها فقط حاضنة للمعرفة، ومشجعة للبقاء والاستمرار والتطور والنماء؛ حيث وجدوا ضالتهم المعرفية، فأبدعوا وأجادوا، وفي المقابل اكرموا وقدروا فطاب لهم المقام، وتحولت غربتهم الى أوطان دائمة، وفي المقابل خسرت أوطانهم الأصل التطور والنمو، وظلت مستهلكة لا منتجة، وستظل كذلك الى أن يرث الله الأرض ومن عليها إن لم يلتفت الى هذه الفئة المنجزة في حقل المعرفة الكثير من المعارف والعلوم.

الوقفة هنا ليست فقط في هجرة العقول عن مرابعها، وإنما عن المعاناة التي يعيشها المعلم وهذه لها شقان؛ أحدهما إداري، والآخر مجتمعي، فأما الأول فيأتي من الجهة التي يعمل فيها، وأما الثاني فانعكاس للأول، وهاتان الإشكاليتان ليستا حديثتا العهد، فمنذ زمن بعيد يدور الجدل حولهما، وعلى الرغم من التجربة الطويلة في المنظومة التعليمية، إلا أنه حتى الآن لم تصل القناعة بإنزال هذا الإنسان المنزلة المباركة التي يستحقها، نقرأ هذا الشعور في ما نراه من شكوى لدى الهيئة التدريسية باستمرار، وبالتالي فالشكوى بهذه الصورة المستمرة تعكس معاناة مستمرة لم تنجح الأنظمة الإدارية في مؤسسة التعليم في تجفيف منابعها، وبالتالي فكيف لهذا المعلم أن يعطي بسخاء إذا كانت هناك معاناة ما يعيشها في مختلف التعاطي مع الأنظمة الإدارية، هذه الأنظمة التي يصفها المعلمون بأنها تحول بين المعلم وطلابه في داخل غرف التدريس عن كثير من الممارسات التي يراها المعلم حقا من حقوقه في كيفية التعامل مع طلابه، وعلى ما أذكر انه لما صدر قرار منع ضرب الطلاب من قبل المعلمين، صاحب صدور ذلك القرار الكثير من ردات فعل من قبل المعلمين غير مستحسنة تطبيقه، لأن في ذلك، كما يرون، تمادي فئة غير بسيطة من الطلاب على المعلمين، وعدم احترام مكانة معلميهم المعرفية والعمرية، وعدم الانصياع لمتطلبات الدرس والتدريس، وبالتالي يصبح المعلم بلا شخصية وسط طلابه، وهذا أمر جميعنا ننكره ونرفضه أن يكون موقف المعلم موقف العاجز عن فعل أي شيء في صفه، مقابل طالب لا يعي ما يقوم به من تصرفات مستهجنة في حق معلم في مكانة أبيه، خاصة مع الطلاب المشاكسين في الفصول، بل إن الأمر يصل الى حد أن مدير المدرسة لا يتيح له الإجراء الإداري أن يفصل طالبا مشاكسا ومشاغبا إلا بإذن من الإدارة العليا، وهذا الإذن حتى يصل ويعود الى المدرسة يحتاج الى أسابيع وقد يعود الأمر بعدم تخويل مدير المدرسة الى السير قدما في الإجراء الذي يود تطبيقه، ومن هنا يزداد «تنمر» الطلاب على أساتذتهم وعنادهم ومشاكستهم اكثر واكثر، وبالتالي فأمام هذا المعلم إما قبول هذا الأمر على مضض؛ والاستمرار بنفس حماسته وإيمانه بضرورة القيام بدوره الكامل، وإما أن يتلبسه شعور بـ «الغبن» من جراء اختياره لهذه المهنة، حيث يكون دوره مجرد دور وظيفي إداري يعود نهاية اليوم محملا بتداعيات سلبية تنكّد عليه عيشه وحياته.

أختم هنا باستحضار صورة جميلة عايشتها شخصيا لكوني من جيل طلاب أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن العشرين المنصرم، وهي؛ عندما كنا في المرحلتين الابتدائية والإعدادية كانت هيبة الأستاذ في نفوسنا عالية ومقدرة؛ وذلك بما يبديه من شخصية حازمة، لا تتنازل عن الواجبات المدرسية ولا عن الأخلاق التربوية السامية؛ قيد أنملة، ومن يُخِل بهذا الاتفاق التربوي عليه أن يرضى بمستوى العقاب البدني الذي يستحقه، فكنا على هذا القدر من التعاطي الجميل بيننا كطلاب؛ وبين أساتذتنا الإجلاء الذين ندعو لهم الى اليوم بالصحة والعافية، ومن غادر الحياة الدنيا ندعو له بالرحمة والمغفرة، ونحمل أفضالهم الكريمة دينا لا يسدد إلا بالدعاء الخير لهم، ولذلك كان الطلاب على قدر المسؤولية خلقا وعلما، وشخصيا لم أعش حالة طرد لأحد الطلاب من صفي طوال تلك السنوات الجميلة، حيث كنا نقدّر المعلم ونُكْبِر فيه مكانته العلمية، بل كنا نفسح له الطريق الذي يقبل منها ونذهب بعيدا حفاظا على هيبته، وعندما ارتفعنا الى المرحلة الثانوية، أنزَلَنا معلمون منزلة الإخوة والأصدقاء، فشعرنا بحجم المسؤولية أكثر وأكثر، اما اليوم فنسمع الكثير من المواقف التي يقل فيها الطلاب الأدب على معلميهم؛ لأنهم أمنوا العقوبة «ومن أمن العقوبة، أساء الأدب» حتى تصل في بعضها الى إهانة المعلم إهانة مباشرة، والى تحديه في داخل غرفة الدراسة، والمعلم «المسكين» ليس بيده أي إجراء يخوله القيام به حتى أقلها طرد الطالب المشاكس من غرفة التدريس؛ ليس له على ذلك من سبيل، وهذا مما يؤسف له حقا، وتداعياته على المدى البعيد خطيرة، وخطيرة جدا.

بقول «أحد المستشرقين: إذا أردت أن تهدم حضارة أمة ما؟ فهناك وسائل ثلاث هي:

1/‏‏اهدم الأسرة.

2/‏‏اهدم التعليم .

3/‏‏اسقط القدوات .

* لكي تهدم اﻷسرة: عليك بتغييب دور (اﻷم) اجعلها تخجل من وصفها بـ «ربة بيت»

* ولكي تهدم التعليم: عليك بـ (المعلم) لا تجعل له أهمية في المجتمع وقلل من مكانته حتى لا يحترمه طلابه.

* ولكي تسقط القدوات: عليك بـ (العلماء) اطعن فيهم وقلل من شأنهم، شككك فيهم حتى لا يسمع لهم ولا يقتدي بهم أحد.

فإذا اختفت (اﻷم الواعية) واختفى (المعلم المخلص) وسقطت (القدوة) فمن يربي النشء على القيم؟!!» قول في غاية الحكمة لمن يريد أن يتعظ.