أفكار وآراء

أزمة الديمقراطية وانهيار العولمة وصعود الإرهاب

01 فبراير 2017
01 فبراير 2017

الســـيد يســــين -

[email protected] -

3 أزمات مترابطة تعد من بين الأبعاد الرئيسية لعصر الاضطراب العالمي الذي نعيشه هذه الأيام وهي أزمة الديمقراطية وانهيار العولمة وصعود ظاهرة الإرهاب العالمي   

وفي كتاباتنا في السنوات الماضية ركزنا شديدا على أزمة الديمقراطية في عالمنا العربي بحكم هيمنة النظم الشمولية والسلطوية على مجمل الفضاء السياسي بحيث أصبح صوت الجماهير مقموعاً تقريبا أو هو بعبارة أخرى يساق سوقا لصناديق الانتخابات التي كانت تتم عادة في سياق من التزوير السياسي الشامل لإرادة الشعوب.

من هنا تصاعدت دعوات «الإصلاح الديمقراطي» تحت ضغوط الخارج والداخل معاً. أما ضغوط الخارج فتتمثل أساسا في الولايات المتحدة الأمريكية التي تصرفت في هذا المضمار باعتبارها زعيمة الديمقراطية في العالم وحاملة مشعل الدفاع عن حقوق الإنسان بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي.

وكان من الطبيعي أن تقاوم النظم العربية هذه الضغوط أو تناور فتحدث تعديلات شكلية في الممارسة السياسية بشكل أو بآخر.

غير أن مسار الإصلاح الديمقراطي تعثر لأن النظم السياسية العربية ظلت بوجه عام متمسكة بشموليتها أو سلطتها مما أدى في النهاية إلى اندلاع ما أطلق عليه «ثورات الربيع العربي» والتي كانت في الواقع مجرد «انتفاضات ثورية» أخذت شكل الثورات ولكنها لم تكن كذلك لافتقارها إلى قيادات سياسية واعية ورؤى ديمقراطية للمستقبل.

غير أن تفاعل الأحداث في عصر العولمة أدى إلى انكشاف الديمقراطية ذاتها في نظر جماهير الدول الغربية المختلفة باعتبار أنه تبين من الممارسة أنها لم تكن إلا ستاراً يحمي أفراد الطبقات العليا المستغلة تحت شعارات فضفاضة وخصوصا في عصر العولمة الذي سوق للجماهير باعتباره سيحقق تكافؤ الفرص أمامها وسيساعد الدول -وخصوصا في العالم الثالث- لكي تلحق بقطار التقدم المندفع إلى الأمام بحكم شيوع المعرفة العلمية والتكنولوجية وثورة الاتصالات التي غطت العالم كله، وجعلت من اليسير للغاية أن ينتقل الناس من بلد إلى آخر سعيا وراء التقدم الاقتصادي أو التأهيل العلمي المتقدم.

غير أن مذهب «الليبرالية الجديدة» الاقتصادي الذي روج له باعتباره جوهر ظاهرة العولمة من وجهة النظر الاقتصادية لم يؤد في التطبيق سوى الى ازدياد الدول المتقدمة في مجال الثراء مقارنة بالدول النامية التي زادت فيها نسبة الفقر بين السكان، بالإضافة إلى تدهور المعيشة للطبقات الوسطى والدنيا في المجتمعات الغربية بحكم الأزمة الخانقة التي أحاطت بدولة الرعاية الاجتماعية Welfar Stats التي شاعت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 وحمت في الواقع الدول الرأسمالية الغربية من الآثار المدمرة للصراع الطبقي.

وهكذا أصبحت جماهير المجتمعات الرأسمالية الغربية تقف مباشرة في مواجهة النخب السياسية الحاكمة التي كانت مسيطرة تماما على مقاليد الأمور في المجال السياسي متحالفة في ذلك مع كبار رجال الأعمال في ظل ديمقراطية «نيابية» زعمت أنها تمثل مصالح الجماهير خير تمثيل.

غير أن تصاعد معدلات الركود الاقتصادي في عديد من الدول الغربية الرأسمالية بالإضافة إلى الضربة الساحقة التي وجهت للرأسمالية الأمريكية حين اندلعت الأزمة الاقتصادية الكبرى فيها عام 2008 واضطرت فيها الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس السابق «أوباما» الى أن تضخ عدة تريليونات من الدولارات لإنقاذ الشركات والمؤسسات والبنوك الكبرى التي كادت أن تجعل الدولة الأمريكية ذاتها تعلن إفلاسها فقد كشفت في الواقع عن أن الرأسمالية كنظام اقتصادي دأبت الدعاية الغربية على أن تصوره باعتباره أنجح المذاهب الاقتصادية قاطبة لا تصلح لتطبيق مبدأها الرئيسي وهو منع تدخل الدولة في الاقتصاد باعتبار أن «السوق» وليس غيره هو الأداة المثلى لتنظيم الحياة الاقتصادية. وإذا أضفنا إلى ذلك التصاعد الخطر في معدلات «اللامساواة» في المجتمع الأمريكي وغيره من المجتمعات الرأسمالية، بالإضافة إلى زيادة الأواصر السياسية بين أهل السلطة وطبقة رجال الأعمال كما أثبت ذلك علميا عالم الاقتصاد الفرنسي «ﭙيكيتى» في كتابه الشهير «رأس المال» لأدركنا أن الرأسمالية كنظام اقتصادي قد أعلن عن إفلاسه التام في مجال المذاهب الاقتصادية الكبرى.

غير أن أخطر ما في هذه التطورات هو سقوط نظرية الديمقراطية النيابية ذاتها على أساس أنها - كما تم إثبات ذلك في الممارسة - لم تكن سوى نظام زائف لمصالح الطبقات العليا في حين أن الطبقات الوسطى والفقيرة أصبحت تعاني أشد المعاناة.

بعبارة أخرى لم تعد حملات الترويج المنظمة للديمقراطية النيابية باعتبار أنها خير تمثيل لفئات الشعب المختلفة صالحا، ولذلك انقلبت الجماهير على هذه الصيغة الديمقراطية ومن هنا نشأ الإقبال الشديد على «الشعبوية» التي يقودها سياسيون أو رجال أعمال لم يعملوا بالسياسة من قبل وأبرزهم الآن على الساحة العالمية البليونير «دونالد ترامب» الذي يسمح -عكس كل التوقعات السياسية خلال المنافسة الانتخابية - على أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية وهكذا أصبحت الدول الغربية الديمقراطية وجها لوجه أمام أزمة الديمقراطية مطالبة بأن تتجدد سياسيا وتتجه إلى ما يطلق عليه ديمقراطية المشاركة والتي ما زالت لم تتبلور ملامحها بعد.

ومن ناحية أخرى فقد تبين بعد سقوط النموذج الرأسمالي التقليدي في الممارسة والذي كان يجرم تجريما مطلقا تدخل الدولة في الاقتصاد أن تدخل الدولة أصبح حتما ولكن لم يستطع أي من علماء الاقتصاد الرأسماليين من تحديد حجم هذا التدخل ومداها.

وهكذا أصبح العالم كله -وليس العالم الغربي- فقط في مواجهة أزمة الديمقراطية النيابية والبحث عن بديل سياسي يحل محل الديمقراطية النيابية التي ثبت فشلها في التطبيق بالإضافة إلى سقوط الصيغة التقليدية للرأسمالية ودخول الدولة باعتبارها فاعلا رئيسا في السوق.

غير أن عصر الاضطراب العالمي الذي حاولنا تحديد ملامحه في مقالاتنا الماضية لم يشأ سوى أن يضيف شكلا جديدا للإنسانية المعاصرة وهي بروز ظاهرة الإرهاب المعولم والذي لم يعد يوجه ضرباته إلى دول الشرق الأوسط فقط وإنما أصبح يضرب في قلب باريس وبروكسل ونيويورك!

وهكذا أصبح العالم كله مطالبا بالتفكير المنهجي للوصول إلى حلول ناجعة لثلاثية الديمقراطية والرأسمالية والإرهاب!