18
18
تقارير

ماي تطمح لقيادة العالم إلى جانب ترامب

01 فبراير 2017
01 فبراير 2017

واشنطن - عمان - عماد عبد الرازق:-

اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن تكون رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أول زعيم اجنبي يلتقيه بعد تسلمه مهام منصبه (كان قد التقى رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي خلال الفترة الانتقالية بعد انتخابه)، ولهذا الاختيار عدة دلالات كان لها انعكاساتها على الزيارة، واللقاء والمباحثات.

العنصر الأساسي في الزيارة وفي الاختيار والاستقبال الحافل الذي لقيته تيريزا ماي وربما اهم النتائج التي تمخضت عنها هو ما اصطلح على تسميته « العلاقة الخاصة» التي تجمع البلدين، وحرص كليهما على تقويتها وتكويرها لتشمل كل المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاستخباراتية، خاصة وكلنا نعلم ان بريطانيا كانت دائما الحليف السبّاق للانضمام إلى حروب أمريكا سواء في أفغانستان أو العراق أو ليبيا أو الحرب الدائرة الآن ضد داعش فضلا عن الحرب ضد الإرهاب التي اطلقها الرئيس الأسبق جورج بوش.

ذهب بعض المعلقين إلى حد التنبؤ بل وحث كل من ترامب وتيريزا على توطيد أواصر علاقة قوية بينهما على غرار ما فعله الرئيس الراحل رونالد ريجان ورئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارجريت تاتشر الملقبة بالمرأة الحديدة، وكيف أن تحالفهما وتفاهما العميق كان أحد أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي الملقب آنذاك «بامبراطورية الشر» (كلنا نتذكر مقولة ريجان الشهيرة للرئيس السوفيتي آنذاك جورباتشوف: لتهدم هذا الجدار» اشارة إلى جدار برلين). وعلاقة مماثلة اقامتها تاتشر مع الرئيس بوش الأب إبان حرب تحرير الكويت او تلك التي أقامها توني بلير مع الرئيس بوش الابن، ولاحقا مع الرئيس كلينتون ابان حرب كوسفو، والتي لعب بلير دورا رئيسيا في اقناع كلينتون بخوضها. كل هذا التاريخ الممتد من العلاقة الخاصة والذي بدأ بدخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية 1939 إلى جانب الحلفاء وبفضل جهود بريطانيا بزعامة تشرشل في إقناع واشنطن، هو ما زاد من أواصر هذه العلاقة على مر العقود منذ منتصف القرن العشرين وحتى اليوم.

اليوم يتطلع الزعيمان ترامب وماي إلى علاقة خاصة ربما أقوى على ضوء خروج بريطانيا المرتقب من النادي الأوروبي الذي لا يكن له ترمب كثيرا من الود.

تيريزا وترامب يواجهان ظروفا استثنائية

تيريزا تواجه معارضة شعبية داخلية شديدة لما تمخض عنه استفتاء البريكست الذي بموجبه ستخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (وان لم تكن المعارضة داخل البرلمان لأن حزب العمال المعارض يقوده مجموعة من أقصى يسار الحزب المتشددين بزعامة جيرمي كوربن الذي يعتقد أن الاتحاد الأوروبي مؤامرة رأسمالية، ثم فقد أعلن أنه لن يعارض نتائج استفتاء البريكست، فقط يريد تحسين شروط الخروج).

أما التحدي الأكبر الذي يواجه ماي فهو شروط الخروج من النادي الأوروبي حيث يتوقع الجميع مفاوضات شاقة وشروط مشددة لن تعطي بريطانيا أية أفضلية، خاصة وأن رئيسة الوزراء اختارت الصيغة الأكثر «تطرفا» للخروج من الاتحاد والتي تتضمن أيضا الخروج من السوق الأوروبية المشتركة ( معروف ان بريطانيا لم تنضم أصلا لاتفاقية العملة الموحدة- اليورو- وظلت محتفظة بعملتها الاسترليني). ومن هنا تتطلع رئيسة الوزراء إلى اتفاقيات تجارية واقتصادية تفضيلية مع الولايات المتحدة وهو ما كان ترامب قد وعد به.

ترامب ايضا لايزال يواجه صعوبات وأزمة ثقة أو مصداقية فيما يتعلق بشرعية فوزه في الانتخابات. أولا بسبب فضيحة القرصنة الإلكترونية الروسية خلال الحملة الانتخابية، والتي أجمعت أجهزة الاستخبارات الأمريكية على وقوعها وان لم يجزم احد بما اذا كانت قد أثارت على عمليات التصويت. الا أن هناك إجماعا انها اثرت على الرأي العام باختراق البريد الإلكتروني لرئاسة الحزب الديمقراطي وما تمخض عن ذلك من «فضائح» حول انحياز قيادات الحزب لكلينتون ضد منافسها اليساري بيرني ساندرز. ويواجه ترامب مشكلة اكبر في السياق ذاته حيث كشفت أجهزة الاستخبارات ذاتها عن ملف يضم معلومات مشينة تملكها أجهزة الاستخبارات الروسية ضد ترامب يمكن استخدامها لابتزازه، وهو ما يفسر في رأي البعض اصرار ترامب على كيل المديح للرئيس الروسي بوتين وهو ما يلقى معارضة شديدة حتى من داخل الحزب الجمهوري ذاته. ولا يزال هذا الملف معلقا فوق رأس ترامب كسيف ديمقليس يمكن ان يستخدم في التوقيت المناسب اذا دعت الضرورة سواء من قبل الروس أو خصوم ترامب الجمهوريين والديمقراطيين على السواء لعزله. لكل هذه الأسباب كان ترامب حريصا على دعوة رئيسة الوزراء البريطانية واستقبالها بحفاوة، بل ودعوتها أيضا لمخاطبة المؤتمر السنوي لسياسات الحزب الجمهوري في فيلادلفيا، حتى يثبت من شرعيته على الصعيد الدولي.

اختيار ترامب لرئيسة الوزراء البريطانية جاء لأسباب أخرى لا تقل أهمية. فهناك اتفاق بينهما على جملة سياسات في مقدمتها الخاصة بالمهاجرين واستقبال اللاجئين والعمالة الوافدة من بلدان العالم الثالث. فمعروف أن أحد أسباب إصرار بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي هي سياسة الحدود المفتوحة بين البلدان الأوروبية، سواء بين مواطنيها، أو فيما يتعلق باللاجئين والتي حدد الاتحاد حصة لكل بلد منها رفضت عدة بلدان الالتزام بها. ويتخذ ترامب موقفا مماثلا أولا من اللاجئين وهو ما بدا جليا في قراره التنفيذي الأخير الخاص بسبع دول إسلامية، حيث يريد تقليص عدد اللاجئين من بلدان الشرق الأوسط عموما ( حتى الآن استقبلت أمريكا أعدادا هزيلة من اللاجئين السوريين المهاجرين مقارنة بدول أوروبية وعربية، والقرار الأخير يعلق استقبال السوريين بالذات لأجل غير مسمى).

كما يتخذ ترمب موقفا لا يقل تشددا من العمالة أو الهجرة غير الشرعية من بلدان امريكا الجنوبية. ومن هنا كانت المعركة التي اشعلها مع المكسيك بشأن بناء سور بطول الحدود الجنوبية يصر ترامب ان تتحمل المكسيك كلفته التي تقدر بالبلايين.

لهذه الأسباب اعلن ترامب خلال المؤتمر الصحفي مع تيريزا ماي ترحيبه الشديد بما اسماه «بريطانيا المستقلة» ( كما لو كانت محتلة من قبل الاتحاد الأوروبي)، مثنيا على «العلاقة الخاصة» التي تجمع بين البلدين وعزمهما المشترك على تفعيل وتنشيط توطيد أواصر هذه العلاقة الخاصة. يتفق الزعيمان أيضا وكما بدا من تصريحاتهما في المؤتمر ذاته على ضرورة تكثيف جهودهما في الحرب على الارهاب وضد تنظيم داعش بوجه خاص في سوريا والعراق، وهي الحرب الدائرة بالفعل الآن، ويعتزم ترامب تصعيدها بإرسال المزيد من القوات الأمريكية في مهام تدريب واسناد للقوات العراقية.

وجه آخر للاتفاق بين الزعيمين يتعلق بالموقف من مبدأ حرية التجارة والأسواق المفتوحة. لقد أعلنت ماي ان البريكست يعني بريكست، اي الخروج كاملا من الاتحاد الأوروبي بما في ذلك السوق الأوروبية المشتركة. كذا اعلن ترامب في أول قراراته كرئيس الانسحاب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي، وعزمه اعادة التفاوض فوق شروط أفضل لا تنعكس سلبا على العمال الأمريكيين. وهو ما سبق وأن كرره مررا خلال الحملة الانتخابية، وبالمثل له موقف مماثل من «اتفاقية أمريكا الشمالية للتجارة الحرة».

وماذا عن الاختلافات والخلافات؟

يختلف الزعيمان بشأن الموقف من روسيا والعقوبات المفروضة عليها منذ انتزاعها جزيرة القرم ودعمها الانفصاليين في شرق أوكرانيا وعدم التزامها باتفاق «مينسك». ترى ماي أن العقوبات لا يجب أن ترفع إلا بعد التزام ببنود ذلك الاتفاق، ووقف دعمها الانفصاليين المسلحين في شرق أوكرانيا فضلا عن إعادة جزيرة القرم. وعبرت ماي عن موقفها هذا في المؤتمر الصحفي. ثم كانت نصيحة تيريزا لترامب بان عليه التمهل في السعي لإصلاح ذات البين مع روسيا او دعم التعاون العسكري أو الاستخباراتي معها، مؤكدة إلا داعي للهرولة حتى يغير الرئيس بوتين من سياساته العدائية.

جدير بالذكر، أيضا أن هناك خلافا وان لم يتم تداوله علانية بشأن الأزمة/‏‏‏ الحرب السورية، وثيق الارتباط بالموقف من روسيا، التي تدعم الرئيس بشار الأسد، في مقابل الدعم الأمريكي لفصائل المعارضة على اختلاف مشاربها، وهو ما تدعمه بريطانيا أيضا. كان هذا هو الموقف المعلن حتى نهاية عهد الرئيس السابق أوباما. ولا يعلم احد بعد استراتيجية ترامب الجديدة للتعامل مع ذلك الملف. وان اتضح من قراره بشأن الحظر على دخول مواطني دول إسلامية بينها سوريا، حيث خص اللاجئين السوريين بتعليق دخولهم لأجل غير مسمى، أنه ليس متحمسا للانخراط في تلك الأزمة حتى الآن. والتي قد تفرض عليه إما المواجهة مع الدور الروسي هناك، وهو ما لا يرغب فيه لأنه حريص على الا يخسر ود بوتين (لأسباب لا تزال قيد التحقيق) أو التعاون مع موسكو وهو ما يريده خصومه في الكونجرس والحزبين في الوقت الحالي على الأقل. في هذا الصدد سبق وان عبرت القيادات العسكرية الأمريكية عن معارضتها الشديدة لأي تعاون أو تبادل استخباراتي مع روسيا، والذي ورد الحديث عنه خلال إحدى جولات المباحثات بين الجانبين بشأن الأزمة السورية في جنيف في عهد الرئيس السابق أوباما. كما فند الخبراء العسكريون الأمريكيون مزاعم موسكو بانها تحارب داعش في سوريا، مؤكدين انها تستهدف أولا وأخيرا فصائل المعارضة التي تدعمها واشنطن وتصفها بالمعتدلة. ( يتساءل البعض في هذه الصدد حول ذلك التعاون الذي يزعم ترامب سعيه لإقامته مع بوتين في الحرب على داعش وشركائها؟ ولماذا تحتاج أمريكا صاحبة أقوى وأكبر قوة عسكرية في العالم لمساعدة روسيا في الحرب على بضع مليشيات؟).

كذلك سعت ماي، على حد قولها، لإقناع ترامب بالأهمية الاستراتيجية القصوى لحلف الناتو، بل وحرصت على انتزاع اعتراف علني من ترامب في المؤتمر ذاته بما اخبرها اياه في المباحثات فقالت «لقد اخبرتني ياسيادة الرئيس انك تدعم الناتو 100%. أليس كذلك؟».

نقطة خلاف اخرى حرصت ماي على التذكير بانها سعت لإقناع ترامب بضرورة تجاوزها. حيث قالت انها أخبرت الرئيس الأمريكي بضرورة احترام الاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى، خاصة وانه لم يكن بين أمريكا وإيران بل بين الأخيرة والمجتمع الدولي وقد تم توثيقه عبر قرارات الأمم المتحدة.

قيادة العالم.

كان لافتا للغاية ما اعلنته ماي في ختام كلمتها خلال المؤتمر الصحفي اننا ‹الولايات المتحدة وبريطانيا بوسعهما سويا قيادة العالم على طريق جديد›. اثار هذا التصريح علامات دهشة لدى البعض وقوبل بعبارات سخرية واستهجان من البعض الاخر خاصة من خصوم رئيسة الوزراء في بريطانيا من مناهضي البريكست. الدهشة والسخرية على السواء كان مردهما الى قناعة الفريقين بان بريطانيا لم تعد تلك القوة العظمى التي عاشتها خلال عصر الامبراطورية في حقبة المد الاستعماري. وهو ما لم يزل الكثير من مؤيدي البريكست يحلمون بان بإمكانهم العودة اليه (بريطانيا يمكن أن تزدهر وتكون شريكا عالميا مع كل الدول بمفردها، هكذا يقولون). وهو ما تجسد في الشعار الذي رفعته ماي خلال تصريحاتها بشان البريكست: بريطانيا.. بريطانيا الكونية. لكن الجميع يعلمون باستثناء الحالمين بعودة ‹الزمن الجميل› وعصر الامبراطورية، ان القوة تكمن اليوم في عالم الاقتصاد. وبريطانيا وان كانت تتمتع باقتصاد قوي نسبيا الا انها لا تقارن باقتصادات الصين والهند واليابان. ولا تقول ألمانيا صاحبة القاطرة الاقتصادية الأقوى التي تقود أوروبا. فان كانت ماي تحلم بان تصعد على أكتاف الولايات المتحدة إلى مصاف قوة اقتصادية عالمية فتلك ربما أحلام يقظة يتعين عليها ان تستفيق منها سريعا قبل ان يفيقها الواقع، حسب قول هؤلاء المعلقين. فلن تضحي أمريكا بأوروبا كشريكها التجاري الأكبر لأجل عيون تيريزا ماي مهما أفاض ترامب في مديح العلاقة الخاصة بين ‹أمة واحدة تفرقها لغتان› كما يقول المثل البريطاني تندرا على الفروق بين اللغتين الانجليزية البريطانية والأمريكية.