الملف السياسي

قراءات متعددة لتوصيات .. بلا «أنياب» !

23 يناير 2017
23 يناير 2017

علاء الدين يوسف -

,, بالتأكيد من الصعب فرض قراءة واحدة لمؤتمر باريس ونتائجه، فهذا التجمع الدولي «السبعيني» نجح بالفعل في التذكير بثوابت القضية الفلسطينية مطالبا بتفعيل حل الدولتين والبعد عن التحركات الأحادية، ولكنه في الوقت ذاته ساوى بين الضحية والجلاد ووضعهما في سلة واحدة !َ ,,

في ضوء ذلك سوف تختلف القراءات وتوجهات التحليل والتقييم ؛ يرى بعضها أنه ليس في الإمكان أفضل مما كان نتيجة ظروف وعوامل عديدة ومعقدة تمر بها منطقة الشرق الوسط والعالم بأكمله ، لدرجة يمكن معها أعتبار انعقاد مؤتمر باريس في حد ذاته وما تمخض عنه من توصيات خطوة مهمة على طريق بعث القضية الفلسطينية من جديد في المحافل الدولية ولتذكير العالم بعملية السلام التي ينبغي مواصلتها في المنطقة على أسس وثوابت كانت بعض الأطراف قد عمدت إلى الابتعاد عنها أو نسفها من الأساس، في حين يذهب فريق آخر مدفوعا بمرتكزات ومنطلقات أخرى إلى تجريد توصيات مؤتمر باريس من أي أهمية على أساس أنها ليست أفضل حالا أو أكثر حظا من مثيلاتها التي صدرت عن مؤتمرات وتجمعات دولية كبرى في عديد من المناسبات، وأشهرها على الإطلاق مؤتمر مدريد عام 1991 والذي جمع كل أطراف الصراع سواء من دول الطوق أو الأطراف الإقليمية أو الدولية الفاعلة على طاولة مفاوضات واحدة، أو تلك التي جرت في مناسبات عديدة في كامب ديفيد وواي ريفر وشرم الشيخ.

وحتى القرارات الأممية العديدة، جميعها لم يصادفها أي حظ من النجاح ولم تجد طريقها إلى التنفيذ لافتقادها الإرادة السياسية من ناحية وآليات التنفيذ من ناحية أخرى، بل كانت الأمور تزداد سوءا بعد كل مرة تفشل فيها الجولات التفاوضية، لدرجة أن الطرف الإسرائيلي كثيرا ما كان يصاب بنوبات توحش وسعار تدفعه للفتك بالفلسطينيين والمدنيين الأبرياء وكأنه يرسل رسالة بضرورة طحن إرادة وعظام الفلسطينيين معا للقبول بما يريد وإخضاعهم لإرادته وقوانينه، وهو ما يدفع أنصار هذا الفريق إلى التأكيد على أن توصيات بيان مؤتمر باريس - وبرغم ما ظهر فيها من خطوط إيجابية - تفتقد للأنياب التي تساعد على وضعها موضع التنفيذ، وهي رؤية واقعية بكل تأكيد في ضوء عوامل وحقائق تاريخية ثابتة، ويجب عدم لفظها حتى مع قبول جانب من المنطق الآخر بأهمية انعقاد مؤتمر باريس وما تمخض عنه من قرارات.

وربما كان من المهم في هذا الصدد التطرق إلى رد فعل دولي بعيد نسبيا عن الأضواء ومن شأنه ترجيح قراءة على أخرى أو الانتصار لواحدة منها على أقل تقدير، حيث قلل وزير الخارجية و التجارة المجري «بيتر سيجارتو» من النتائج التي خرج بها مؤتمر السلام في باريس ورأى أنه لم يضف جديدا لحل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية) والذي يتبناه الاتحاد الأوروبي، جاء ذلك في تصريح خاص على هامش مشاركته في اجتماع مجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل الأسبوع الماضي، مؤكدا أن الوزراء الأوروبيين خلال اجتماعهم في بروكسل لم يصدروا أية استنتاجات حول مؤتمر باريس باعتبار أن «موقف الاتحاد الأوروبي من الوضع في الشرق الأوسط واضح ولم يتغير» إضافة إلى أن مؤتمر باريس» لم يأت بجديد في هذا الصدد». وأوضح الوزير أن «مؤتمر باريس لم يضف أي شيء على موقف الاتحاد الأوروبي الداعم لحل الدولتين على أساس مفاوضات بناءة؛ ولهذا السبب لم ير الوزراء المجتمعون في بروكسل أي داع لإصدار استنتاجات حول الموضوع». وأشار إلى أن المجر تلقت دعوة وصفها بـ«المترددة» للمشاركة في مؤتمر باريس، إلا أنها رغم ذلك شاركت على مستوى السفير المجري في باريس، والذي «أكد أن المؤتمر لم يضف أي تقدم على مستوى التوصل إلى حل الدولتين؛ الأمر الذي يفسر عدم إصدار وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي أي بيان حول المؤتمر».

وإذا ما كان الحديث عن الموقف الأوروبي، فمن الضروري التطرق إلى الموقف البريطاني حيث احبطت بريطانيا توصية اوروبية كان مقررًا اعتمادها من قبل وزراء الخارجية الأوروبيين الذين اجتمعوا في بروكسل تنص على إعلان دعم أوروبي جماعي لمقررات نتائج مؤتمر إحياء السلام بالشرق الاوسط الذي جرت أعماله في باريس، وقالت مصادر دبلوماسية متطابقة إن الوفد البريطاني برئاسة بوريس جونسون وزير الخارجية رفض اعتماد أية توصية في هذا الاتجاه رغم مقترح تقدمت به فرنسا ودول أخرى تتخذ القرارات بالإجماع في مجال السياسة الخارجية الأوروبية. وكانت بريطانيا قد قاطعت مؤتمر باريس وأعلنت عن تحفظاتها تجاه انعقاده وتجاه نتائجه وتوصياته وقالت إن لديها «تحفظات معينة» حول عقد المؤتمر في غياب ممثلين فلسطينيين وإسرائيليين «قبل أيام من تنصيب رئيس أمريكي جديد»، وبالتالي فإن بريطانيا شاركت في المؤتمر بصفة مراقب فقط.

ولكن الإدارة الأمريكية السابقة لم تكن أفضل حالا حيث وضعت الضحية والجلاد في سلة واحدة وساوت بين تصرفاتهما، ويبدو أكثر من ذلك أنها حملت على الجانب الفلسطيني وحملته مسؤولية «التحريض والعنف» وهو ما تجلى في تصريحات وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري حيث أشاد بالبيان الختامي الذي وصفه «بالمتوازن»، إلا أنه أوضح في تصريح صحفي أن الدبلوماسيين الأمريكيين أصروا على تضمين البيان لغة قوية تدين التحريض والهجمات الفلسطينية على الإسرائيليين وإن الولايات المتحدة سعت في مؤتمر باريس للحيلولة دون معاملة إسرائيل بشكل غير منصف!

وبمعنى آخر فإن توصيات مؤتمر باريس ومن قبلها قرار مجلس الأمن رقم 2334 الخاص بإدانة الاستيطان صدرت في وقت صعب بالنسبة للفلسطينيين الذين وقعوا على ما يبدو بين سندان إدارة أمريكية راحلة تخلت عن قضاياهم على مدار ثماني سنوات وفجرت قنبلة ضخمة قبل مغادرتها البيت الأبيض بأسابيع قليلة، ومطرقة إدارة أمريكية جديدة قدمت الدعم المفرط للكيان الصهيوني منذ مرحلة مبكرة جدا ويبدو أنها ستفجر الموقف برمته بدعم الأنشطة الاستيطانية في الأراضي المحتلة وكذلك سعيها شبه الأكيد لنقل مقر السفارة الأمريكية إلى القدس، وعلى ضوء ذلك يبدو أن المطلوب الآن بذل جهود جبارة للحيلولة دون تدهور الأوضاع أكثر وأكثر وليس وضع مقررات باريس - التي يمكن وصفها بالقرارات الصحيحة في الزمن الخطأ - موضع التنفيذ! وانطلاقا من هذه المؤشرات المقلقة، من الضروري الانتباه إلى تحذيرات وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت عند افتتاح المؤتمر من «عواقب خطيرة» في حال نفذ الرئيس دونالد ترامب وعده بنقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، وقال إن خطوة كهذه قد تخرج جهود السلام عن مسارها. ودعا الوزير الفرنسي كذلك كشكل من أشكال التوازن القادة الفلسطينيين والإسرائيليين للعودة إلى طاولة المفاوضات تلبية للتطلعات والحقوق المشروعة لكلا الطرفين، مضيفا أن حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية هو السبيل الوحيد لضمان السلام في المنطقة، وبدوره، قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إن «المؤتمر لن يكون بديلا عن المفاوضات المباشرة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني»، مشيرا إلى أن المؤتمر يهدف الى «وضع النزاع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر على أولويات الاهتمام العالمي، وسيرتكز على أسس حل النزاع وفق القرارات الدولية».. وكذلك باعتبارها مخرجا مهما من المأزق الراهن والمحتمل.

وإجمالا.. ليس من المنتظر أن تسفر مقررات مؤتمر باريس عن أي تحريك فاعل لعملية السلام في المنطقة كونها مجرد توصيات بلا أنياب، ولكن في الوقت ذاته لا ينبغي أغلاق الأبواب كلية في وجهها، كونها تضيف مزيدا من الزخم للقرارات الدولية المؤيدة أو الداعمة للحقوق الفلسطينية حتى ولو كانت حبيسة الأدراج، فهي بشكل أو بآخر ذخيرة معنوية وسياسية قوية للحقوق الفلسطينية التي يلعب الزمن لصالحها مهما طال، والمطلوب عربيا وفلسطينيا مزيد من التكاتف والصمود والاستمساك بالحقوق التاريخية .