905746
905746
شرفات

الأمة والعروبة والهوية والتحولات الفكرية

23 يناير 2017
23 يناير 2017

905745

عبد الله العليان -

كل أمة من الأمم تعتز بانتمائها الفكري والثقافي، وهذا الاعتزاز يعبر عنه بالهوية الوطنية التي تجسد الكثير من المعاني المعبرة عن هوية الأمة وأصالتها وتاريخها، وهذه عرفته كل الحضارات والثقافات، وقد حلول الاستعمار عندما احتل بعض من بلدان الوطن، أن يلغي هوية الأمة وتاريخها، وعروبتها، من خلال تشجيع، النعرات الإقليمية والعرقية والطائفية، بهدف محو هذه الهوية العربية، والتهوين من مكانتها في الأمة، بتشجيع من بعض المستشرقين، الذين سبقوا الحملة الاستعمارية.. يقول د/‏ محمد عمارة في كتابه(العروبة والإسلام)، أن بعض المستشرقين، حاولوا أن ينشروا بعض الكتابات التي تقلل من مكانة الأمة العربية، وهذا ما قاله المستشرق (رينان) في محاضرته في باريس عام 1883، وقال ما نصه: «أن الأمة العربية غير صالحة بطبيعتها لعلوم ما وراء الطبيعة ولا الفلسفة». وهذا مخالف لحقائق الواقع، وتجارب ما فعله العرب منذ ظهور الإسلام، عندما انفتحوا على العلوم المختلفة، ومنها الفلسفة، ويرى محمد عمارة في هذا الكتاب «عندما يكون الحديث عن الإسلام، وموقفه من العروبة، والقومية العربية وموقفه من الوحدة العربية.. فلا بد من التنبه والتنبيه إلى أننا بإزاء أكثر من إسلام؟! فهناك» الإسلام» الدين: كما تمثل في النص القرآني الموحي به من الله سبحانه وتعالى، إلى الرسول محمد (ص)، وفي السنة النبوية والتشريعية، التي جاءت تفصيلاً لمجمل القرآن وشرحاَ لموجزه، وفتاوى في قضايا الدين.. وهذان المصدران هما اللذان تجسدا، ثمرة «للاجتهاد»، في «علوم الوحي»، أي «العلوم الشرعية». وهناك أيضا، كما يقول محمد عمارة، الإسلام الحضارة، كما تمثل ويتمثل في ثمرات العقل المسلم، وتجربة المسلمين في مختلف مناحي الحياة الدنيا، التي يستطيع العقل الإنساني أن يدرك حسنها أو قبحها، نفعها وضررها، دون عجز أو قصور يضطره إلى أن يستلهم فيها رأي الوحي وكلمة السماء.وهناك ((الإسلام: الحضارة))، كما تمثل ويتمثل في ثمرات ((العقل)) المسلم و((تجربة)) المسلمين في مختلف مناحي الحياة الدنيا، التي يستطيع العقل الإنساني أن يدرك حسنها أو قبحها، نفعها أو ضررها، دون عجز أو قصور يضطره إلى أن يستلهم فيها رأى الوحي وكلمة السماء..

ولقد عرف العرب المسلمون ، كما يقول د/‏ محمد عمارة، «الإسلام: الحضارة» منذ تأسيس دولتهم الأولى، دولة المدينة، تلك التي كانت ((بيعة العقبة)) عقدا تأسيسيا لها، والتي تبلورت ((مؤسساتها)) تدريجيا، منذ هجرة النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة.. فلم تكن الدولة هدفاً من أهداف الوحي، ولا مهمة من مهام النبوة والرسالة، ولا ركناً من أركان الدين، وإنما اقتضتها ضرورة حماية الدعوة الجديدة، والدفاع عن الدعاة المؤمنين ضد اضطهاد المشركين، فكان تأسيسها وتدعيمها انجازاً سياسياً وحضارياً وقومياً، حفظ الدين، ودافع عنه، وساعد على انتشاره، على الرغم من أنه ليس جزءا أصيلا من مهام النبوة والرسالة ولا هو أصل من أصول الدين!.. وفي ظل هذه ((الدولة))، وعلى مر التاريخ، كما يرى د/‏عمارة ، تبلورت الحضارة الإسلامية في المحيط العربي أولا، ثم في محيط الشعوب التي أسلمت ولم تتعرب.. وكانت ((العلوم العقلية)) وثمرات ((التجربة الإنسانية))، من كل ما يستطيع العقل المسلم إدراك حسنه أو قبحه، نفعه أو ضرره، البناء الذي تجسدت فيه هذه الحضارة، التي هي: ((الإسلام:الحضارة))... أو ما نسميه: ((الحضارة الإسلامية))، وفي محيطنا العربي نؤثر أن نسميها: ((الحضارة العربية الإسلامية))..(7،6).

وهناك

فالعروبة مضمون حضاري، غير عرقي، إذ «تكاد لا تخلص أمة من الأمم لعرق واحد». واللغة هي أبرز جامعات العروبة، كأمة، إذ «تكاد لا تكون أمة من الأمم لا تتكلم بلسان واحد، فليس الذي يكون الأمة ويربط أجزاءها ويوحد شعورها ويوجهها إلى غاياتها هو هبوطها من سلالة واحدة وإنما الذي يفعل ذلك هو تكلمها بلسان واحد..» وهذا المعيار الحضاري للعروبة أصيل وقديم – كما يتحدث عنه ابن باديس- فمنذ ظهور الإسلام حدد الرسول -صلى الله عليه وسلم- العربية وآدابها وعاء تنصهر فيه وبه الطوائف والأجناس التي تعربت، وجعلت ولاءها لهذا الوليد القومي العربي الجديد، وذلك عندما قال: «أيها الناس، إن الرب واحد، والأب واحد وأن الدين واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، وإنما هي اللسان فمن تكلم العربية فهو عربي.. والجزائر: عربية مسلمة.. وكما يقول ابن باديس فإنه «لا رابطة تربط ماضينا المجيد بحاضرنا الأعز والمستقبل السعيد إلا هذا الحبل المتين: اللغة العربية، لغة الدين، لغة القومية، لغة الوطنية المحروسة..» ومهمة هذا التيار هي حراسة العروبة والإسلام، والعودة بالجزائر إلى الحصن المشيد من مزيجها»(53،52).

هكذا، كما يقول د/‏ محمد عمارة، اختلفت وتختلف الآراء حول موضوعنا: علاقة ((العروبة)) بـ ((الإسلام))..وموقف ((الإسلام)) من ((القومية)).. وموقع ((الفكر الإسلامي)) من ((فكر، وحركة الوحدة العربية)) على وجه التحديد..

ويزيد من أهمية هذه القضية. ومن إلحاحها على العقل العربي والمسلم أن الخلاف فيها ليس مجرد خلاف حول قضية ((نظرية)) و((فكرية))، مهما كان مردوها الفكري والنظري.. وإنما هو خلاف يتعدى حدود ((النظر والفكر والتأمل)) في قضية من القضايا ((التاريخية))، إلى حيث يصبح ـ ولقد أصبح بالفعل ـ صراعاً ((حاضراً)) حول ((المستقبل)) و((المصير))!..

بل إن هذا الخلاف القائم حول علاقة ((العروبة)) و((القومية العربية)) و((حركة الوحدة العربية)) بالإسلام، لم يقف عند حدود ((الخلاف الداخلي)) بين فرقاء من أبناء الأمة، وإنما رأيناه، ومازلنا نراه سلاحاً بيد القوى الخارجية المعادية، تاريخياً وحضارياً، لهذه الأمة، تستخدمه بمهارة وخبث شديدين في الحيلولة بين أمتنا وبين امتلاك عوامل الوحدة والقوة والنهوض!..فالاستعمار الغربي، منذ العقود الأولى لموجه غزوته الحديثة، قد استظل بأعلام ((الإسلام)) ورايات ((الخلافة الإسلامية))، وهو يضرب أول مشروع للإحياء والتوحيد العربي في تاريخنا الحديث؟»(91،90).

ويرى المفكر القومي، وأستاذ القانون الدستور العربي، في كتابه (عن العروبة والإسلام)، أن العروبة والإسلام، هي علاقة انتماء إلى مضامين متقاربة ومتشابكة» إن الحديث عن ” العروبة والإسلام ” ليس حديثاً عن كل من الإسلام والعروبة بل هو حديث عن العلاقة بينهما. فهل يحتاج الشعب العربي، في هذه المرحلة من تاريخه ، إلى معرفة العلاقة بين العروبة والإسلام ليحل مشكلات تحرره وتقدمه ؟ هل يقف الشعب العربي ، في هذه المرحلة من تاريخه ، موقف الاختيار الملزم بين العروبة والإسلام ليدافع عن حرية أمته ووحدتها وتقدمها ؟ … هل تلزمه العروبة بغير ما يلزمه به الإسلام، فعليه أن يختار فيما بينهما لتحرر وطناً ومواطناً ؟ … أبداً إنه شعب معتدى عليه من خارجه ، اغتصاباً واحتلالا وهيمنة وتبعية. ومعتدى عليه من داخله ، قهرا وظلما وإذلالا واستغلالا.

ويرى سيف الدولة، لأن كلاً من الإسلام والعروبة علاقة انتماء إلى مضمون واحد أو مضامين متشابهة «مما قد يؤدي إلى الخلط بينهما فيلزم تحديد العلاقة بينهما منعا للخلط ،… أبداً أيضاً. إن الإسلام علاقة انتماء إلى دين (عقيدة). هكذا جاء رسالة (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) {الصف: 9}. وهكذا ارتضاه الله لنا حين اكتمل. (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) {المائدة :3}. ثم وصانا بالإبقاء على علاقة الانتماء إلى الدين هذه والمحافظة عليها (شرع لكم من الدين ما وَصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى: أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) {الشورى: 13}. أما العروبة فعلاقة انتماء إلى أمة بشطري تكوينها: الشعب والأرض، وما أثمر شطراها على مدى التاريخ من حضارة: إنها انتماء إلى وضع تاريخي بينما الدين وضع إلهي. وقد تلتقي القبائل والشعوب والأمم في علاقة انتماء إلى دين واحد. ألم تر كيف تحدث القرآن عن الرسل والأنبياء وأقوامهم ثم وحد بينهم في الدين فكانوا مسلمين. (ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفا ً مسلماً) {آل عمران : 67}. (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب : يا بنيَ إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) {البقرة : 132}. (قولوا آمنَا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لانفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) {البقرة : 136}. (فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا به واشهد بأنا مسلمون) {آل عمران : 52}. إذ (إن الدين عند الله الإسلام) {آل عمران : 19} مع انه ، سبحانه ، قد شاء أن تتعدد الأمم. (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين) {هود : 118}. ثم ألم تر أن الله يقول عن كتاب المسلمين (أأعجمي وعربي ؟ قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) {فصلت : 44} ويضيف د/‏ سيف الدولة،أن وحدة الكتاب هنا لم تلغ تمايز الناس عجما ً وعرباً وإن التقوا عليه هدى وشفاء ،وقال الله تعالى (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) {الحجرات: 13}. فأقر التمايز بين المجتمعات من حيث طور التكوين الاجتماعي. إذ القبيلة هي الوحدة الاجتماعية التي تلتقي ، فتتميز على وحدة النسب العرقي ، حقاً أو وهماً ، ولا تنتسب إلى أرض تخصها من دون الناس ولو كانت مقيمة عليها أما الشعب فجماعة أكثر تطوراً باستقرارها على أرض تخصها من دون الناس تنتسب إليها وتتوه فيها الأنساب العرقية فلا يعتد بها في التمييز، كذلك قيل أن القبائل هم الحجازيون ، أما الشعوب فحيث يتميز الناس بنسبتهم إلى الأرض فيما يلي الحجاز جنوباً من سبأ وحضرموت وما يليهم شمالاً من الروم ، وشرقاً من الفرس. المهم أن القرآن قد أشار إلى التمايز بين القبائل والشعوب والأمم ولكنه لم يجعل لهذا التمايز أثراً نافياً لوحدة العقيدة»(16، 17). ولذلك من أراد أن يمحي العروبة من انتمائها للإسلام، من نظرة شعوبية، وطائفية، فانه يريد يقصي العروبة والإسلام، لأهداف استعمارية معدة مسبقاً ، فشل في خططه عندما كان مستعمراً، والآن أراد من العملاء الحضاريين (وفق تعبير د/‏ أنور عبد الملك)، أن ينفذوا مآربه في هذا المخطط.