أفكار وآراء

الفقر بين سكان العالم والمنطقة

21 يناير 2017
21 يناير 2017

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

لا يتخيل المرء بأن هناك فقرا في بعض دول مجلس التعاون الخليجي، وهي الدول التي تقوم بتصدير ملايين البراميل من النفط يوميا.

هذا ما أعربت عنه الأمم المتحدة وصدمتها مؤخرا عن مستوى الفقر في بعض مناطق الدول الخليجية التي تتمتع بصناديق سيادية وبرامج تنمية، بينما يغيب عنها برامج الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وخاصة تجاه بعض فئات المكونات الخليجية. الأمم المتحدة أعربت عن هذه “الصدمة” من مستوى الفقر ودعت سلطات هذه الدول الى ضرورة إصلاح النظام لديها ليتمكن الجميع من المشاركة في التنمية. كما أعرب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان فيليب ألستون، في مؤتمر صحفي عقده يوم الخميس الماضي أن لديه مخاوف من أن حكومات بعض تلك الدول تصغي إلى مجموعات صغيرة من الأصوات المحافظة - التي تسيطر على الأمور والقضايا المهمة- مشيرا إلى أن هذا الأمر يؤدي برأيه إلى إعاقة التقدم الاجتماعي والاقتصادي، الذي تهدف تلك الدول إلى تحقيقه من خلال الخطط التي وضعتها للمستقبل.

الأخبار التي وردت إلى العالم تشير إلى أن بعض النساء في دول مجلس التعاون الخليجي يبحثن عما يسد رمق عائلاتهن وسط أكوام من القمامة، وأن بعض الرجال مدوا أيديهم للغير طلبًا للطعام أو المال، وأن هناك أطفالا بملابس رثة، ووضع معيشي مأساوي، تلك هي بعض المشاهد في دول تعتبر من أغنى بقاع الدول ولها دخول كبيرة من إنتاج النفط والغاز، فيما ينعم بعض سكانها بالرغد الكبير، وأن تلك الدول تحقق سنويا فائضا ماليًا يقدّر بملايين من الدولارات.

لا شك أن هذه الفجوة وهذا الخلل يعود إلى غياب مبدأ عدالة توزيع الثروة، وأن هناك غيابا في نشر حقيقة الفقر في تلك المنطقة وكتمانها من حيث نشر الإحصائيات الرسمية حول حقيقة “الفقر”. وأحيانا نرى أن تقارير عالمية كتقرير التنمية البشرية العالمي لا تشير لأية بيانات عن الفقر في المنطقة، سواء ما يخص فقر الدخل أو فقر الإمكانيات بالرغم من تناوله كافة البيانات الأخرى عن دول المنطقة. وبعض المؤشرات تتحدث عن وجود ملايين من الفقراء في بعض دول مجلس التعاون الخليجي، وأن البعض يعيشون تحت الصفر، بالرغم من أن بعضهم يستفيدون من خدمات الضمان الاجتماعي الذي تقدم لهم الجهات المعنية وفق بعض المخصصات المعتمدة في موازنات هذه الدول بهدف مواجهة برامج معالجة الفقر والبرامج الأخرى. ويعزو بعض الخبراء هذه الحقائق إلى حالات “الفساد” المشترية في بعض دول المجلس، وأن هناك نخبة تستفيد من ثروات الدول، بينما الغالبية في بعض تلك الدول لا تجد ما يكفي لسد حاجياتها، وأن هناك فجوة هائلة ما بين الفرد العادي وممن يحكمونهم، وأن أصابع الاتهام تتوجه إلى بعض النخب في السلطة السياسية التي تتحكم بالقوة وبالبطش بكل موارد تلك الدول دون حسيب أو رقيب، وتعاقب كل من سولت له نفسه بالحديث عن تلك القضايا برميه في السجون.

المسؤولون في دول المجلس ينفون ذلك ويؤكدون عدم تجاهلهم لهذه القضايا وخاصة الفقر، مشيرين إلى أن السلطات تعترف بوجود الفقر وتعمل على الوفاء بالتزاماتها تجاه شعوبها، مؤكدين بأن البرامج الحكومية ليست كافية، وأن برامج التنمية والفقر تحتاج إلى متابعة مستمرة، بينما النخبة الغنية لا ترى معاناة الفقراء في المنطقة بصورة جدية.

لقد شهدت المنطقة إصدار عدة دراسات تتعلق بالفقر في المنطقة، وواحدة من أهم الدراسات التي خصت الفقر صدرت بعنوان “الفقر المؤنث” وعلى وجه التحديد تهتم بقضية المرأة في السعودية، حيث صدرت عن مؤسسة الملك خالد الخيرية، وأعدّها مركز إيفاد للدراسات والاستشارات. وتبرز الدراسة سمات الأنثى الفقيرة في المجتمع السعودي، ومن أبرزها انتشار الأمية وضعف التعليم وقلة فرص العمل أمامها وعدم وجود عائل بشكل مباشر أو غير مباشر. كما أظهرت هذه الدراسة أن 10.5% فقط من أفراد العينة يعملن، وهي نسبة منخفضة جدًا مقارنة بالفئة العمرية من 20 سنة إلى 50 سنة. وفي هذا الصدد تقول الأستاذة المشاركة في قسم الدراسات الاجتماعية بجامعة الملك سعود مجيدة الناجم من هنا نستطيع القول إن إحدى خصائص الأنثى الفقيرة أنها لا تعمل. وترجع الاستاذة سبب انخفاض نسبة عمل المرأة إلى انخفاض ما يتاح لها من فرص عمل في سوق العمل، وحصرها في وظائف ومهن محدودة جدًا، وهذا يحد من اتجاهها نحو العمل. وأوضحت الباحثة أن بقاء المرأة دون عمل يعد إهدارًا للموارد البشرية من جهة وسببًا لفقرها وحاجتها من جهة أخرى، خصوصًا مع انخفاض مخصصات الضمان، والنقص في أعداد المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية وانخفاض مستوى خدماتها عما يجب أن تكون عليه وفق المعايير العالمية لتحقيق الرفاهية الاجتماعية، فضلًا عن ارتفاع مستويات المعيشة نتيجة التحولات الاقتصادية. ومؤخرًا صدرت دراسة عن مؤسسة الملك خالد الخيرية تحت عنوان “خط الكفاية في السعودية” خلصت نتائجها إلى أن خط الكفاية “الفقر” للأسرة السعودية يبلغ 8926.1 ريال شهريًا أي حوالي (900 ريال عماني)، وهو مكوّن من مجموع المتوسطات الحسابية الشهرية لعشرة احتياجات رئيسة للأسرة. ويعتبر بعض الاقتصاديين أن هذه الدراسة تعتبر من أهم الدراسات المسحية التي أُجريت في هذا الخصوص، مشيرا إلى أن نتائج الدراسة تكشف بجلاء الكثير من أوجه القصور التي يتحمّل مسؤوليتها الأجهزة الحكومية ذات العلاقة بمعيشة المواطن وأسرته، كما أنّها تبيّن ضرورة قصوى لإعادة تصميم وتأسيس العديد من السياسات الاقتصادية الراهنة المرتبطة بالعديد من متغيرات حياة المواطن وأسرته.

إن امتلاك وسيطرة النخبة على موارد الدول في العالم أدى إلى وجود فجوة كبيرة بين الشعوب في العالم، فالتقارير الأخيرة الصادرة عن مؤسسة “أوكسفام” البريطانية الدولية تشير إلى أن 8 من مليارديرات العالم فقط يحوزون ثروة تعادل تلك التي يملكها النصف الأفقر من سكان العالم. ويكشف التقرير إلى اتساع الفجوة بين نصف سكان العالم الأكثر فقرا والأشخاص الأشد ثراء وبشكل أكثر وضوحا، حيث إن 8 أفراد يملكون ثروة تعادل ما يملكه نحو 3.6 مليار نسمة أو حوالي نصف عدد سكان العالم، في وقت يعيش فيه واحد من كل 10 أشخاص في العالم بأقل من دولارين. وطالبت أوكسفام قيادات العالم المشاركين في منتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا ببذل مزيد من الجهد لمواجهة ذلك، محذرة من أن استمرار هذه الوضعية ينذر بمزيد من الاضطرابات السياسية والاجتماعية. كما دعت إلى ضرورة اتخاذ عدد من الإجراءات لمواجهة هذه الفجوة، من بينها زيادة مستويات الضرائب على ثروات الكبار والدخل لتكريس التكافؤ، وضمان تمويل الخدمات العامة، وإحداث فرص العمل، داعية إلى اعتماد نموذج اقتصادي جديد في مواجهة عدم المساواة. وفي هذا الصدد تقول المديرة التنفيذية لـ”أوكسفام” إن “عدم المساواة يعني محاصرة مئات الملايين في الفقر، إنها تسبب الشرخ لمجتمعاتنا وتهديدا للديمقراطية”. وتقدر ثروة هؤلاء الأثرياء الثمانية بنحو 426 مليار دولار، مشيرة إلى أن “الثروات التي راكمها 1% هم أثرى أثرياء العالم في 2015، فاقت ما يملكه الـ99% الباقون من سكان العالم”.

لقد تعمّق الفارق بين المجموعة الأكثر ثراء وباقي السكان بشكل كبير خلال الاثني عشر شهرا الماضية، فيما تكهن تقرير أوكسفام إلى أن 1% سيملكون أكثر من باقي سكان العالم في 2016، لكن ذلك تحقق في 2015 قبل عام مما كان متوقعا”. إن المنطقة الخليجية بحاجة إلى معالجة جذرية ليتمكن الفقير من إيجاد عمل له وقوته اليومي، وأن يحصل على الخدمات اللازمة ليتمكن من العيش مترفها كغيره من شعوب العالم. وهذا الأمر يحتاج إلى مراجعة السياسات وبرامج الاصلاح التي تتبناها أجهزة التخطيط في المنطقة بصورة جذرية.

[email protected]