أفكار وآراء

مفاتيح متعددة في العلاقات العربية الخليجية الأوروبية ..

18 يناير 2017
18 يناير 2017

جمال إمام -

قبل نحو عقدين تقريبا وفي عام 2003 تحديدا بلغ حجم التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول الاتحاد الأوروبي نحو 57.2 مليار دولار بينما تضاعف في عام 2015 ليبلغ أكثر من 155 مليار يورو ..

هل البعد الاقتصادي هو المجال الوحيد الذي تدور فيه العلاقات الخليجية - كجزء من العلاقات العربية الخليجية الأوروبية ..

وهل يكشف بمفرده عن حجم ومستوى العلاقات الاستراتيجية بين الجانبين ..

وإلى أي مدى يحتاج طرف عن الآخر لاستمرارية هذه العلاقات ..

ربما من الأهمية بمكان أن تكون نقطة البداية في فهم مجمل العلاقات العربية الأوروبية والخليجية جزء بالغ الأهمية فيها أن نلقي نظرة على القيمة الجيوسياسية للجوار العربي الأوروبي الذي لم يفقد تأثيره المتبادل على مر العصور وإن كان يزداد أهمية في فترات المد السياسي وتتضح قيمته وتأثيره في إدارة الأزمات التي يمر بها الإقليم ..

على اعتبار أن تكامل وترابط المصالح الاستراتيجية هو الذي يصنع دائما الفارق في العلاقات ويضع الأولويات لدى مختلف الأطراف أن تتصدر أو تتميز علاقات الجوار عن سواها من العلاقات ..

وفي هذه النقطة فإن الأمن الاستراتيجي ويشمل مجموع المصالح السياسية والاقتصادية والتجارية والعسكرية والأمنية والثقافية هو الذي يحكم أهمية هذا الجوار العربي الأوروبي على الرغم من أن بعض الدول العربية لا تقع مباشرة ضمن نطاق الجوار الجغرافي بمعناه المباشر ولكن لها أهميتها الاستراتيجية وتقع في القلب من هذه العلاقات ( دول مجلس التعاون الخليجي نموذجا ) ..

على عكس موقف تركيا التي تمثل جزءا من الجوار أو التماس من خلال القسم الأوروبي في تركيا لكنها لم تدخل حتى الآن ضمن سياسة الجوار الأوروبية بشكل قوي اذ حتى اللحظة يتمنع الاتحاد الأوروبي عن ضمها في عضويته ، وإن كانت مدرجة في عملية التفاوض لتحقيق ذلك .

وفي هذا السياق يبقى البعد الاستراتيجي في العلاقات الخليجية أحد أبرز المفاتيح في فهم مضمون ومجمل هذه العلاقات وفي إطارها أيضا تصدر أقوى وأحدث وأهم إشارة تمثلت في تجديد رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي التي شاركت في أعمال القمة الخليجية في البحرين ديسمبر الماضي على قيمة وأهمية الشراكة الاستراتيجية مع دول الخليج العربية وخاصة على صعيد الاستثمارات التجارية ودعم أمن الخليج ..

هذه واحدة ، الثانية لا يمكن أن نفهم تطور العلاقات الخليجية الأوروبية وأهميتها بعيدا عن ملف الشراكة الاقتصادية الذي تضاعف فيه حجم التبادل التجاري بين دول المجلس والاتحاد الأوروبي عدة مرات خلال العقدين الماضيين ليبلغ أكثر من 155 مليار يورو في عام 2015 حيث يعد الاتحاد الأوروبي أحد الشركاء الاستراتيجيين لمجلس التعاون وخاصة على الصعيد الاقتصادي نظرا “لما يملكه الجانبان من إمكانات وقدرات اقتصادية هائلة تتيح لهما تحقيق الكثير من المصالح المشتركة”

والواقع أنه بحسب الأرقام الصادرة عن مجلس التعاون لدول الخليج العربية فإن الناتج المحلي لدول المجلس تطور ليتجاوز 6.1 تريليون دولار..

فيما تجاوزت قيمة صادرات دول المجلس ووارداتها في الاقتصاد الدولي حاجز التريليون دولار سنويا وهو رقم كبير تتسابق مختلف دول العالم ليكون لها نصيب في السوق الخليجي ..

يدعم ذلك توقعات خبراء الاستثمار التي تتحدث عن زيادة الاستثمارات الخليجية خلال السنوات الخمس القادمة في مشاريع البنية الأساسية التي قدرت بحوالي 200 مليار دولار..

وهو ما يرشح الشراكة الخليجية الأوروبية لمزيد من التعاون عبر برنامج العمل المشترك الذي أقره المجلس الوزاري الخليجي - الأوروبي الذي يساهم في تأسيس مجموعة من المشاريع الثنائية ..

أما الإطار السياسي الذي يأتي بمثابة المظلة لمجمل هذه العلاقات فتبرز فيه الاتفاقية الإطارية للتعاون بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي الموقَّعة عام 1988 ( عقد المجلس المشترك ، ويضم وزراء خارجية الطرفين ، أول اجتماع له في العاصمة العمانية مسقط في 17 مارس 1990) ..

ثم يأتي أمن الخليج ليحتل أولوية كبيرة في العلاقات المشتركة بين التكتلين الإقليميين البارزين خاصة وأن أوروبا ( فرنسا وبريطانيا ) قد نجحت في إعادة تشكيل علاقاتها الاستراتيجية بدول مجلس التعاون الخليجي بعد حرب الخليج الثانية عام 1991 ..

وذلك في ضوء التحديات الكثيرة التي تواجه منطقة الخليج ويمتد تأثيرها إلى الاتحاد الأوروبي خاصة وأن الطاقة وتأمين احتياجات الدول الصناعية الكبرى من النفط الخليجي يتطلب تعاونا استراتيجيا يفرض التزامات على أوروبا أن تكون جزءا من الالتزامات والترتيبات الأمنية الدولية التي تضمن أمن الخليج ..

لكن السؤال الآن في ضوء هذه الشراكة البارزة والاستراتيجية ..

هل حجم هذه الشراكة على مستوى طموحات التكتلين البارزين وما هو الدور المطلوب من أوروبا لتطوير العلاقات التي ربما لا تكون بحجم المصالح المشتركة وبحجم التحديات في المنطقة وبحجم مكانة دول مجلس التعاون ودورها المؤثر في المشهد الإقليمي ..

على صعيد الملفات العربية تنظر دول مجلس التعاون لدور أكبر للاتحاد الأوروبي في الملف الفلسطيني لا يكتفي فقط بمواقف الإدانة للسياسات الإسرائيلية وخاصة فيما يتصل ببناء المستوطنات ..

وإنما يتحرك بقوة باتجاه دعم حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة ..

وربما يجد المراقب في التغيير الذي طرأ على السياسات الأوروبية خاصة العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على الصادرات الإسرائيلية من منتجات المستوطنات وكذلك التصويت داخل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) على وثيقة تؤكد عدم وجود أي صلة لليهود بالمسجد الأقصى ..

بما يعيد التأكيد على الحقوق العربية والإسلامية التاريخية والثابتة بملكية المسجد الأقصى إشارات مهمة على تطور الموقف الأوروبي والذي تتوجه فرنسا بمؤتمرها الدولي في باريس ، الذي عقد امس الاول الاحد لدعم حل الدولتين ..

خليجيا فإن الشراكة الخليجية ـ الأوروبية ينبغي أن تدعم الاتجاه نحو الرغبة في توسيع وتنويع دعم الأمن الإقليمي وفي هذا الإطار فإن الاتحاد الأوروبي ينبغي أن يتحرك خطوة باتجاه تعزيز التعاون الاستراتيجي مع دول الخليج العربية وان يدعمها في مواجهة التحديات الأمنية التي تحتاج إلى مساندة أوروبية كبيرة للقضايا والملفات العربية والخليجية ..

أيضا دول مجلس التعاون في حاجة إلى تطوير النظرة الغربية والأوروبية على وجه الخصوص فيما يتصل بنقل المعرفة والتقنية في مجالات الطاقة والبيئة والزراعة والتصنيع والجامعات وعدم الاكتفاء بالاستفادة من السوق العربية والخليجية على أنها سوق مفتوحة وكبيرة ومهمة لصادراتها ..

العالم العربي ودول الخليج العربية خاصة في حاجة إلى شراكة مختلفة قائمة على تبادل المصالح والمنافع وحان الوقت لتدعم أوروبا ليس فقط القضايا السياسية العربية وإنما أيضا قطاعات النفط والاقتصاد والتعليم والبحث العلمي والتحلية والزراعة والصيد والاستزراع السمكي .. شراكة جديدة ومختلفة خاصة وأن مفاتيحها متعددة ولا يمكن الاستغناء عنها من جانب اي من الطرفين الخليجي والأوروبي ..