sharifa
sharifa
أعمدة

وتر : كلنا عباقرة ..!

18 يناير 2017
18 يناير 2017

شريفة بنت علي التوبية -

استوقفتني هذه العبارة (كانت ستعمّ الفوضى العالم لو كان الجميع عباقرة، على أحد ما أن يراقب العمل ويهتم به) من رواية «كافكا على الشاطئ» لهاروكي موراكامي، تلك القراءة جعلتني أفكر وأن اختلفتُ مع بعض تفاصيلها، ودعتني للتأمل والبحث في ظل هذه الفوضى التي نحياها بحكم تعدد وتداخل الأدوار التي نقوم بها، وتذكرت أني حينما كنت على مقاعد الدراسة كنت أظن كما يظن غيري أن تخصص الطب للأذكياء فقط، وأن الأطباء هم العباقرة، وأن العبقرية تتجلى في التخصصات العلمية فقط، وكنت أظن كما يظن غيري أن التخصصات الأدبية لا يلتحق بها إلا أصحاب المستويات المتدنية في نسبة الذكاء، ولكن تجاهلت ذلك الظن واتجهت إلى ما أحب ولم أندم. مؤمنة بأن كلنا عباقرة، والجميع يملك إمكانيات العبقرية إذا اتجه لما يحب وعمل ما يريد، وكان في مكانه الصحيح بغض النظر عن نوع أو حجم الدور الذي يقوم به، ولكن بحكم ما نحن عليه من تقييم ذاتي أو وفقًا لثقافتنا الاجتماعية يكون تصنيفنا لدور الآخر غير منصف، لنضع أحدهم في مصاف العباقرة وننزل الآخر إلى مرتبة أدنى، وتستمر بعض العائلات في دفع أبنائها للالتحاق بتخصصات علمية تناسب مقاس طموحاتهم كعائلة لنفس الظن القديم، ولعمري أن بعض الظن إثم وجريمة كما تدلنا النتائج بعد ذلك

فنحن لا نرى العبقرية إلا من خلال تخصصات متفق عليها، بينما نحقّر من شأن الوظائف والتخصصات الأخرى لأسباب اجتماعية تحد من قدرتنا على النظر للأشياء بمنظورها الحقيقي، فتبدو لنا ليست كما هي وإنما كما نود أن نراها، وفق مقاييسنا المادية، فنقلل من شأن بعض الأعمال لأن مردودها المادي قليل، فلا نرى في عامل البناء سوى عامل بسيط رغم ما يقوم به، ولا نرى فيمن يعد لنا كوب الشاي إلا أن ما يقوم به عمل هين وبسيط ولا يرقى لما نقوم به نحن من جلسة طويلة على مقعد الوظيفة بلا عمل يستحق الذكر، والحقيقة أنه لا يمكن لك أن تبدأ عملك المهم كما تعتقد سوى بكوب الشاي الذي أعده الشخص الذي يقوم بهذه المهمة، ولا يمكن للمهندس أن ينفذ خريطة البناء إلا بوجود العامل الماهر، إذن الجميع يملك العبقرية في مجال تخصصه، والأعمال أشبه بحلقات متداخلة فلا يمكن أن يتم عمل إلا بوجود عمل آخر، والعبقرية تتجلى في أن يكون كل منا في مكانه الصحيح.