4556456
4556456
ولايات

قرية الحرف بدبا.. حكاية ثرية لحياة البدو عبر القمم الشاهقة

17 يناير 2017
17 يناير 2017

دبا – محمد بن أحمد الشحي –

يقطن الشحوح البدو قمم الجبال منذ الأزل متخذين تلك المرتفعات مأوى لهم تحميهم من جريان الأودية متحملين صعاب ومشقة التنقل من موقع لآخر مع أغنامهم وبناء بيوتهم من الصخور الصماء ومستخدمين الطين في طلائها، وهي عبارة عن غرفة واحدة أمامها ما يسمى بالصفة، ولكل قبيلة قرية معروفة بها لا ينازعهم فيها أحد، ولا توجد أراض منبسطة وإن وجدت تستخدم في الزراعة الموسمية لمحاصيل مثل الحنطة والقمح ذي الفصيلة النادرة بمحافظة مسندم والبطيخ والشمام حيث يتم انتظار الأمطار لريها إذ لا توجد مصادر للمياه مما يضطر الشحوح لحفر حفر كبيرة تسمى البرك لحفظ وتجميع مياه الأمطار عبر قنوات الشعاب.

قرية الحرف الجبلية

وتتميز قرية الحرف وهي صغيرة المساحة بوجود عدد من القمم الصغيرة التي تتناثر عليها المنازل الجبلية وبها مساحة صغيرة سهلية تستغل للزراعة والأفراح كبقية قرى ولاية دبا الجبلية وهذه المساحة مقسمة لسكان القرية وتسمى الوعوب ومحاطة بسور من الحصى وكان يحاط في السابق بأشواك الصمر ويسمى محليا (الحور) منعا لدخول الأغنام مع وجود مداخل لهذه الوعوب وعدد من البرك.

وسكن البدوي الشعاب المنبسطة ومن مسافات بعيدة جدا قام بتحديد قنوات لتدفق المياه لهذه الوعوب والبرك ومحاذاتها بالحصى لجعل المياه تذهب في مسار واحد وذلك جلبا لكميات أكبر من المياه وكانت الأعراس وما زالت في بعض الأحيان تقام في هذه الوعوب لتسطح المكان وتحت سدر ظليل يقدر عمرها بمئات السنين، ويسمي الشحوح السدر بأسماء معروفة لدى مختلف القبائل.

ويطلق على كل ناحية بقرية الحرف اسم خاص فالطريق الموصل إلى سل حمدان مثلا يسمى عقبة العقيرة والمجاور له السلول والطريق المقابل والمؤدي إلى حل والروام يسمى باسم آخر ومن مسميات المواقع بالحرف المخناق والسلية والركبة وغيرها.

رحلة الأجداد البدو الرحل

منذ القدم يقطع البدو الرحل المسافات سيرا على الإقدام في وقت لم تكن توجد به الوسائل الحديثة كالسيارات والطائرات. وعبر جبال وعرة شاقة يتنقل البدو الرحل من مكان لآخر حاملين أمتعتهم على رؤوسهم أو على الحمير وتسير أغنامهم ضمن الركب. وهم يزرعون ويحصدون القمح والحنظة والزعفران والشعير حسب مواسم الحصاد متخذين من الدرور تاريخا لهم في حساب الأيام والأشهر معتمدين على مياه الأمطار التي يشقون لها القنوات على مسافات بعيدة حتى يتمكنوا من تجميع قدر كبير من تلك المياه تكفيهم لمدة عام وذلك في برك يقومون بحفرها بمساعدة أبناء القبائل الأخرى في يوم تتم الدعوة له أو يجمعون المياه فيما يسمى (الشوق). وهو عبارة عن شق طبيعي وعادة يكون مستطيلا وغير متناسق وأكثره يمتلكه أفراد وفي حالة جفاف تلك المصادر فإنهم يستعينون ببرك القبائل أو القرى الأخرى، ويتم نقل المياه بـ(السعن) أو القربة وهي مصنوعة من جلد الماشية ويستغرق جلب المياه يوما لصعوبة المكان والبعد بين المناطق وتحمل المياه على الرؤوس وتقطع بها مسافات شاهقة نزولا وصعودا في الجبال والأودية وهذا الدور كثيرا ما تقوم به المرأة.

قبيلة اليهامرة..

على قمم الجبال الشاهقة ووسط الأجواء المناخية لتناثر حبات المطر على سطوح جبال دبا التاريخية، يحيا أهالي قبيلة اليهامرة سكان قرية الحرف الجبلية وتشتهر هذه القبيلة بتوثيق الحياة اليومية من خلال وجود عدد من النقوش على أسطح الحصى المتساوي وهذا يدل على وجود فنانين مهرة فهم يوثقون كل ما شاهدوه من حيوانات أو عادات من خلال رسوم نقشوها على الحجر وتتواجد تلك الرسوم بكثرة في قرية الروام أيضا وتتميز هذه الرسوم بدقة الوصف والمعالم وقد اختار من قام بذلك موقعا بعيدا نوعا ما عن المنازل وجاءت هذه الرسومات عن طريق قضاء وقت الفراغ لدى الشباب الصغار في ذلك الوقت وما زالت تلك الرسوم شاهدة على عصر حضارة البدو الرحل.

سدرة الأشكلة

سدرة من أنواع سدر النبق تنمو في جبال مسندم كثيرة الشوك وأوراقها صغيرة جدا وهي نفس سدرة النبق وثمرتها مائلة للشكل البرتقالي أو الأصفر مع بعض الاحمرار وحلوة المذاق صغيرة الحجم ويوجد بعض منها بقرية الحرف.

كيفية تسقيف البيوت الجبلية

يتم سقف (تبر) البيت وهذا مصطلح عند الشحوح البدو يعني أن يقوم صاحب البيت بدعوة رجال المهنة ومن لديهم الخبرة من القبائل بمساعدته بالإضافة لسكان منطقته في تبر بيته وهو أساسا عبارة عن غرفة واحدة لجميع أفراد العائلة. ويأتي هؤلاء المعاونون من عدة مناطق قاطعين المسافات وسط الجبال الشاهقة ويبدأ العمل بعد الفجر مباشرة لمساعدة من وجه لهم الدعوة ويقوم صاحب المنزل بتقديم وجبة غداء أجرة لهم صنيع ما قدموه من خدمة ويتم تبر البيت بالسخبر (نوع من الشجيرات) والمدر (نوع من الطين) حيث يتم وضع (الألب) وهي أعمدة من حطب السدر أو الصمر وعمل السقوف له وهي عبارة عن حصى مسطح بشكل مربع أو مستطيل على مدار سقف البيت بحيث يتم بروز جزء منها لتحمي جدران البيت من مياه الأمطار من أن تلامس الجدران بالإضافة لخروج المياه المتجمعة على سقف البيت من المزراب وهذا بطريقة هندسية قمة في الإبداع وفي أسفل حافة البيت توضع حجارة ملساء بأحجام كبيرة بحيث تستخدم للجلوس والاتكاء بجدار البيت وأيضا لحماية أسفل البيت من أية حفر أو تآكل.