ahmed-ok
ahmed-ok
أعمدة

نوافـذ : التراث الفلكي.. حديث الأجيال

17 يناير 2017
17 يناير 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

تحتفظ الذاكرة الشعبية بالكثير من المفردات والأمثلة –كمسميات النجوم– وهي مسميات تأخذ طابعًا تراثيًا، وهي في عموميتها مفاهيم بالغة الدلالة على كثير مما يحدث على الواقع، وهي بلا شك تعد ذخيرة معرفية مهمة، وأهميتها تنبع من أنها مرتبطة بالواقع شديد الارتباط، وتتوغل في حياة الناس وتعاملاتهم اليومية، ذلك لأنها تعكس تجارب من سبقهم ومعايشتهم لها سنوات طويلة، ولأنهم يعيشون تفاصيلها بصورة يومية؛ فإنهم شديدو الإيمان بها، وهي متوزعة على أشهر السنة، فأينما يحل فصل من فصول السنة؛ فله هو الآخر نصيب من هذه النجوم، بل يأخذ هذا البعد المعرفي دوره كمحدد للكثير مما يجب أن يكون عليه الناس، ومما يمكن أن يبنوا عليه قراراتهم اليومية والمستقبلية.

ففي فصل الشتاء؛ مثلا؛ يقال لك «قب القباب وبرد العذاب» والـ«قب» هنا هو الطلع النابت من بين السعف الأخضر للنخلة، حيث تظهر مجموعة «قبوب» ففي هذه الفترة تم قياس خروج هذه الـ«قبوب» أو الـ«طلوع» باشتداد قوة البرد، ومعاناة الناس منه، كما قيل «انفض ثبانك من النبات، وحيث يأتيك الليل بات»؛ ففي هذه المرحلة من فصل الشتاء، وبعد الانتهاء من تنبيت النخيل حيث تخف كثيرا شدة البرد، يمكن للإنسان أن ينام في أي مكان، فلا خوف عليه من تأثيرات البرد، وقيل أيضًا «دخل البر؛ وادخل معه» فمع انتهاء حصاد مزارع القمح، وهي الفترة التي تكون على مشارف دخول فصل الشتاء، وينصح المثل هنا بالاستعداد لفصل الشتاء، فالـ«دخول معه» معناه ما عاد الوقت ينفع لأن ينام أحدنا خارج الجدران الأربعة، حيث البرد المهلك، فذات الفهم الذي يحمله مثل؛ «أوله التقيه؛ وآخره استقيه» بمعنى أن تستعد لفصل الشتاء مع بدايته، حتى لا تتعرض للكثير من المشاكل الصحية، أما في آخر الفصل فلا خوف من تأثيراته الجانبية، حيث لم يعد مضرًا، وهذه كلها مرتبطة بمسميات نجوم يتتبعها كبار السن، ويضعون لها الحسابات الدقيقة.

نأتي اليوم، وبحكم حركة الحياة، لم تعد هذه المسميات حاضرة في الذاكرة، فأسلوب الحياة عند الناس، وتعاملاتهم مع واقعهم شابه الكثير من التغيير، ولذلك تنسى هذه المفردات والمفاهيم من حياة الناس، وإذا كان اليوم القلة تحتفظ له بالذاكرة بشيء منها، ففي المقابل هناك الغالبية من أبناء المجتمع لم تعد هذه المفردات والمفاهيم التي تشكلت عليها قيم مهمة في يوم من الأيام تمثل لهم أية قيمة معنوية أو مادية، وهذا أمر متوقع في ظل تطور الحياة نفسها، واستبدالها المستمر بالكثير من أدواتها السابقة بأدوات حديثة يظل لها فضل السبق والبقاء لأنها تعبر عن حاضرها.

إلا أنه على الرغم من تماهي وانزواء هذه المفردات والمفاهيم الشعبية أو التراثية، إلا أن العلم الحديث يأتي بنفس مفاهيمها العلمية وتأثيراتها الحركية على حياة الناس، وإن حملت أسماء حديثة أسبغها عليها العلم الحديث بفعل التطور والتقدم، وظلت علاقتها بالحياة اليومية كما هي، ومثال على ذلك فقد بعث لي أحد الإخوة المتخصصين في مفاهيم المناخ والطقس معلومة جميلة بنيت عليها فكرة اليوم، والمعلومة هي عن نجم «طالع النعائم»، ووصفه -بتصرف- كما جاء في رسالة هذا الأخ العزيز هو: «عدد أيامه ١٣ يومًا وتكون في شهر فبراير القادم، وهو ثمانية نجوم تشبه الخيمة في برج القوس، ويقال في وصفها أربعة في المجرة وأربعة خارجة عنها وفيه زيادة البرد والصقيع وهو من النجوم اليمانية، ويعرف عند الناس بشباط الأول وهو أول نجوم موسم الشبط التي تسمى في الخليج برد البطين لأنهم يعتبرون المربعانية بداية البرد والبطين شدة البرد وبردها قارس وشديد ويتميز بالصقيع لأنه يتسم بالجفاف إذ يشتد البرد ولا سيما في الصباح الباكر وتكثر فيه هبوب الرياح المفاجئة».