أفكار وآراء

واشنطن - بكين .. إلى أين في زمن ترامب؟

17 يناير 2017
17 يناير 2017

إميل أمين  -

كاتب مصري -

[email protected] -

في مقدمة علامات الاستفهام المقلقة للعالم وليس للأمريكيين في الأيام القادمة تأتي الأسئلة حول علاقة واشنطن ببكين، وذلك انه وإن كانت واشنطن هي القطب القائم حول العالم بدرجة أو بأخري من السيادة والهيمنة، فإن بكين تمثل القطب القادم لا محالة في ذلك . غير أن الذين تابعوا تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب خلال الحملة الانتخابية الأمريكية قد وقر لديهم أن الرجل لن يكون صديقا للصين، وعليه فهل سيضحى عدوا لها؟

الشاهد أن هناك درجة كبيرة من الارتباط بين البلدين رغم العداء الظاهر والخفي، فواشنطن مهتمة بأن تستثمر الصين فائض دولاراتها في سندات الخزانة الأمريكية، والصين على هذا النحو هي المقرض الأقرب والأكبر للولايات المتحدة الأمريكية، واستثماراتها في تلك السندات تقترب من الثلاثة تريليونات من الدولارات، وفي الوقت ذاته تبقى السوق الأمريكية أكبر وأوسع سوق لتصريف المنتجات الصينية حول العالم، غير أن الصراع في كل الأحوال قد يأخذ منحنى آخر، يمكن أن يتطور من حال الجدل السياسي إلي ساحة المواجهات العسكرية المتلهبة بالفعل.... ماذا عن ذلك؟

بعد انتخاباته بأيام قليلة وفي حديث مليء بالإثارة لقناة «فوكس نيوز» الأمريكية، قال ترامب: أنا أفهم جيدا سياسة «صين واحدة» ولكني لا أعلم لماذا علينا الالتزام بهذه السياسة، إذا لم نوقع مع الصين صفقة ما في مجالات أخرى من ضمنها التجارية؟

كان ترامب يقصد بـ«الصين الواحدة» السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية منذ زمن الرئيس «جيمي كارتر» عام 1979 عندما قطعت علاقتها مع تايوان واعتبرتها جزءًا من الصين أو «محافظة مستمرة». والمعروف أن ترامب في الثاني من ديسمبر الماضي اتصل هاتفيا برئيسة تايوان «تسايي. إنغ- ون»، مما تسبب في احتجاج دبلوماسي صيني، الأمر الذي أضطر إدارة أوباما بعد هذا الاتصال الهاتفي إلى الاتصال ببكين، مؤكدة أن سياسة واشنطن في مسألة «صين واحدة» لم تتغير.

الصين من جهتها حذّرت من أن أي تقدم يحدث على صعيد العلاقات الأمريكية - الصينية، قد تقوضه مشكلة تايوان الملتهبة، وإن كان ترامب يرفض هذه الفلسفة في أيامه القادمة، ففي حديثه إلى القناة الأمريكية المشار إليها قال ترامب: «أنا لا أريد أن تملي عليّ الصين كيف أتصرف .......»، وسأل: «بأي حق يمكن لأمة ما أخرى أن تسمح لي بالرد عليّ الاتصالات الهاتفية أولا؟»

انتقادات ترامب للصين عديدة، وقد أجملها في الحوار في عدة نقاط، منها سياسات الصين النقدية، ونشاطها في بحر الصين الجنوبي، وموقفها من كوريا الشمالية مضيفًا: الصين لا تساعدنا بإخلاص في مسألة كوريا الشمالية. لديكم كوريا الشمالية لديكم أسلحة نووية، ويمكن للصين تسوية هذه المشكلة، ولكنهم لا يريدون مساعدتنا تماما.

يفكر ترامب حتى بعد انتخابه رئيسا للدولة رقم (1) في العالم بعقلية «رجل المال والأعمال»، والموضوعات الاقتصادية والتجارية تحرك بوصلته السياسية اليوم، وربما العسكرية غدا، فالرجل يتهم الصين بأنها تخفض سعر عملتها من أجل أن تنافس الشركات الأمريكية بشكل أفضل، وبأنها تبني مجمعًا عسكريًا ضخمًا في بحر الصين الجنوبي»، وفي تغريدتين له يتساءل ترامب «هل سألتنا الصين إن كنا نوافق على خفض عملتها» (وهو ما يعقّد مهمة الشركات الأمريكية في مجال المنافسة)، وعلى أن تقوم بفرض ضريبة مرتفعة جدا على موادنا المصدرة إليها (أمريكا لا تفرض ضرائب عليها) وعلى بنائها مجمعًا عسكريًا ضخمًا في بحر الصين الجنوبي؟ ويجيب بنفسه عن التساؤلات السابقة بقوله لا أظن ذلك.

هل يكون بحر الصين سببًا في مواجهة مسلحة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين في عهد ترامب؟

في تويتر لـ«الدايلي بيست» نشر مؤخرًا إشارة إلى أهمية هذا الموقع، أشارت إليها مجموعة الأزمات الدولية في تقرير أخير لها وقد وصفته بأنه «قمرة القيادة بالنسبة للجغرافيا السياسية في شرق آسيا»، ومع ذلك قد يصبح هذا البحر أكثر أهمية من ذلك قريبا، وقد تكون هذه المياه هي المكان الذي سيبدأ فيه النزاع المسلح الكبير المقبل في التاريخ.

وتدعي بكين أن جزر سبراتلي غير المأهولة إلى حد كبير، وتقريبًا جميع الجزر الأخرى، والمياه الضحلة، والصخور، والشعب المرجانية، في بحر الصين الجنوبي، هي أرض سيادة، وتضم الخرائط الرسمية للصين نحو أربعة أخماس مياه هذا البحر.

ولم توضح الصين تمامًا مدى صحة مطالبتها بالسيادة على مياه بحر الصين الجنوبي، إلا أنه من الواضح مع ذلك أن مثل هذه المطالبات تتعارض مع التزاماتها، ومع القانون الدولي، وبالتالي، يعتبر إصدارها لهذه الخرائط محاولة لاستبعاد دول المنطقة الأخرى ... هل هذه الفلسفة تتصادم حتما وحكما ورواية ترامب لشرق آسيا؟ في واقع الحال أنها تتجاوز ما قبل ترامب وما بعده، بمعنى أن واشنطن ترفض هذه الرؤية حتى في زمن أوباما، ومن قبله بوش الابن، فالاستراتيجية الأمريكية المعلنة في (2010) والمعروفة باسم «الاستدارة نحو آسيا» تعمل على وقف نمو الصين، وعدم تمدد نفوذها في شرق آسيا على النحو الذي ترغبه بكين بالفعل، وعليه فإن واشنطن تختلف مع الموقف الصيني بخصوص بحر الصين الجنوبي، وإذا كان هناك أي ثابت في السياسة الخارجية الأمريكية منذ ولادة الجمهورية، فقد كان الثابت هو الدفاع عن حرية الملاحة بالتأكيد، يعد وضع الصين هذه المنطقة في حالة تأهب عسكري، ومطالبتها بميزة استصلاح هذه المياه الإقليمية، انتهاكا لمبدأ حرية الملاحة هذا.

ويضع تحدي الصين للولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي الدولتين في مواجهة كلاسيكية محصلتها صفر، حيث أعلنت بكين أن مطالبتها في بحر الصين الجنوبي، هي «مصلحة أساسية»، لا يمكن التفاوض حولها، ومن جهتها، لا تستطيع واشنطن المصادقة علي دفاعها عن المشاعات العالمية، وفي حين يستطيع كلا الجانبين تنفيذ بعض التراجعات التكتيكية إلا أنهما لن يتمكنا من التخلي عن مواقفهما هذه لفترة طويلة.

هل بدأت المواجهات أو المشاكسات الأمريكية الصينية بالفعل في بحر الصين الجنوبي والبقية قادمة في زمن ترامب؟

يبدو أن ذلك ما جرت به المقادير بالفعل في منتصف شهر ديسمبر الماضي بعد أن احتجزت الصين غواصة أمريكية كانت تبحر هناك، الغواصة قال عنها البنتاجون إنها كانت تعمل بشكل قانوني ومميز بوضوح على أنها ملكية أمريكية تجمع بيانات عن درجة الملوحة ودرجة الحرارة ونقاء المياه علي مسافة 50 ميلا بحريا شمال غرب خليج سوبيك قبالة الفلبين .يقول المسؤولون الأمريكيون: إن الغواصة احتجزت بينما السفينة «يو.إس.إن.إس باوديتش» وهي سفينة متخصصة في علوم المحيطات على وشك انتشال الواجهة. من جانبها قالت وزارة الدفاع الصينية: إن السفينة تابعة للبحرية الصينية رصدت قطعة من «معدة مجهولة» وفحصها للمعلومة دون وقوع أي أمر يتعلق بالسلامة البحرية ثم اكتشفت أنها غواصة أمريكية .... هل كان ترامب ليفوت هذه الحادثة دون التعليق وبما يتفق مع رؤيته للصين؟

الشاهد انه من ضيعته في «بالم بيتش» قال ترامب: إن «الصين تسرق غواصة أبحاث تابعة للبحرية الأمريكية من داخل مياه دولية، انتشلتها من البحر وأخذتها إلي الصين في عمل لم يسبق له مثيل.

والثابت أنه رغم تعهد الصين بإعادة الغواصة الأمريكية وعدم سعيها لتضخيم المشكلة إلا أن الإعلام الصيني والدبلوماسية الصينية يظهر أن عدم ود واضح تجاه ترامب .... كيف ذلك؟ في مواجهة تصريحات ترامب قال «لوكانغ» المتحدث باسم الخارجية الصينية: لن نتكهن بدوافع الرئيس المنتخب وفريق عمله في اتخاذهم خطوات معينة، لكننا حتماً سنعلن موقفنا بوضوح أن قالوا أمورا تقلق الصين، مضيفا: إن فريق الملياردير الأمريكي قد أعلم مصادر «على وعي تام برد فعل الصين الموزون».

صحيفة «جلوبال تايمز»، الصحيفة الوطنية للصين، وردا على تغريدات ترامب المهاجمة للصين قالت: إن ما نراه ليس إلا غلافا خارجيا يخفي منية الحقيقية، فهي التعامل مع الصين على أنها عجل سمين يريد قطعة من لحمه، وإن استفزازات ترامب معناها أن الوقت قد حان لكي تشهد العلاقات الصينية الأمريكية المزيد من المشاكل منذ باكورة أيامه في البيت الأبيض، وعلينا أن نكون على كامل الاستعداد نفسيًا وجسديًا لهذا السيناريو. وفي أعقاب اتصاله برئيسة تايوان قال وزير الخارجية الصيني «وانغ- لي» خلال زيارته إلى سويسرا: «إذا حاول ترامب نسف سياسة الصين الواحدة أو المس بالمصالح الأساسية للصين فسيكون كمن يزحزح صخرة ستسحق قدميه. وأضاف: إن بكين تتابع عن كثب الوضع محذرا: «أي شخص أو أي قوة في العالم» تحاول النيل من الصين، ليتزامن كلامة مع توتر شديد في العلاقة بين بكين وترامب.

وفي مقال لا يحمل توقيعًا نشر على موقعها الإلكتروني انتقدت صحيفة «جلوبال تايمز» الصينية الرئيس الأمريكي المنتخب وشددت على أن «سياسة الصين الواحدة غير قابلة للتفاوض»، محذرة من أنه إذا دعمت الولايات المتحدة استقلال تايوان، وزادت مبيعات الأسلحة للجزيرة، فإن الصين قد تقدم الدعم «لقوى معادية للولايات المتحدة»، وتساءلت الصحيفة: ما الذي يمنعنا من دعم «تلك القوى» في شكل علني أو بيعها أسلحة سرا؟ - هل هناك أبواب سرية في علاقة ترامب بالصين؟ في تقرير أخير لها أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أن وزير خارجية أمريكا الأسبق وثعلبها العجوز «هنري كيسنجر»، والذي كان عراب الانفتاح على الصين في سبعينات القرن الماضي، ربما يلعب الآن ومن جديد دورا مشابها، لا سيما بعد الزيارة التي قام بها أوائل الشهر الماضي لبكين، لنقل رسالة من الإدارة الأمريكية الجديدة إلى القيادة الصينية .... هل نقل كيسنجر للصين صفقة ما يعرضها ترامب عليهم؟ الشاهد أن رؤية ترامب وإدارته الآن للقوة الآسيوية الصاعدة تختلف كثيرا جدا عن رؤية الإدارات الأمريكية السابقة، فما سبق حاول الاقتراب من بكين لمواجهة موسكو، لكن وفق الاستراتيجية الترامبية إن جاز القول، يتوقع أن تنقلب معادلة السياسة الخارجية الأمريكية من موقع الصداقة مع الصين لمواجهة العدو الروسي إلى بناء تحالف وصداقة مع موسكو في مواجهة بكين، هنا أيضا ربما نرى تناميا مطردا في العلاقات الأمريكية - اليابانية، وبجوارها اليابانية الروسية لنرى مثلث أضلاعه روسيا - أمريكا - اليابان، لمواجهة الصين ... هل هو مشهد مواجهة كونية قادمة لا محالة؟ وكيف يمكن أن يكون شكل مثل هذه المواجهة؟.