أفكار وآراء

ترجمات : الحد من تأثير النفط على أوبك !!

17 يناير 2017
17 يناير 2017

زو مين -

ترجمة قاسم مكي -

الصين ديلي -

يوجد درس واضح للبلدان المصدرة للنفط في الأعوام الأخيرة وخصوصا في عام 2016 وهو أنها يلزمها مواءمة سياساتها العامة لتعزيز الابتكار وتنويع اقتصاداتها. يظل هذا الحكم صحيحا رغم اتفاق منظمة البلدان المصدرة للنفط ( أوبك) في أواخر نوفمبر بخفض الإنتاج ( لأول مرة خلال ثمانية أعوام) وبصرف النظر عن ارتفاع الأسعار في الأجل القصير. ويبدو أن إيرادات النفط كانت قد عززت بطريقة سحرية النواتج المحلية الإجمالية للبلدان المصدرة للنفط خلال ربع القرن الماضي، وعلى الأخص في منطقة الخليج. فاليوم توجد في العديد من هذه البلدان مدن كوسموبوليتانية (عالمية) تضج بالنشاط وتسد الأفق مبانيها المبهرة وتتمتع ببنيات أساسية راقية ومستويات معيشية أعلى من المتوسط. ولكن العالم في عام 2017 وما بعده سيكون مختلفا. فالضغط (النزولي) على أسعار النفط يعكس ليس فقط طلبا عالميا أقل على النفط بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي ولكنه أيضا ناشئ عن التحولات التقنية في إنتاج المواد الهايدروكربونية وصعود نجم موارد الطاقة المتجددة مؤخرا والالتزامات الدولية بمكافحة التغير المناخي. وكنتيجة لذلك، فإن «محرك» النمو الوحيد للعديد من البلدان المنتجة للنفط والمتمثل في إيرادات النفط والغاز يتكاسل في دورانه. وقد يستمر هذا «التباطؤ» لفترة طويلة إن لم يكن دائما. ورغم ذلك تواصل اقتصادات البلدان المصدرة للنفط اعتمادها المفرط على هذه السلعة، كما يوحي بذلك اتفاقها الأخير بخفض إنتاجها. وحين بقيت أسعار النفط عند مستوى منخفض في أعوام الثمانينات والتسعينات شهدت معدلات المعيشة والوظائف في البلدان المصدرة للنفط تدنَّيا وارتفعت ديونها العامة إلى عنان السماء. كما هبطت أسعار النفط مرة أخرى منذ عام 2014 . وترافق ذلك الهبوط مع تسارع وتيرة إنفاق البلدان النفطية من احتياطياتها المالية فيما اضطر البعض منها إلى خفض الإنفاق. ولكنها في هذه المرة كدست احتياطيات مالية تكفيها لاحتمال تدهور أسعاره. غير أنها رغم ذلك تظل «مسحورة» بالنفط . لقد نشر صندوق النقد الدولي مؤخرا كتابا بعنوان ( إبطال سحر النفط: مسار صقور الخليج إلى التنويع.) يلقي الكتاب الذي شاركتُ بنفسي في تحريره أضواء مهمة على الكيفية التي يمكن بها للحكومات تغيير وُجهةِ اقتصاداتها. ويلخص تجارب من بلدان مثل البرازيل وجمهورية كوريا وماليزيا وسنغافورة حقق فيها التنويع الاقتصادي نجاحا. هذه البلدان ليست من كبار مصدري النفط ولكنها تقدم دروسا ثمينة على أية حال. لقد ركزت جهود التنويع الاقتصادي في كل بلدٍ منها على صناعات القيمة المضافة العالية التي يمكن أن تنافس في الأسواق العالمية. فهذه الصناعات تحقق مكاسب في الإنتاجية وتخلف أثرا إيجابيا على القطاعات الاقتصادية الأخرى. مثلا في ماليزيا، تدنت مساهمة صادرات السلع الأساسية كحصة من إجمالي الصادرات من 80% إلى حوالي 20% في الفترة بين عام 1980 وعام 2012. هذا في حين أن حصة صادرات المعدات الإلكترونية زادت من أقل من 10% إلى أكثر من 30%.

وبحسب الكتاب المذكور فإن الحكومات التي نوَّعَت اقتصاداتها فعلت ذلك بتطبيق سياساتٍ قَصَدَت منها «تيسير سبيل الحصول على التمويل وخدمات دعم الأعمال من خلال صناديق رأس المال المغامر وبنوك التنمية ووكالات ترويج الصادرات وإيجاد مناطق اقتصادية خاصة وتجمعات صناعية ومراكز أبحاث وتطوير ومحاضن شركات ناشئة». فمثلا أسست سنغافورة حدائق صناعة وعلوم وتقنية رفيعة لتعزيز أنشطة البحث والتطوير وقيام مجمعات صناعية. وحققت البرازيل تقدما مهما بدعم من بنك التنمية البرازيلي في إقامة صناعاتها في مجالات الدواء وصناعة السكر والبرمجيات. وماليزيا من جانبها ساندت صناعات تحصد وتنتج وتصدر مواردها الطبيعية بما في ذلك زيت النخيل والمطاط كما تلتمس طريقها أيضا إلى سوق الإلكترونيات. ففي كل البلدان التي نجحت في تنويع اقتصاداتها، لعبت الدولة دورا قائدا بتعزيز الابتكار وإحداث التكامل بين القطاعين العام والخاص بقصد دعم الشركات المتجهة نحو التصدير وتطوير رأس المال البشري . كذلك يجب أن تتولى حكومات البلدان المصدرة للنفط زمام المبادرة أيضا وتقدم حوافز للأفراد لاكتساب المهارات المطلوبة في القطاع الخاص، خصوصا في صناعات الصادرات التي تحقق قيمة مضافة عالية.

علي هذه الحكومات تحسين الحوكمة والشفافية والمنافسة وخصوصا التعليم وذلك بتطبيق برامج تنمية اجتماعية وتقييد الأجور والتوظيف في القطاع العام لتجنب مزاحمة الشركات الخاصة في سوق العمل. وهي بالطبع عليها دائما اتخاذ هذه الخطوات مع عدم إغفال استقرار الاقتصاد الكلي وثبات الوضع المالي. يجب أن يكون احتمال استمرار انخفاض أسعار النفط دعوة إلى الاستيقاظ بالنسبة للبلدان المصدرة للنفط . وعلى حكوماتها وضع التنويع الاقتصادي على رأس أجندة سياساتها. لقد شرعت بلدان منها بالفعل في ذلك. فالمملكة العربية السعودية أعلنت مؤخرا عن خطة «رؤية السعودية 2030» التي ترسم نموذجا لإحداث تحول في الاقتصاد بخفض الاعتماد على النفط وزيادة دور القطاع الخاص وإيجاد المزيد من الوظائف للمواطنين السعوديين. إن «رؤية السعودية 2030» خطوة جيدة. وتتطلب ترجمة هذه الأهداف الاهتمام بالترتيب المتدرج حسب الأولوية والمتسلسل للسياسات والتدخلات الحكومية في الشهور والسنوات القادمة. يصحُّ هذا القول ليس فقط بالنسبة للمملكة ولكن لكل البلدان المصدرة للنفط . ويشكل العام الجديد وقتا طيبا لإبطال سحر النفط الذي طال على اقتصادات هذه البلدان.

• الكاتب نائب سابق لمدير صندوق النقد الدولي ونائب محافظ بنك الشعب (البنك المركزي) الصيني