أفكار وآراء

تعذيب الأطفال .. أي حقد هذا يحمله الكبار؟!

15 يناير 2017
15 يناير 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

تأتي الطفولة هذه النبتة الطرية التي تتشكل على أيدينا نحن الكبار، وتتسع مساحة الأفق أمامنا في التعامل معها، إما أن نكون أسوياء حيث نوصل هذه الفئة الطرية إلى ضفاف الحياة الآمنة المستقرة، وإما أن نكون غير ذلك حيث نغرقها في مستنقعات الجهل والتردي، وسوء المنقلب، تحت مبررات «الولي» الحريص على تربية من ولاه الدين والمجتمع والوطن عليهم.

وتحت مبررات الحريص على مصلحتهم، والعارف بشؤونهم، وبذلك يكبر هذا الحرص، أحيانا، إلى حد الإساءة، حيث تتلقى هذه الفئة المأزق الناشئ من سوء المعاملة التي تعكس جهلا مطلقا في بعض جوانبها، ليس فقط من الأب، أو الأم، أو الأخ الأكبر، أو الأخت الكبرى، أو كل ما يندرج تحت مسمى الـ«ولي»، فقد تتعدى المسألة إلى أناس آخرين ليست لهم علاقة بهذه الولاية لا من قريب ولا من بعيد، وإنما يشتركون مع هذه الفئة في مجتمع واحد، أو بيئة أسرية واحدة، كحال الأقرباء والأرحام، حيث ينفذ أصحاب الغرائز غير السوية إلى نفوس وأرواح هؤلاء الأطفال فيسيئون إليهم، ويعمّقون هذه الإساءة أكثر حيث تظل نقطة سوداء تسود حياتهم إلى آخر العمر، هذا واقع معاش للأسف الشديد، وكثير ما توضع عليه طبقة سميكة حتى لا تعري سلوكيات أبناء المجتمع تجاه بعضهم بعضا تحت مسمى «المحافظة على أخلاقيات المجتمع» وليتحمل المجتمع بعد ذلك تداعيات هذه السلوكيات كلها، ويدفع مقابل ذلك أثمانا باهظة التكاليف.

اليوم بدأ المجتمع يدرك خسارات ذلك كله، انعكاسا للوعي النوعي الذي يعيشه أفراده، وانعكاسا للمسؤولية الاجتماعية التي يعيها أفراده، وانعكاسا للأمانة الوطنية التي يتحملها أفراده، حيث يأتي في مقدمة هذه الصورة الإيجابية عدد من المؤسسات المعنية بـ«قضية الطفل» لتمارس دورها الكامل تجاه هذه الفئة، ولتقف على كثير من المحددات التي تكون على تماس بهذه الفئة، ولتقول قولتها الفصل في كل ما من شأنه أن يسيء إلى هذه الفئة، وبقدر المكسب المعرفي والاجتماعي والحقوقي لهذه الصورة برمتها، فإننا نرى ذلك أيضا من قبيل الواجب الذي تمليه عليها المسؤولية الوطنية، فهذه الفئة «الأطفال» إن لم تصن وتحفظ منذ هذا الوقت المبكر فإن خسارة الوطن كبيرة، وكبيرة جدا، ولذلك فقد أسعدنا كثيرا الخبر الذي قرأناه عبر الصحف يوم الخميس الماضي 12/‏‏1/‏‏2017م،، والذي حمل بشارة «تدشين خط هاتف يحمل رقم (1100) مفتوح على مدار الساعة للتبليغ عن أي حالة إساءة أو إهمال للأطفال والمراهقين دون سن (18) سنة» حيث قامت وزارة التنمية الاجتماعية يوم الأربعاء الماضي بتدشينه، وقد جاء في نص الخبر المنشور في جريدة (عمان): «أكدت مؤشرات صادرة من دائرة الحماية الأسرية بوزارة التنمية الاجتماعية أن عدد حالات الأطفال المعرضين للإساءة التي تعاملت معهم لجان حماية الطفل بالسلطنة بلغ 299 حالة العام الماضي 2016م، بنسبة 53% من الذكور و47% من الإناث، تنوعت بين الإهمال والإساءة الجسدية والإساءة الجنسية إلى جانب الإساءة النفسية» حيث يأتي تدشين هذا الخط، كما أكد نص الخبر، «لتلقي البلاغات من أثر الإساءة إلى الأطفال، وذلك بهدف حمايته من جميع أنواع العنف والإساءة».

ولقد لفت انتباهي الرقم (120) اتصالا التي تلقتها الوزارة في الفترة التجريبية خصوصا خلال الأيام التي سبقت يوم التدشين، وهو رقم مهم يحمل دلالات كبيرة وخطيرة وعميقة، ومنها أن هذه الفئة تتعرض إلى انتهاكات يلزم الواجب أن يكون الجميع حاضرا في هذه المسألة، وأولهم أولياء الأمور الذين انسحبوا من الميدان مبكرا تحت مبررات واهية يأتي في مقدمتها «مشغول» إما في الوظيفة، أو في الأعمال الخاصة، أو في المشاوير التي لا أول لها ولا آخر، وأُلقي العبء كله على الأم، والأم مهما كان حرصها على سلامة أطفالها إلا أن اليد الواحدة لا تصفق، كما هو الواقع، وإذا ترافق أن الأم والأب كليهما يندرج تحت فهم «مشغول» فهنا تكون المصيبة أعظم، وهذا بدوره أدى إلى إهمال هذه الفئة وترديها، وسقوطها وسط ذئاب بشرية لا تعرف ربها، ولا ترحم نفسها، ومن هنا نرفع آيات الشكر والتقدير للوزارة على مبادرتها هذه، ونعدها خطوة مهمة، وواجبة، وإن تأخرت قليلا، فالإساءات التي نسمع عنها، وتنشر اليوم اكثر من أي وقت مضى عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتقشعر منها الأبدان، وهي انتهاكات مستمرة، وتأتي من أقرب الناس إلى هذه الفئة الطرية التي للتو تتلمس خطواتها نحو الحياة، وإلا فهل يعقل أن نشاهد مقطع «فيديو» يظهر أبا يحاول إغراق طفله في حوض للسباحة في إحدى الدول العربية، وقد نشرت أخبار بعد ذلك أن ذلك الأب استدعي من قبل الجهات المعنية في بلده، ومقطع «فيديو» يظهر أبا يعذب طفلته بالضرب والقرص، والشد من الرقبة والرأس، وهي تتضور ألما تحت يديه القاسيتين، ومقاطع متعددة تظهر فيها عاملات المنازل وهن يقمن بتعذيب أطفال صغار، لا حول لهم ولا قوة، وكما جاء في إحدى الروايات الخبرية، أن أبا يطعن ابنه «بدبوس» حاد في عدد من أجزاء جسمه، لأنه أحدث «كشطا» على جسم السيارة، فيصاب الطفل بالشلل الشامل في جسمه، وأم تقدم على إحداث حروق في جسم طفلها لأن حركته زائدة ومزعجة، فإذا بهذه الحروق تصبح عاهات جسدية ليس يسيرا إلغاؤها، وأمثلة كثيرة لا أول لها ولا آخر، يسيء هؤلاء الكبار إلى أطفالهم مرة بداعي المداعبة، ومرة بداعي التأديب، ومرة بداعي سوء التصرف وعدم استحضار العواقب، وعلى هذه الفئة الطرية أن تتلقى كل هذه الحماقات من هؤلاء الكبار، وتضعها في ذاكرتها حيث تنبئ عن عقد نفسية، وآلام جسمانية، وتشوهات خلقية مدى العمر، وبالتالي وجود عدد غير قليل من أبناء المجتمع يحملون شخصيات مشوهة في أخلاقها، وفي أجسامها، وفي تفكيرها، وفي نظرتها إلى الحياة بشكل عام.

في شهر ديسمبر من العام الماضي 2016م أقام مجلس الشورى جلسة حوارية تحت عنوان: «التنمر والممارسات اللاأخلاقية في البيئة المدرسية» وكان من ضمن المشاركين فيها أحد المختصين من شرطة عمان السلطانية بروفة حملت العنوان ذاته، ومما قاله: «إن جهود التصدي ورصد حالات جنوح الأحداث بدأت بالبروز في المجتمع العماني مع مطلع عقد الثمانينات وقد ضمت أول لجنة ممثلين من الجهات والمؤسسات ذات العلاقة وعقدت اللجنة أول اجتماعاتها في عام 1983م، لوضع قانون خاص برعاية الأحداث وإنشاء إصلاحية لرعايتهم، وفي عام 1989م عمد لشرطة عمان السلطانية مسؤولية بإنشاء قسم شؤون الأحداث بالإدارة العامة للتحريات والتحقيقات الجنائية ـ وبتاريخ 9/‏‏3/‏‏2008م صدر قانون مساءلة الأحداث بموجب المرسوم السلطاني رقم 30/‏‏2008 تلاه قرار أصدرته القيادة العامة للشرطة بإنشاء وحدة شرطة الأحداث تنفيذا للقانون ذاته» مشيرا في الوقت نفسه إلى أن «الأسرة هي أكثر ما يؤثر على سلوك الحدث يليه الأقران ثم زملاء الدراسة ثم وسائل الإعلام، كما أثبتت الدراسات أن عملية تلقين الأطفال أمور دينهم هو أكثر العوامل المساهمة في الحد من جنوح الحدث وأن للتنمر علاقة بالجريمة وضحاياهم عرضة بأن يكونوا مجرمين في المستقبل، داعيا الجميع إلى ضرورة الإبلاغ عن أي تعدٍ على حق من حقوق الآخرين سواء بالقول أو الفعل وللضحايا وغيرهم الحق في الإبلاغ وتقديم الشكوى ويتم التعامل مع كل حالة على حدة، ويمكن الاتصال على الهاتف المجاني للشرطة (9999) أو الرقم المجاني بالإدارة العامة للتحريات والتحقيقات الجنائية على الهاتف (80077444)».

يذكر أن هناك أمثلة كثيرة لا أول لها ولا آخر تندرج تحت مفهوم الإساءة بالأطفال، ومنها: «حالات الاعتداء الجسدي كالضرب، الحبس، الحرق، التعذيب، والنفسي كالابتزاز، التهديد، التنمر في المدارس، والجنسي كالتحرش، أو ملامسة للأماكن الخاصة في جسم الطفل أو الاعتداء الجنسي، وكذلك حالات الإهمال وترك الأطفال عرضة للخطر في الحواري خصوصا في وقت الظهيرة أو أوقات متأخرة بالليل، ومنها حالات رفض العلاج والتداوي وحالات إخراج الأطفال من المستشفيات ورفض إعطائهم العلاج، بالإضافة إلى حالات الوسم الشديد أو الضرب عند المعالجين الشعبيين وإعطاء الطفل مواد سامة كالزئبق وغيره».

خلاصة ما يمكن قوله الأسرة تظل هي المسؤولة الأولى عن كل ما يتعرض له الأطفال من إساءات سواء من داخل الأسرة أو المجتمع المحيط، صغرت هذه الإساءات أو كبرت، وبالتالي فمسؤوليتها جسيمة، وعليها أن تتحمل هذه المسؤولية، بكل ما يمليه عليها الواجب الإنساني والاجتماعي والوطني، فالغاية تبقى أن يضم المجتمع أفرادا صالحين خالين من العقد النفسية، والتشوهات الأخلاقية والخلقية.