أفكار وآراء

ترامب ومساره «الصدامي» مع الصين

14 يناير 2017
14 يناير 2017

إدوارد لوس  -

ترجمة قاسم مكي -

الفاينانشال تايمز -

أكبر مفاجأة منذ فوز ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية هي قراره بافتعال معركة مع الصين (حول تايوان) فهو لم يذكر اسم تايوان ولا مرة واحدة أثناء حملته الانتخابية. ولكن رغما عن ذلك وعلى حين غرة، ها نحن الآن أمام مُهَدِّد يواجه «سياسة صين واحدة» الأمريكية والتي تشكل أساسا مكينا للنظام العالمي الحالي غير المستقر. لقد اختارت بيجينج حتى الآن تحميل «تايوان المراوغة» مسؤولية المكالمة الهاتفية التي جرت بين ترامب ونظيرته التايوانية. فوسائل الإعلام الحكومية في الصين تقول إن الرئيس المنتخب «معلوماته محدودة » بمقتضيات الدبلوماسية أو السياسة الخارجية. ويوم الأحد 18 ديسمبر الماضي ، وافقت الصين على إعادة غواصة آلية استولت عليها من سفينة تابعة للبحرية الأمريكية. وكان ترامب قد ادعى أنها سرقت واتهمته الصين «بتضخيم» الحادثة. ولكن الصين في المرة القادمة لن تدعه يفلت بمثل هذه السهولة.

ويبدو أن الناخبين الأمريكيين فتحوا بوابات تقود إلى حرب باردة جديدة دون أن يدروا. وهي حرب ستكون فيها يد أمريكا أقل قوة مما كانت عليه في الحرب الباردة الأولى. لقد كانت مهارة الولايات المتحدة في فصل الصين عن الكتلة السوفييتية أحد أسباب كسبها لتلك الحرب. فالوفاق بين أمريكا في عهد ريتشارد نيكسون وصين ماو تسي تونج في عام 1972 رسَّخَ الانقسام الصيني السوفييتي وأضعف الجاذبية العالمية لموسكو. إن ترامب يخطط لفعل ما هو عكس ذلك. فَلُغَتُهُ المتشددة ضد الصين لا تماثلها سوى مفاتحاته الحميمة لروسيا بوتين. وعلينا أن ننتظر لنرى ما هو ذلك المكسب الإستراتيجي الذي سيحصل عليه ترامب من التعامل مع روسيا وهي البلد الذي يذكي «حرائق» الديمقراطية غير الليبرالية في أوروبا والذي لعب دورا في مساعدة ترامب على هزيمة هيلاري كلنتون. ولكن عداء ترامب للصين مقامرة بلا جانب إيجابي. وسيتطلب تجنب نشوء صراع أمريكي صيني التحلي ببراعة نيكسونية. غير أن ترامب ليس نيكسون. لقد كان نيكسون، رغم كل انتهاكاته للقانون الداخلي، دارسا مخلصا للشؤون الدولية ومستوعبا لرقعة الشطرنج الجيوسياسية. أما ترامب فمبتدئ في سن السبعين وليس لديه اهتمام بتصحيح الفجوات الماثلة في حصيلته المعرفية. فهو يزدري الإيجازات الاستخبارية الرئاسية اليومية لأنها مضجرة أكثر مما يلزم. كما لا يوجد بين مستشاريه من يضارع هنري كيسنجر الذي كان كبير مهندسي سياسة «صين واحدة» وهي السياسة التي يهدد ترامب بالقضاء عليها. ويعكس كبار المسؤولين الذين عيَّنهم ترامب كلا منهم نواياه المعادية للصين والمناصرة لروسيا. فالجنرال المتقاعد مايكل فلين الذي سيلعب دورا رئيسيا كمستشار للأمن القومي في إدارة ترامب يؤمن أن الصين متواطئة مع داعش والجماعات الإرهابية الأخرى لهزيمة الولايات المتحدة. إنه اختلاق مذهل. لقد كان «فْلِين» قبل انضمامه لحملة ترامب يعتقد أن روسيا جزء من نفس المحور المعادي للولايات المتحدة. ولكنه بعد ذلك تخلى عن تشدده إزاء روسيا لمصلحة إعجاب ترامب بها. وبالمقابل فإن ريكس تليرسون، مرشح دونالد لمنصب وزير الخارجية، صديق قديم لروسيا. فقد منحه بوتين وسام الصداقة الروسية في عام 2013 . وعند جلسة المصادقة على تعيينه في شهر يناير سيعلم العالم إلى أي حد هي دافئة مشاعر تليرسون تجاه موسكو. إذ يخطط عديدون من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين بمن فيهم جون مكين كبير متشددي أمريكا ضد روسيا لجعل إقرار تليرسون بتدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية شرطا لتأييدهم له. وهو التدخل الذي كشفت عنه أجهزة الاستخبارات ورفضه ترامب بغضب. ومن الممكن أن يتعثر تعيين تليرسون ويسقط عند هذه العقبة. ولكن يرجح أنه سيجد طريقة لملاطفة الصقور المعادين لروسيا دون أن يناقض ترامب. السؤال إذن ما الذي سينتج عن مقامرة ترامب الصينية؟ الأثر الابتدائي لها سيكون الارتباك والبلبلة. لقد فاجأ تهديد ترامب «التايواني» الصين كما فاجأ الآخرين.

ولكن الصين أفسحت مجالا لترامب من خلال رد فعلها المتحفظ لتصحيح ما فضلت أن تعتبره غلطة ساذجة. أما الخطوة التالية فستكون تصعيد التوتر. يريد ترامب أن يقال عنه أنه ذلك الرئيس الذي سيعيد وظائف الأيدي العاملة الصناعية إلى الولايات المتحدة ويحوُل دون انتقال الوظائف الموجودة إلى الخارج. ويشكل انتزاع تنازلات من الصين (من شاكلة القيود الطوعية التي تبنتها اليابان على الصادرات في أواخر الثمانينات) جزءا رئيسيا من الحكاية التي يرغب ترامب في أن يحكيها للشعب الأمريكي. إنه يوظف تهديده لسياسة «صين واحدة» كرافعة في هذا المسعى. وإذا استمر في اتخاذ هذا الموقف وهو ما أعتقد أنه سيفعله فسينشأ عن ذلك رد فعل عكسي. إذ ستردُّ الصين بالمزيد من الضغوط على المستثمرين الأمريكيين الساخطين الذين تعلو يوما بعد يوم أصواتهم بالشكوى من ضآلة الأرباح ومن السرقة الصينية لحقوق الملكية. وبدلا عن وضع حد لنقد واشنطن للصين كما كانت تفعل ذلك مؤسسات الأعمال الأمريكية في السابق فإن العديد منها ستحثُّ ترامب على الاستمرار في هذا المسار. وبمجرد أن ينشب النزاع سيزداد خطر اندلاع الصراع. وستجد الصين طريقة لاختبار عزيمة ترامب في وقت مبكر من رئاسته بشيء أخشن قليلا من مجرد الاستيلاء على غواصة آلية. وذلك ما كان قد حدث عام 2001 مع الرئيس جورج دبليو بوش، حين أجبرت الصين طائرة تجسس أمريكية على الهبوط في أراضيها. وسرعان ما تم نسيان المواجهة التي ترتبت عن ذلك ثم إطلاق سراح طاقم الطائرة بعد أن وقعت الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر عقب شهور قليلة من تلك الحادثة. وبعكس وجهة نظر «فلِين»، فإن الصين حليف طبيعي في صراع أمريكا ضد الإرهاب. واحتمال وقوع حادثة مع صين اليوم (التي هي أشد عزما إلى حد بعيد لتأكيد مكانتها ) سواء حول تايوان أو بحر الصين الجنوبي أو بحر الصين الشرقي أكبر كثيرا من احتمال وقوعها في عام2001 . ففي هذا الشهر تم رصد بطاريات صواريخ صينية على أرض مستصلحة (جزيرة اصطناعية) في بحر الصين الجنوبي. هل يمكننا الوثوق بصواب حدس ترامب في حال وقوع أزمة؟ هل سيتصرف بوتين ككابح أو حتى وسيط بين الولايات المتحدة المدافعة عن مكانتها والصين الصاعدة ؟ لا يمكننا معرفة الإجابة حتى الآن. ما نعلمه حقا أن أوثق مستشاري ترامب، رجل يعتبر الصين عدوا لدودا.