أفكار وآراء

الميزانية .. أهمية مقاومة الانكماش والتحسب لأي متغيرات

14 يناير 2017
14 يناير 2017

الطيب الصادق -

«يعد استكمال الإجراءات المالية التي اتخذتها السلطنة وأعلنت عنها وزارة المالية في 2016 لمواجهة عجز الموازنة وتصحيح الأوضاع المالية ضرورة حتمية في ميزانية السنة المالية الحالية في ضوء واقع أسعار النفط المتدنية»

نجحت سلطنة عمان في مواجهة الصعوبات المالية التي تعرضت لها خلال العامين الماضيين - مثل باقي الدول النفطية - جراء انخفاض أسعار النفط بنسبة تزيد عن 60 في المائة مما سبب عجزا كبيرا في ميزانيات هذه الدول ولا سيما ميزانية السلطنة للعام 2017 التي من المتوقع أن تسجل عجزا أقل من السنة الماضية مع إبقائها على قيود الإنفاق بعد تضرر البلاد -كغيرها من الدول المنتجة للنفط- من انخفاض أسعار النفط مما يجعل ميزانية السلطنة للعام الجديد هي ميزانية الصمود والتحدي -إذا جاز التعبير- في ظل وضع مالي عالمي تغلفه الضبابية ويواجه العديد من الصعوبات المالية.

وبالنظر إلى أرقام الميزانية الجديدة نجد أن السلطنة قللت النفقات بنسبة ضئيلة جدا لا تتخطى 200 مليون ريال وزادت من الإيرادات عن العام المنصرم بحوالي 100 مليون ريال مما يؤكد أنها مستمرة في سياسة التحفظ ومواجهة العجز واحتواء ما يطرأ من تطورات في ظل عدم المساس بمصلحة المواطن وعدم التضييق عليه قدر المستطاع ووفقا للبيانات الرسمية حول الميزانية الجديدة فإن النفقات المقررة تبلغ 11.7 مليار ريال مقابل 11.9 مليار ريال في ميزانية 2016 وبلغت إيرادات الميزانية الجديدة 8.7 مليارات ريال مقابل 8.6 مليار ريال، ليبلغ العجز المتوقع خلال العام الجاري 3 مليارات ريال مقابل 3.3 مليار ريال لكن العجز الفعلي العام الماضي تجاوز التوقعات وبلغ 4.8 مليار ريال في أول 10 أشهر من عام 2016 مع التوقع بعدم الزيادة في ميزانية العام الحالي نظرا للارتفاع التدريجي المتوقع لأسعار النفط في العام الجديد .

استطاعت السلطنة أن تقاوم الظروف الاقتصادية المرتبطة بانخفاض أسعار النفط وأن تعمل على إعادة هيكلة مصادر ميزانياتها وحاليا اقتربت من تجاوز هذه الأزمة التي ضربت اقتصاد العديد من الدول العالمية وخاصة الخليجية منها وساهم في الصمود إعلان سلطنة عُمان عن الخطة الخمسية التاسعة (2016 - 2020) لتنويع مصادر الدخل وإقامة المشروعات مما يساهم في ضخ الأموال وفتح الروافد الأخرى للميزانية وهو ما سيظهر جليا خلال العامين المقبلين بعد الانتهاء من الخطط الاستراتيجية التي وضعتها السلطنة والخاصة بجذب الاستثمارات الأجنبية والتي تهدف هذه الخطة إلى خفض الاعتماد على الإيرادات النفطية بمقدار النصف، حيث يضغط هبوط أسعار الخام على المالية العامة للبلاد، وتشمل الخطة 500 برنامج وسياسة اقتصادية تركز على تنمية قطاعات حيوية، كالصناعات التحويلية والتعدين والسياحة والنقل والثروة السمكية وتساهم صناعة النفط بـ44 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تستهدف السلطنة خفضها إلى 22 في المائة فقط بحلول عام 2020 من خلال استثمار 41 مليار ريال على مدى الخمس سنوات كما تفترض الخطة استقرار متوسط إنتاج السلطنة النفطي عند 990 ألف برميل يوميا على مدار خمس سنوات وهو ما يعد ضمانة لحفظ الاقتصاد العماني على استقراره وصموده أمام موجة الركود الاقتصادي التي يعاني منها العديد من دول العالم.

ليس من العيب أن تلجأ السلطنة للاقتراض من الخارج لسد عجز ميزانيتها لكنها قد تواجه صعوبة إذا استمرت في هذه الاستراتيجية مما سيزيد من حجم الديون وأعباء الفوائد ولذلك نجحت السلطنة في العام الماضي في الحد من العجز من خلال الاقتراض الخارجي بسبعين في المائة، والاقتراض المحلي بما يزيد على ثلاثة عشر في المائة، والتمويل من الاحتياطات بما يقارب السبعة عشر في المائة وهو الاتجاه الاضطراري والذي ستلجأ إليه السلطنة مرة أخرى لتقليص العجز المتوقع في ميزانية 2017 وهو ما قد يشكل عائقا أمام الخطط المستقبلية والنمو الاقتصادي في الفترة المقبلة لزيادة أعباء الديون ولذلك تسعى الحكومة الى العمل علي ترشيد النفقات بقدر الإمكان رغم أنها قامت بتخفيض 200 مليون ريال من النفقات في الميزانية الجديدة مع تزايد المتطلبات وارتفاع العديد من التكلفة بعد ارتفاع الأسعار لذلك يجب الإسراع في البحث عن موارد بديلة عن الاقتراض والحد منه بشكل كبير وسرعة تنفيذ البرنامج الاستثماري للحكومة الذي يدعم استراتيجيات التنويع الاقتصادي ويحافظ على النمو والاستمرار في الفترة المقبلة على التخطيط الاستراتيجي لدعم القطاعات غير النفطية بما يقدم روافد مستدامة للميزانية العامة، كذلك قامت السلطنة بخفض عجز الميزانية من خلال عدد من الإجراءات الحمائية التي وضعتها لإنقاذ الاقتصاد وأهمها خفض الإنفاق وزيادة الضريبة على أرباح الشركات ورفع الرسوم على بعض الخدمات الحكومية وربما يقلل من وطأة العجز هذا العام، ارتفاع أسعار النفط في نهاية 2016، وتحقيقها أكبر مكسب سنوي منذ 2009 بعدما اتفقت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) مع كبار المنتجين خارجها على خفض إنتاج الخام لتقليص تخمة المعروض العالمي التي تضغط على الأسعار منذ أكثر من عامين.

ويعد استكمال الإجراءات المالية التي اتخذتها السلطنة والتي أعلنت عنها وزارة المالية في ميزانية 2016 لمواجهة عجز الميزانية وتصحيح الأوضاع المالية ضرورة حتميه في ميزانية السنة المالية الحالية في ضوء واقع أسعار النفط المتدنية وتفعيل ما لم يتم تفعيله من إجراءات على أسس مدروسة وفق تطور الأوضاع المالية للسلطنة وكان من بينها خفض الدعم عن مواد أساسية بينها الوقود والكهرباء والمياه ورفع معدلات ضريبة الدخل على الشركات والمؤسسات والحد من الإعفاءات الضريبية ورفع كفاءة تحصيل الضرائب وتفعيل الرقابة والمتابعة وتطبيق النظام المحاسبي الآلي الجديد لاحتساب الضريبة الجمركية في كافة المنافذ وتعديل الضوابط المطبقة للإعفاءات من الضريبة الجمركية وتحصيل رسوم المأذونيات وبطاقات العمل و تعديل تعريفة الكهرباء والمياه للاستخدامات التجارية والصناعية والحكومية وتعديل الأسعار المحلية لبيع الوقود، بحيث تكون متوافقة مع الأسعار العالمية ووقف التوسع في الهياكل التنظيمية في الوزارات والوحدات الحكومية وتأجيل إسناد وتنفيذ المشروعات غير الملحة وغير الضرورية ومشاركة القطاع الخاص مع الحكومة في العديد من المشروعات وغيرها من الإجراءات التي من المتوقع أن تساهم في ضخ موارد مالية وتكون حافزا قويا لتنشيط الإنتاج مع الاستمرار في تنفيذ المشروعات الاستثمارية من خلال الشركات المملوكة لها، والتي تحمل آفاقاً وفرصاً لتحفيز أنشطة القطاع الخاص الذي يجب مشاركته بشكل أوسع للمساهمة في توفر العديد من فرص العمل الحقيقية وإنعاش الاقتصاد .

ويمكن القول بأن ميزانية عام 2017 ترشيدية متحفظة وتتشابه كثيرا مع ميزانية 2016 في الإيرادات والمصروفات حتى العجز المتوقع يتقارب جدا مع ما كان متوقعا في موازنة عام 2016 ويعتبر في الحدود الآمنة، وهو ما يؤكد على مضي السلطنة قدما في طريق مقاومة الانكماش الاقتصادي والتحسب لأية متغيرات قد تظهر جراء تراجع الموارد النفطية وإيجاد البديل من تنوع المصادر الذي سيساهم في استمرارية الموارد وزيادتها خاصة مع عودة أسعار النفط للارتفاع مرة أخرى، وبرغم أن الأعباء الاقتصادية لم تنته بعد لكن استطاعت السلطنة حتى الآن أن تتجاوز الظرف الاقتصادي المرتبط بانخفاض أسعار النفط وتعمل على إعادة هيكلة مصادر ميزانيتها العامة واتخذت إجراءات لتعويض الانخفاض في أسعار النفط الذي يخضع لدورة اقتصادية متقلبة بين انخفاض وارتفاع وذلك بفضل الخبرة التي اكتسبتها في السنوات الماضية في التعامل مع الدورات الاقتصادية التي مرت بها في ظروف صعبة.