أفكار وآراء

مستقبل الشركات العائلية تحدده الأجيال الوارثة

14 يناير 2017
14 يناير 2017

د. محمد رياض حمزة -

في لقاء مع الفضائية “العربية” بُث يوم 3/‏‏1/‏‏2017 تحدّث خبير في الشركة العالمية (PWC ,PricewaterhouseCoopers ) عن التحديات الرئيسية التي تواجهها الشركات العائلية في منطقة الشرق الأوسط . مؤسسا حديثه على دراسة تعدّها الشركة بشكل دوري. مشيراً إلى أبرز التوصيات التي قدمتها الدراسة. وقال: إن قطاع الشركات العائلية في الشرق الأوسط يشارك بـ 60% من الدخل القومي غير النفطي، ويؤمن 80% من فرص العمل في المنطقة. موضحاً أن 75% من الشركات العائلية في الشرق الأوسط حققت نمواً خلال العام الماضي.”وحدّد الاستطلاع الذي قامت به الشركة خمسة تحديات رئيسية تواجه الشركات العائلية ، أهمّها التعاقب الوظيفي والتعاقب بين الأجيال، حيث إن 15% فقط من الشركات العائلية لديها سياسات وإجراءات واضحة في عملية التعاقب الوظيفي. ويكمن التحدّي الأكبر والمتكرر، في إضفاء الطابع المهني على الشركات العائلية. إذ بحسب ما أوضحته الدراسة أن هناك تحديات أخرى تشمل الأوضاع الاقتصادية الراهنة والتغيرات التشريعية.

أما التوصيات التي قدمتها الدراسة للشركات العائلية، فتكمن في مضاعفة الجهود لبناء خطط خاصة بالتعاقب الوظيفي والتعاقب بين الأجيال، والاستثمار في وضع استراتيجيات تضمن مستقبل هذه الشركات والعائلة على حد سواء.وأشار حداد أيضاً إلى ضرورة إضفاء الطابع المهني على الشركات العائلية، ووضع أنظمة للحوكمة من أجل تحقيق متطلبات النمو والازدهار.وخلُصت الدراسة إلى ضرورة وجود ريادة في التعامل مع الطفرة الرقمية والإلكترونية، والاستفادة منها، وأهمية إدخال الجيل القادم ورعايته وتطويره للمساهمة في نمو الشركات .

لم تأت الدراسة وتوصياتها بتشخيص جديد لواقع الشركات العائلية وللتحديات المستقبلية التي تواجهها في الشرق الأوسط والخليجية منها تحديدا . وما ذكر من توصيات كانت قد تكرر ذكرها من قبل . الشركات العائلية والقطاع الخاص ، بصورة أعم ، في دول الخليج العربية يعيش في كنف القطاع العام. فالإنفاق الحكومي في الدول الخليجية يعتبر المحرك الأساس للأنشطة الاقتصادية. ولم تكن الشركات العائلية بمنأى عن تبعات ركود الاقتصادات الخليجية منذ منتصف 2014 بسبب انهيار أسعار النفط. أشار منتدى الشركات العائلية ــ جدّه 2016م “ الى أن الشركات العائلية تساهم بـ 40% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، ليؤكد ذلك بأنها من أكبر الكيانات التجارية . لذلك ينبغي العمل على تحقيق استدامتها، كونها تشكل 85% من عدد الشركات وتمثل 35% ضمن أكبر 500 شركة عالمية. وقد تكون النسب المئوية التي خرج بها المنتدى تؤكد فقدان ثقة الرواد المؤسسين للشركات العائلية بأبنائهم وبأحفادهم ، وبقدر ما تعكسه هذه النتائج من ضبابية مستقبل الشركات العائلية ، إلاّ أنها تكون قد بالغت في رؤيتها السلبية للمستقبل . فإن كان الجيل الثاني أو الثالث لمالكي الشركات العائلية غير كفوئين وتنقصهم الخبرة فاللوم يقع على الرواد الآباء الذين أهملوا تأهيلهم وتدريبهم وتوريثهم الخبرة وكفاءة إدارة الشركات والحفاظ على ديمومتها . أما فقدانهم الثقة بالجيل التالي فقد يكون رؤية متشائمة وغير صحيحة ، فالأجيال التالية من الأبناء لعوائل ثرية تملك شركات ناجحة لابد أن يكون الآباء قد حرصوا على تعليم أبنائهم في أرقى الجامعات التي لم يكن قد تسنى لهم ( الآباء ــ الرواد) التعليم العالي الأكاديمي المتخصص ، في الوقت الذي تأهل الأبناء وحصلوا على المعرفة الأكاديمية ، فضلا عن خبرتهم التي اكتسبوها بمصاحبة الآباء الرواد.

أما عدم وجود أنظمة واضحة أو دستور عائلي مكتوب لتلك الشركات فذلك يقع وزره على الآباء الذين لم يدركوا أهمية النظم المكتوبة ليتم تداولها وليس على الأبناء ، وقد يكون الأبناء الجادون في استمرار نجاح تلك الشركات أكثر خبرة في وضع دساتير الشركات العائلية .

تمثل الشركات العائلية مكانةً كبيرةً في اقتصاديات العديد من دول العالم، بغضِّ النظر عن تنوع نهج هذه الدول الاقتصادي، ومكانتها في الاقتصاد العالمي حيث تمثل الشركات العائلية النسبة الكبرى من إجمالي الشركات العاملة في الاقتصادات الوطنية لهذه الدول.

وبالرغم من أهمية الشركات العائلية في اقتصاداتها الوطنية فإنها في تغير مع تقادم الزمن في شكلها القانوني أو في حجمها وقدرتها على منافسة الشركات الكبرى ذات النشاط المماثل أو البديل. وتقدر الدراسات في علم الإدارة أن متوسط العمر الافتراضي لهذه الشركات هو 40 سنة تقريباً، وأن واحداً من ثلاثة أنشطة عائلية يعيش حتى الجيل الثاني، ونحو واحد من عشرة أنشطة عائلية يستطيع المواصلة حتى الجيل الثالث. وفي دراسة أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية اتضح أن 30% من الشركات العائلية تستمر إلى الجيل الثاني، وتنخفض هذه النسبة إلى 12% للجيل الثالث، ثم 4% إلى الجيل الرابع، وأخيراً: يصل أقل من 1% إلى الجيل الخامس. ووجد أن السبب الفاعل في تضاؤل الشركات العائلية هو التغيير الذي يطرأ على أفراد العائلة من جيل لآخر في معرفتهم وخبراتهم المتخصصة لطبيعة النشاط الاقتصادي وإدارته. كما وجدت تلك الدراسات أن أجيالا تالية نجحت في تطوير وتوسيع تلك الشركات. وعليه فإن الرؤية لمستقبل الشركات العائلية تأخذ مسارين فإما أن تتمكن العائلة المالكة للشركة من البقاء مترابطة فتعمل على الحفاظ عليها وتطويرها وتوسيعها ولمزيد من القوة والنفوذ في الأسواق. أو أن تتضاءل أمام المشاكل والتحديات التي تواجهها. ومن تلك التحديات التنافس الداخلي بين أفراد العائلة للوصول إلى قمة إدارة الشركة وملكية الحصص الأكبر فيها. أما المخاطر الخارجية فتتمثل بعدم قدرة الشركة على التطوير والتجديد، والأخذ بالأساليب والطرق الحديثة في الإدارة، الأمر الذي ستترتب عليه الحاجة إلى تمويل كبير قد لا يتوافر من دخل العائلة، مما يدفعها للجوء إلى التمويل الخارجي فتفقد السيطرة على إدارتها لصالح الممول الأكبر. ولكي تتجنب الشركات العائلية المخاطر الذاتية أو الخارجية عليها اللجوء إلى المستشارين من ذوي الخبرة المتخصصين، سواء أكانوا من داخل العائلة أو من خارجها. تعمل على تدريب النشء الجديد من أفراد العائلة على إدارة الشركة.

ولهذا التحول - في رأي من ينادون به - العديد من المزايا، منها:

أ – دمج أنشطة وأعمال الشركات العائلية بصورة أوسع وأكبر مع عجلة التطور الاقتصادي المتنامي والسريع في الدول التي تنتمي إليها؛ حيث ستكون هذه الشركات جزءاً من الثروة الاقتصادية الوطنية المقيَّمة بموجب أسس ومعايير السوق، وستسعى هذه الشركات للالتزام بهذه المعايير، بنشر البيانات المالية الصحيحة والواقعية، والتعامل في الأوراق المالية، وخاصةً الأسهم.

ب - إدراج أسهم الشركات بالبورصة، يعني: إيجاد قيمة حقيقية وعادلة يومية لأسهم هذه الشركات، مما يسهل عملية نقل الملكية، سواء من حيث تسعير الحصص، أو من حيث قانونية وإجراءات نقل الملكية المعمول بها في سوق المال، عند وجود الضرورة لذلك، وهذا سوف يجنِّب الشركات العائلية الكثير من المشاكل والخلافات التي قد تنشأ عن نقل حصص الملكية بين أفراد العائلة.

ج - تهيئة الشركات العائلية لعصر العولمة وانفتاح السوق؛ حيث قد تواجه تلك الشركات في المستقبل المنظور أو البعيد - وفي ظل هذه التطورات الاقتصادية العالمية السريعة - خيارَ الدمج مع شركات وطنية محلية، أو مع شركاء أجنبية، لتحقيق تكامل أفضل، ووجود مميز وأقوى في الأسواق التي تعمل فيها. وبالتالي؛ فإنه ينبغي وجود قيمة عادلة لأسعار أسهم هذه الشركات، ووجود شفافية في البيانات الخاصة بأعمالها وأدائها ومركزها المالي الحقيقي، مع توافر السمعة المالية والاقتصادية المرموقة، التي لن تتوفر إلا من خلال إدراجها في سوق المال أو التحول إلى شركة مساهمة عامة، أي شركة مفتوحة غير مغلقة.

الشركات العائلية في السلطنة كان لها فضل الإسهام الاقتصادي في النهضة العمانية المباركة ، وتطورت بالتوازي مع التقدم الذي أحرزته السلطنة في مختلف الصُعُد وإنها تلعب دورا محوريا في تكوين الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة. وقد تكون سوق مسقط للأوراق المالية قوة مساندة للتنمية المستدامة للاقتصاد الوطني إنْ سجلت الشركات العائلية في سوق المال وتداولت أسهما.

ويمكن والقول إن الشركات العائلية في الدول العربية ، وبالذات دول الخليج العربية تختلف في تنظيمها وفي إدارتها عن مثيلاتها في الدول الغربية ، فالعديد من الشركات العائلية في الدول الغربية طرحت جزءاً من أنشطتها أسهما للتداول في أسواق الأوراق المالية فتوسعت أكثر ودخلت مساهمة بالناتج المحلي الإجمالي لدولها . أما الشركات العائلية الخليجية فما زالت متحفظة في تحويل أي جزء من أنشطتها أو أصولها إلى أسهم تتداول في أسواق المال ، ولعل هذا ما يجعلها أقل تطورا من نظيراتها في الدول الغربية.