أفكار وآراء

قضية الاحتياطيات الأجنبية في السلطنة

14 يناير 2017
14 يناير 2017

حيدر بن عبد الرضا اللواتي -

ضجت وسائل التواصل الاجتماعي اثر خبر صحفي بثته وكالة أنباء رويترز بأن السلطنة تتفاوض مع دول خليجية للحصول على وديعة بعدة مليارات من الدولارات لتعزيز احتياطياتها من النقد الأجنبي وتفادي أي ضغوط على عملتها الريال. ومثل هذه الاخبار المفبركة اعتاد العمانيون أن يقرأوها بين الفينة والأخرى، وهي لا تمس الجوانب الاقتصادية المهمة للسلطنة، وإنما تتعرض إلى قضايا سياسية واجتماعية وثقافية يتم تقديمها بصورة وكأنها هي الحقيقة السائدة في البلاد. وهناك للأسف الشديد بعض من العمانيين الذي يقومون بإضافة بهارات على مثل هذه الأخبار الكاذبة بهدف خدمة أغراضهم الشخصية وأحيانا لغرض في نفس يعقوب.

المهم أن الخبر الأخير لرويترز أشار إلى أن مصدرين قالا لهذه الوكالة العالمية التي تصل إلى جميع وسائل الإعلام في العالم أن مسؤولين عمانيين - دون ذكر أسمائهم- التقوا في الأسابيع الأخيرة مع مسؤولين من وزارات المالية الكويتية والقطرية والسعودية لبحث الوديعة المقترحة من تلك الدول بهدف التقليل من المخاطر التي تتعرض لها العملة العمانية وهي الريال العماني.

واليوم نرى بأن الأوضاع المالية والاقتصادية للسلطنة رغم الصعوبات الناجمة من تراجع أسعار النفط العالمية منذ منتصف عام 2014، في تحسن وبصورة أكبر مما هي عليه أوضاع بعض الدول الخليجية النفطية التي تقوم بتصدير ملايين البراميل من النفط يوميا والتي تعاني من عجوزات مالية كبيرة بسبب توجهاتها السياسية والعسكرية في المنطقة وخارجها.

أما على المستوى المحلي فإن تحسن الاوضاع المالية يرجع إلى الاجراءات التي اتخذتها السلطنة لدعم البنود المالية للموازنات العامة للدولة خلال السنتين الماضيتين. ومع تحسن أسعار النفط العالمية فإن الضغوط سوف تتراجع على جميع الدول المنتجة والمصدرة للنفط، في الوقت الذي يأمل فيه الجميع بأن السياسات التي تتبناها السلطنة تجاه تنمية القطاعات الاقتصادية غير النفطية تؤدي إلى بروز هذه القطاعات بصورة كبيرة مما هي عليه اليوم، وأن تعزز المسيرة الاقتصادية والمالية للسلطنة خلال السنوات المقبلة.

نفي السلطنة لخبر الوديعة الخليجية صدر في اليوم نفسه مساء أي بعد عدة ساعات من بث خبر وكالة رويترز، حيث أوضح بيان صادر من وزارة المالية بأن الخبر الذي تداولته وسائل الاعلام حول توجه السلطنة ومفاوضتها لدول خليجية للحصول على وديعة بعدة مليارات دولار عار عن الصحة ولم تكن هناك أية محادثات لبحث الحصول على وديعة بالمليارات مؤكدا البيان ان السلطنة تمتلك احتياطيات كافية ولا توجد أية مخاطر على قيمة الريال العماني. هذا البيان المختصر كان كافيا ووافيا في توصيل الرسالة لهذه الوكالة الخبرية، ولجميع الذين يحاولون تشويه صورة الاقتصاد الوطني، وفي الوقت نفسه يؤكد قدرة السلطنة على مواجهة مثل هذه الأوضاع، ويعيد الثقة في الاقتصاد الوطني على أنه قادر على المضي قدما دون العناية لمثل هذه الأخبار المفبركة التي تبثها بعض أبواق وسائل الاعلام وغيرها.

لقد سبق للمسؤولين في السلطنة أن أكدوا في مرات عديدة بأن السلطنة لا تنوي خفض قيمة عملتها الوطنية، ولا توجد هناك ضغوط تستدعي اتخاذ قرار خفض الريال العماني، في الوقت الذي تشير فيه البيانات الإحصائية للبنك المركزي العماني إلى أن إجمالي أصول البنك المركزي العُماني بلغ في نهاية نوفمبر 2016م حوالي 8.3 مليار ريال عُماني (21.6 مليار دولار أمريكي) مقارنة مع 7.6 مليار ريال عُماني (19.76 مليار دولار أمريكي) في نهاية ديسمبر 2015م.

كما ارتفع اجمالي الاحتياطات الأجنبية للبنك المركزي ليصل إلى حوالي 7.2 مليار ريال عُماني (18.7 مليار دولار) في نهاية نوفمبر 2016م مقارنة مع 6.7 مليار ريال عُماني (17.4 مليار دولار) في نهاية ديسمبر 2015م. وهذه الاحتياطات - كما هو معروف عنها- تشكل الجزء الأكبر من الأصول ويُنظر إليها باعتبارها صمام الأمان للحفاظ على الثقة في سعر الصرف كونها تمثل احتياطيات عالية السيولة من العملات الأجنبية، وخصوصاً الدولار الأمريكي عملة المثبت للريال العُماني. كما يتعين التنويه هنا، إلى أنه وفقاً للمعايير العالمية المتعارف عليها ينبغي أن تظل احتياطيات العملات الأجنبية لدى البنك المركزي عند مستوى يكفي لتغطية واردات 4 إلى 6 أشهر. وعند تطبيق هذا المعيار على السلطنة، تشير احدث البيانات الى أن المستوى الحالي للأصول الاجنبية للبنك المركزي العماني يكفي لتغطية واردات السلطنة من السلع والخدمات على حد سواء، لفترة تقارب 10 أشهر وهو ما يبعث على الثقة والطمأنينة في الريال العُماني.

وهنا لا ننكر بأن الفترة الأخيرة شهدت تراجعا قليلا في عائدات البلاد من العملات الأجنبية نتيجة للانخفاض الحاد في اسعار النفط في الأسواق العالمية، وهذا بالتالي يؤثر على الميزانية العامة للدولة والحساب الجاري في ميزان المدفوعات، إلا أن اتباع السلطنة لنظام سعر الصرف الثابت للريال العُماني مقابل الدولار الأمريكي ومواصلة الحكومة واتخاذها الإجراءات تجاه الانفاق العام بشقيه الجاري والاستثماري، فإنها تواصل تمويل عجز الميزانية العامة للدولة وبطرق مختلفة.

وهذا بالتالي يؤدي إلى تعزيز احتياطيات البنك المركزي العُماني من العملة الأجنبية، والحفاظ على سيولة القطاع المصرفي المحلي. ومع مواصلة الحكومة لسياسة الضبط المالي والتنويع الاقتصادي، فإنه من المتوقع أن تحقق التوازن بين مستويات الطلب والعرض الكلي في الاقتصاد المحلي بحيث تكون ايرادات البلاد من العملة الأجنبية المتأتية من صادرات السلطنة من السلع والخدمات وتدفقات الاستثمار من الخارج كافية لتلبية الطلب على العملة الأجنبية دون اللجوء إلى الاقتراض والسحب من احتياطيات الدولة في الخارج، وبالتالي التكيف بصورة أكثر سلاسة مع التطورات في اسعار النفط العالمية وتحقيق معدلات نمو أكثر استدامة.

إن أحدث البيانات الصادرة عن البنك المركزي العماني تشير إلى استمرار النمو في الميزانية الإجمالية للبنوك مع تحسن في الملاءة المالية لها من حيث نوعية الأصول وتغطية المخصصات وكفاية رأس المال، حيث ارتفعت أصول البنوك العاملة في السلطنة إلى 29.7 مليار ريال عُماني (77.2 مليار دولار) في نهاية شهر نوفمبر 2016م، كما بلغ متوسط نسبة كفاية رأس المال- وفقاً لمتطلبات لجنة بازل3- للبنوك التجارية 16.2% في نهاية سبتمبر 2016م، وهي تفوق النسبة المحددة من قِبل البنك المركزي العُماني والبالغة (12%). وظلت نسبة إجمالي القروض المتعثرة إلى إجمالي الإئتمان عند مستوى متدن بلغ 2.1% في نهاية الفترة نفسها. كما شهدت الفترة (نوفمبر 2015 - نوفمبر 2016م) ارتفاع إجمالي رصيد الائتمان الممنوح من قِبل القطاع المصرفي بنسبة 9.6% خلال العام ليصل إلى 21.9 مليار ريال (57 مليار دولار) كما سجّل إجمالي الودائع نمواً بنسبة 4.5% ليصل إلى 20.3 مليار ريال عُماني (53 مليار دولار) وذلك في نهاية نوفمبر 2016م.

وهذه البيانات والاحصاءات كفيلة بدحض كل الاخبار المفبركة التي تسيئ إلى الاقتصاد العماني، وتنفي جميع المزاعم التي يتحدث عنها البعض بقصد أو دون قصد. وفي مثل هذه القضايا الاقتصادية والمالية يجب تكون واضحة وتقدّم بشفافية للجميع من قبل المسؤولين في الدولة، وأن تكون الدوائر الاعلامية في المؤسسات الحكومية والرسمية قادرة على إجابة أسئلة الصحفيين ووسائل الاعلام المختلفة لكي لا يكون هناك أي عذر في حالات ورود أنباء كاذبة.