889694
889694
مرايا

أحمد ديدات.. «شيخ المناظرين»

11 يناير 2017
11 يناير 2017

عام 1996 أصيب بالشلل التام لكن لم يتوقف عن الدعوة حتى وفاته -

ولد في (تادكهار فار) بإقليم سراط بالهند عام 1918م لأبوين مسلمين هما حسين كاظم ديدات وزوجته فاطمة، وكان والده يعمل بالزراعة وأمه تعاونه، ومكثا تسع سنوات ثم انتقل والده إلى جنوب إفريقيا وعاش في ديربان وغير أبيه اتجاه عمله الزراعي وعمل خياطا.

التحق ديدات بالدراسة بالمركز الإسلامي في ديربان لتعلم القرآن الكريم وعلومه وأحكام الشريعة الإسلامية، وفي عام 1934م أكمل الشيخ المرحلة السادسة الابتدائية ثم قرر أن يعمل لمساعدة والده فعمل ديدات في عدة أعمال، وعندما بلغ الثامنة عشرة في حدود عام 1936، عمل في دكان يمتلكه أحد المسلمين، يقع في منطقة نائية في ساحل جنوب إقليم ناتال بجانب إرسالية مسيحية، وكان طلبة الإرسالية يأتون إلى الدكان الذي يعمل به ديدات ومعه مسلمون آخرون، ويكيلون الإهانات لهم عبر الإساءة للدين الإسلامي والطعن في النبي صلى الله عليه وسلم، وعن هذا يقول الشيخ ديدات: «لم أكن أعلم شيئًا عما يقولون، فكل ما كنت أعلمه أنني مسلم، اسمي أحمد، أصلي كما رأيت أبي يصلي، وأصوم كما كان يفعل، ولا آكل لحم الخنزير ولا أشرب الخمور، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله». ثم بعد ذلك انتقل للعمل في مصنع للأثاث وأمضى به اثنا عشر عاما وصعد سلم الوظيفة في هذا المصنع من سائق ثم بائع ثم مدير للمصنع، وفي أثناء ذلك التحق الشيخ بالكلية الفنية السلطانية كما كانت تسمى في ذلك الوقت فدرس فيها الرياضيات وإدارة الأعمال.

أما نقطة التحول الحقيقي له فكانت في الأربعينات، وكان سبب هذا التحول هو زيارة بعثة آدم التنصيرية في دكان الملح الذي كان يعمل به الشيخ وتوجيه أسئلة كثيرة عن دين الإسلام ولم يستطع وقتها الإجابة عنها، وقرر الشيخ أن يدرس الأناجيل بمختلف طبعاتها الإنجليزية بل حتى النسخ العربية، كان يحاول أن يجد من يقرأها له، وقام بعمل دراسة مقارنة في الأناجيل، وبعد أن وجد في نفسه القدرة التامة على العمل من أجل الدعوة الإسلامية ومواجهة المبشرين قرر الشيخ أن يترك كل الأعمال التجارية ويتفرغ لهذا العمل.

ثم سافر إلى باكستان في عام 1949 ومكث بها لمدة ثلاث سنوات، تزوج أحمد ديدات، وأنجب ولدين وبنتًا خلال الفترة التي عمل فيها في مصنع للنسيج، وبعدها عاد إلى جنوب أفريقيا إلى ديربان وأصبح مديرًا لنفس المصنع الذي سبق أن تركه قبل سفره، ومكث حتى عام 1956م، وكان في هذا الوقت يحضر صباح كل أحد محاضرات دعوية، وكان جمهوره ما بين مائتين إلى ثلاثمائة فرد. وبعد نهاية هذه التجربة ببضعة أشهر، اقترح شخص إنجليزي اعتنق الإسلام واسمه «فيرفاكس» ان يدرس: المقارنة بين الديانات المختلفة، وأطلق على هذه الدراسة اسم: (فصل الكتاب المقدس Bible Class) وكان يقول إنه سوف يعلم الحضور كيفية استخدام الكتاب المقدس في الدعوة للإسلام، استمرت دروس «فيرفاكس» لعدة أسابيع أو حوالي شهرين، ثم تغيب بعدها فاقترح عليهم احمد ديدات أن يملأ الفراغ الذي تركه السيد «فيرفاكس»، وأن يبدأ من حيث انتهى لأنه كان قد تزود بالمعرفة في هذا المجال، وظل لمدة ثلاث سنوات يتحدث إليهم كل أحد.

ويصف الشيخ هذه الفترة بقوله: «اكتشفت أن هذه التجربة كانت أفضل وسيلة تعلمت منها، فأفضل أداة لكي تتعلم هي أن تُعَلِّم الآخرين، والنبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- يقول: «بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَة».. فعلينا أن نبلغ رسالة الله -عَزَّ وَجَلَّ-، حتى ولو كنا لا نعرف إلاَّ آيةً واحدةً. إن سرّاً عظيماً يكمن وراء ذلك.. فإنك إذا بلَّغت وناقشت وتكلمت، فإن الله يفتح أمامك آفاقًا جديدةً، ولم أدرك قيمة هذه التجربة إلا فيما بعد».

عرف الشيخ أحمد ديدات بشجاعته وجرأته في الدفاع عن الإسلام، والرد على الأباطيل والشبهات التي كان يثيرها أعداء الإسلام حول النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ونتج عن هذا أن أسلم على يديه بضعة آلاف من غير المسلمين من مختلف أنحاء العالم والبعض منهم الآن دعاة إلى الإسلام. وفي عام 1959م توقف الشيخ أحمد ديدات عن مواصلة أعماله حتى يتسنى له التفرغ للمهمة التي نذر لها حياته فيما بعد، وهي الدعوة إلى الإسلام من خلال إقامة المناظرات وعقد الندوات والمحاضرات. وفي سعيه الحثيث لأداء هذا الدور العظيم زار العديد من دول العالم، واشتهر بمناظراته التي عقدها مع كبار رجال الدين المسيحي أمثال: كلارك، وجيمي سواجارت، وأنيس شروش.

وقد أسس معهد السلام لتخريج الدعاة، والمركز الدولي للدعوة الإسلامية بمدينة (ديربان) بجنوب إفريقيا، وألف الشيخ ديدات ما يزيد عن عشرين كتابًا، وطبع الملايين منها لتوزع بالمجان بخلاف المناظرات التي طبع بعضها، وقام بإلقاء مئات المحاضرات في جميع أنحاء العالم. ولهذه المجهودات الضخمة مُنح الشيخ أحمد ديدات جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1986م وأعطي درجة «أستاذ».

وفي عام 1996 أصيب ديدات بالشلل التام ومن حينها ظل طريح الفراش، ولكنه لم يتوقف لحظة عن الدعوة فكان يعبر عما يريد عن طريق عينين لا تتوقفان عن الحركة والإشارة والتعبير، وعبرهما يتحاور الشيخ ويتواصل مع زائريه ومرافقيه بل ومحاوريه بواسطة لغة خاصة تشبه النظام الحاسوبي، فكان يحرك جفونه سريعا وفقا لجدول أبجدي يختار منه الحروف، ويكون بها الكلمات، ومن ثَم يكون الجمل ويترجم مراد الشيخ ولده يوسف الذي كان يرافقه في مرضه.

والعجيب أنه كان يصل إلى الشيخ في مرضه هذا كل يوم قرابة الخمسمائة رسالة فلم يتوقف عن الدعوة حتى وافته المنية في صباح يوم الاثنين الثامن من أغسطس 2005م الموافق الثالث من رجب 1426هـ حيث فقدت الأمة الإسلامية الداعية الإسلامي الكبير الشيخ أحمد ديدات، فعليه من الله جزيل الرحمات وواسع المغفرة.