891523
891523
المنوعات

دار الأوبرا السلطانية تبدع «الرحلة العظيمة» وتجسد بعض أمجاد عُمان

07 يناير 2017
07 يناير 2017

891524

عبر 8 لوحات خرجت من عمق التاريخ ودخلت حداثة السلطنة -

كتب: عاصم الشيدي -

شهدت دار الأوبرا السلطانية عرضا استثنائيا أنتجته الدار خصيصا «تكريما لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ قائد مسيرة النهضة المباركة الذي تابع بنفسه منذ عام 1970 وضع لبنات البناء والتنمية على كل شبر من أرض السلطنة الغالية معلنا بزوغ فجر جديد على الشعب العماني» بحسب ما جاء في كلمة الدار التقديمية للعرض.

وجاء العرض الذي قدم على مدى ثلاثة أيام مبهرا للغاية حاول اختزال الكثير من تفاصيل الحضارة العمانية عبر مشاهد منتقاة من عمقها الحضاري.

ورغم حضور السيف عبر لوحة «رقصة السيف» إلا أن العرض في مجمله يحمل رسالة سلام ومحبة للعالم، ويجتر حضور ثيمة السلام من أعمال التاريخ العماني باعتباره ليس توجها آنيا لعُمان بل توجها قامت عليه الحضارة العمانية لكن كل ذلك لم يكن بمعزل عن السيف الذي يرمز إلى القوة والمنعة.. سواء كان ذلك عبر لوحة جغرافية عمان أو عبر لوحة «بخور اللبان» الذي كان يفوح شذاه في كل بقاع العالم حاملا شذا عُمان الذي ينثر السلام والطمأنينة أينما حل وفاح.

«فكنت مشرق نور الله قاطبة

من زنجبار إلى كانتون بالصين

حَمَلت للناس طُهر الدين في خُلُق

فشاع فضلك بالإحسان واللين»

افتتح العرض الذي حمل عنوان «احتفالات عمان.. الرحلة العظيمة» بصوت الراوي وهو يقول بصوت وكأنه آت من أعماق التاريخ «كان يا ما كان» ويشع النور في كتاب ضخم كان في زاوية من يسار ساحة العرض، ومع إنارة الكتاب دبت الحياة في جميع ساحة العرض، وتحولت جدران دار الأوبرا السلطانية إلى جدران تستعيد صورا من أمجاد عمان العريقة.. وتتناغم تلك الصور، التي تعيد الجمهور إلى سنوات سحيقة من التاريخ العماني، مع صوت العود القادم من أعلى جدران الدار حيث يعزف مجموعة من جمعية هواة العود أنغاما ملحمية تعطي العرض هيبة واستثنائية. ثم كان صوت الراوي والراوية يتناوبان على رواية المشهد بمفردات الشعر:

هذا كتابك سفر المجد للسير

وآية الدهر للإكبار والأثر

يتلوك سورة إجلال ومفخرة

وضاحة بصحاف الفضل كالغرر

ثم كانت لوحة «بخور اللبان» التي اشتعل فيها المسرح بالبخور والدخان الذي أعطى المكان هيبة تاريخية مستعادة من المعابد القديمة حيث كان يحرق اللبان في معابد مصر الفرعونية وفي معابد الهند وبلاد ما بين النهرين ومعابد كثيرة عبر العالم.

وصورت اللوحة الطبيعة والثقافة العمانية بأيقونات رمزية منها شجرة اللبان بعطرها الفواح الذي كان سلعة مهمة جدا في العصور القديمة والأوعية الفخارية المميزة التي كان يحرق فيها اللبان للأغراض المنزلية وفي المراسم والمناسبات الدينية والاجتماعية.

وعرضت صور للنار فيما ينبع منها دخان اللبان ويتدفق عطره بين صفوف الجماهير.. وبلغ المشهد ذروته مع وقع رقصات مبهرة من وحي اللبان ورموز تشير إلى العودة للطبيعة. وطافت مبخرة ضخمة معلقة أرجاء الساحة ووصلت فوق الجماهير. فيما كان الراويان ينشدان:

من سحر طيوبك ملهمتي

يغمرني طهرا عطر لبان

ينعشني، يحملني عشقا

لجنان شيقة الألحان

ومن عمق أعمدة دخان اللبان بدأت اللوحة الثالثة من لوحات العرض والتي حملت عنوان «الأسفار البحرية.. فن الملاحة العماني» وحملت اللوحة الكثير من الأبعاد الرمزية للتاريخ البحري العماني. فكانت السفينة الطائرة توحي للجمهور بالمهارات الملاحية الأسطورية التي عرف بها الملاحون العمانيون على مر العصور، فيما كانت تمخر سفنهم عباب البحار متنقلة من المحيط الهندي إلى شرق أفريقيا والشرق الأقصى.

يا بحر موجك صخاب بأسراري

فاتلُ الأقاصيص عن حلمي وأسفاري

أنا سلسل جدود سطروا سيرا

في جبهة الدهر قد زانت بأنوار

جابوا المحيطات والأهوال تغمرهم

وهم قُدُومٌ على هول وإعصار

ومن لوحة أمجاد عمان البحرية دخل العرض في لوحة «طريق الحرير.. الرقص في أنحاء العالم».. وتكتمل ملامح العصر العظيم للتبادلات التجارية عبر طريق الحرير من خلال صور القوافل الواحات والسلع الثمينة التي تظهر مع خرائط قديمة.. في الخلفية يعرض طريق الحرير الشهير الذي شكل يوما ما همزة الوصل بين الشرق الأقصى والشرق الأوسط وغرب البحر الأبيض المتوسط.

وتتحول جدران دار الأوبرا السلطانية ثانية إلى شاشة تعرض جانبا من تاريخ طريق الحرير وجوانب من الموسيقى والرقصات في رحلة استكشافية عبر الثقافات المختلفة للشعوب والأمم التي كانت تمتد على طول طريق الحرير انطلاقا من الشرق الأقصى.

خيوط الضياء تمد الجسور.. وتبسط في الأرض لحما ونور

روتها الثقافات من شمسها.. من الشرق للغرب فكرا منير

وبعد رحلة عبر طريق الحرير يعود المشهد لعمق عمان وأمجادها عبر لوحة السيف «الشرف العماني». يبدأ المشهد بدخول قطيع من المها تنطح بقرونها بعضها البعض إيذانا ببدء رقصة السيف التي يرافقها عزف موسيقي حي فيما يقفز الفنانون الاستعراضيون في الهواء بسيوفهم التي تلمع كالبرق في مشهد درامي أسطوري.. ويستمر الراويان في سرد الحكاية:

لاح المها، ياللجمال..

أذكت مهابته الخيال

سيفان كالتاج المكلل

بالوضاءة والجمال

حراس غزته، غذا

حمي الوطيس فلا يطال

قد ألهما إنسان هذي الأرض

من حسن المثال.

وكان لأداء فرقة نجوم جعلان للفنون الشعبية العمانية مفعول السحر في الحضور حيث حضر السيف في الوصلة الغنائية الشعبية التي قدمتها الفرقة.. وعبر تلك الأغاني حضر السيف في الكثير من الأبعاد الرمزية التي أحالت الحضور إلى شرف حمل السيف عبر العصور بالنسبة للعماني.

ثم تبدأ اللوحة السادسة والتي حملت عنوان «نهضة عمان.. التحدي منذ عام 1970» تبدأ اللوحة بصوت جلالة السلطان المعظم وهو يتلو بيانه الأول مع تولي جلالته مقاليد الحكم في عُمان.. يأتي الصوت عميقا جدا، وغائرا في التاريخ العماني وكأنه الصوت الأول الذي يتردد صداه بين جبال عُمان وقلاعها وبين صحاريها ووديانها.. في تلك الأثناء تظهر صور بدء مسيرة النهضة المباركة قبل أن يرفرف شعار الدولة بسيفيه المتقاطعين كلوحة فنية معبرة ومحلقة في سماء عمان ويبدأ عرض جوي ترفرف فيه الأعلام يرافقها صوت الطبول والترومبيت المتعالي في إشارة ذات مغزى لعصر النهضة الإيطالية التي يشارك فنانون منها في إحياء حفل الرحلة العظيمة.

ثم ينتقل العرض للوحة السابعة «عُمان واحة السلام.. أرض الغد» ويشارك في هذه اللوحة مجموعة من الأطفال في إشارة للغد والمستقبل.. يحمل هؤلاء الأطفال عراقة عمان وتتراكم فوق وجوههم تفاصيل أمجاد عمان ويقول الراوي:

بلاد السلام سلامك ريّا

تدفق في الروح طهرا نقيا

عمان تفيا ظلك شعب

يشيع السلام سناء وضيا

أفاض عليك النبي دعاء

فكنت إلى الحب وصلا سميا

أما اللوحة الأخيرة فكانت بعنوان «دار الأوبرا السلطانية مسقط.. دار ثقافات العالم» تنكشف دار الأوبرا السلطانية مسقط تجسيدا لعُمان الجديدة، مجتمع يجمع بين التراث الأصيل والحداثة وبين الشرق وبين الغرب.. وتبلغ الدراما في هذه اللوحة ذروتها مع أغنية «لا أحد ينام» الشهيرة وهي من أوبرا «توراندوت» لبوتشيني، ويغنيها التينور جانكارولو مونسالفي بصوته الحي، وتعود بنا هذه الأغنية على أجنحة الخيال لتذكرنا بيوم افتتاح دار الأوبرا السلطانية مسقط في أكتوبر 2011.. ثم تسلط الأضواء على سماء دار الأوبرا السلطانية مسقط مشكلة شعاع نور حضاري يشع على الجميع.

واستطاع حضور العرض العظيم قراءة الكثير مما أرادت الدار قوله في هذا العرض المبهج عبر الكثير من الرموز.. فمع وجود غناء أوبرالي كانت هناك فرق فنون شعبية عمانية في إشارة إلى ثنائية الأصالة والمعاصرة التي حاولت عمان جاهدة تحقيقها في نهضتها الحديثة ونجحت إلى حد كبير. كما تناغم العرض المستخدم بالتقنيات الحديثة مع الحضور العميق لدخان البخور العماني الذي يؤكد أن الحداثة العمانية إنما خرجت من رحم الماضي الحضاري لُعمان في إشارة إلى استمرار مسيرة هذا البلد في البناء الثقافي والحضاري للبشرية. الحفل بكل ما فيه من إبهار وما فيه من حضور رمزي وما فيه من استدعاء التاريخ وفتح طرق المستقبل إنما يحيل إلى عُمان التي لم تنبتّ عن ماضيها وقرأت التاريخ في طريق بناء مستقبلها.. عُمان التي بناها جلالة السلطان جوهرة تسر الناظرين وستبقى بكل ما تحمله من إرث وما تكتبه للمستقبل شعاع نور أبديا في المنطقة.

يذكر أن الدكتور صالح الفهدي هو كاتب أشعار العرض وقام بدور الراوي الفنان عصام الزدجالي والفنانة رشا البلوشية. وانتج العرض بمشاركة مجموعة «ناماستي أوروبا».