أفكار وآراء

انتخابات المجالس البلدية في المحافظات

31 ديسمبر 2016
31 ديسمبر 2016

مختار بوروينة  -

[email protected] -

تابعت عبر التقارير والتعليقات الصحفية مجريات العملية الانتخابية للمجالس البلدية في المحافظات الأسبوع الماضي، وأعطت صورة ديمقراطية صادقة لوقائع اختيار أعضائها في المحافظات سواء من ناحية توفير الإمكانيات وكفاءة شروط الإعداد للانتخاب ، أو فيما يتعلق بإقبال الناخبين على مراكز التصويت كحس حضاري مسؤول وحق انتخابي ، تعزز أكثر وبشيء نموذجي ، من خلال حرص حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - على تمكين المواطن خارج الوطن من المشاركة والإدلاء بصوته واختيار ممثلي ولايته في المجالس البلدية بالمحافظات .

وتترجم الأعداد والمشاركة في الانتخابات ، بهذا الاهتمام المسجل ، الحرص على القيام بالواجب الوطني في بعده المحل، وبكون المجالس البلدية بالمحافظات قريبة جدا من المواطن وتتيح له فرص المشاركة في صياغة وتوجيه برامج التنمية المحلية على مختلف المستويات لصالح الوطن والمواطن .

لم تبتعد التجربة العمانية عن المميز غالبا في الانتخابات البلدية المحلية ، وعن ما هو سائد في تجارب دول اخرى ، فهي تستقطب مشاركة ملموسة بحكم قرب المرشحين من ناخبيهم على مستوى الدوائر الانتخابية وما تثيره من احتكاك مباشر ومتبادل في اختيار أفضل المرشحين ممن يمتلكون قدرات إنصاتهم للناخبين في ملامسة حياتهم اليومية ، وإفراز قدرات تسيير مؤهلة على خدمة الولاية والمحافظة عبر مجالس بلدية نشطة وقادرة على خدمة المواطنين ، وهي مسؤولية كبيرة يتولى المواطن القيام بها على أفضل نحو ممكن عند الإدلاء بصوته بعد الاطلاع بوعي على ما تثيره مختلف الدعوات والحملات الدعائية .

انتخابات الفترة الثانية للمجالس البلدية في المحافظات ديمقراطيا أفرزت صناديقها منتخبين يعول عليهم أن يكونوا عناصر عمل تستجيب لطموحات المواطنين في البناء والتخطيط والتشييد في وقت تبرز فيه الحاجة أكثر إلى الانفتاح والاستثمار وتطوير القرى والمدن ، وتمكين الحكومة من التوجه نحو الاعتماد في التطوير على بدائل أخرى غير البدائل التقليدية في النفط والغاز، والمراهنة على قطاعات تملك واعدة في السياحة والفلاحة والصناعة والخدمات .

مما لا اختلاف حوله ، أن الكل يجمع في هذه الانتخابات على اعتبار المواطن عاملا محوريا وفاعلا أساسيا في التنمية المحلية ، مثلما برزت أهمية تأطير مسارات تواصله ، وكفرصة مهمة يجدد فيها المواطنون توجهاتهم نحو بناء المجتمع بشكل سليم ، يساهم في ترسيخ مفهوم المشاركة الديمقراطية للأجيال المقبلة في مجال تدبير الشأن المحلي ومبادئ الحكم الراشد المحلي والتنمية المستدامة واقتراح المشاريع المحلية ومشاركة المجتمع المدني .

إن المفاتيح الثلاثة لهذا التوجه تقوم على : المواطن والمشاورة و التنمية المحلية ، وهي جوهر العملية برمتها وتبقى محسوبة لتعميق النقاش حول كيفية تحقيق مشاركة مدنية تدرك معاني إبداء الرأي والربط بين الديمقراطية التشاركية وبرامج التنمية المحلية ، والإقرار بأهمية المجالس المحلية وهيئات المجتمع المدني لجعلها قادرة على الانخراط في هذا المسعى التمثيلي .

التأملات المسجلة عبر النصوص والتشريعات والتنفيذ الميداني في تجربة المجالس البلدية في المحافظات في السلطنة ، بينت بحسب الآراء المرصودة في تقييم الفترة الاولى خلال السنوات الأربع الماضية من الممارسة ، أن المطلب يتزايد في دعم الارادة والمناخ المتوفر تأكيدا لواجب المجالس البلدية كإفراز عضوي لحركة المجتمع المدني وكإطار لحركة المواطنين في التدبير والتسيير المحلي عبر إشراك أوسع ومسؤولية أكبر في نطاق إستراتيجية تشكل رهاناتها المغزى القوي لمفهوم النهضة العمانية المتواصلة ، وما تحقق منها لصالح المواطن والوطن في ظل بناء الاقتصاد والتجديد الاجتماعي الملموس وبالخصوصية العمانية .

المميز ايضا في تجربة المجالس البلدية أن تأطيرها القانوني أو آلياتها الهيكلية تقضي بضرورة التعامل مع العناصر الفاعلة في التنمية المحلية كفرصة لدعم المشاورة التشاركية بمفهومها القريب من المواطن في إطار اللامركزية ، كما تقضي التعامل مع المحلي في إطار المركزية ، وفق ذلك فهي لا تختلف عن أنماط التسيير الحديث المعمول به خارجيا من حيث المبادئ الأساسية التي تقوم عليها البلديات بوصفها الجماعة الإقليمية القاعدية للدولة والمكان المسؤول لمشاركة المواطن في تسيير الشؤون العمومية من جهة ، ومن جهة أخرى تعمل مع الدولة بصفة خاصة على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحفاظ على الإطار المعيشي للمواطنين وتحسينه .

إن العمل البلدي المرتكز على الاحتياجات اليومية للمواطن الذي لا يستغني عن نظافة المحيط والطمأنينة والصحة العمومية وحماية البيئة والمساحات الخضراء وشق الطرق وتوفير الحدائق والمتنزهات وعموم الاحتياجات في شبكات الصرف الصحي والاتصالات والمياه الصالحة والطاقة وغيرها من الأعمال التي ترفع من قيمة الأحياء في الولايات والمحافظات ، يرتكز في عمله أيضا على آليات تدفع ببرامجه إلى الأمام من خلال تحقيق أحسن الأهداف للتنمية المحلية التي تعكس تلك التطلعات المقترنة بمشروع تنموي تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المحلية وفق الرؤية الاستراتيجية كون مشاريع التنمية يجب أن تسعى لتمكين المواطن فيها وتوسيع نطاق خياراته كفرد أو كمجموعة ، وتؤمن بالمشاركة في بلورة المشروع مع مراعاة الاختصاص من أجل الفعالية والقدرات والكفاءات والخبرات بالإضافة إلى إشراك كل المؤسسات والهيئات وفق مهامها في التطبيق ضمن رؤية متكاملة .

ويبقى المشروع التنموي المحلي عبارة عن توافق وتبادل الالتزامات من أجل تحقيق نتائج وأهداف مشتركة ، وأي إخلال بأي من هذه الالتزامات سيضر بمحمل المشروع ، لذا يتعين اتخاد جميع الاجراءات اللازمة لمتابعة تنفيذ التعهدات شريطة تبادل المعلومات بين مختلف المتدخلين كضمانة ضرورية للتشخيص السليم والتخطيط العملي والتقييم الدقيق .

إن التخطيط الذي بنيت عليه مسيرة النهضة العمانية بقيادة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - قد مكنت السلطنة من توفير طاقات وقدرات بشرية وبنية مادية تحتية كبيرة ومتطورة ، من شأنهما توفير الأرضية المتقدمة لعمل المجالس البلدية لمصلحة الوطن والمواطن، والتنويه بمكتسبات هذه التجربة الحديثة والعمل على استمراريتها وترقيتها وتحسين أدائها بما يفعل تنظيم المجالس البلدية وتفتحها على محيطها لتحقيق تطلعاته .