أفكار وآراء

روسيا واليابان: الطريق الصعب نحو اتفاقية السلام

31 ديسمبر 2016
31 ديسمبر 2016

د. فالح حسن الحمراني -

كاتب من العراق يقيم في موسكو -

[email protected] -

بعد مرور 70 عاما ما زالت مشكلة جزر الكوريل التي ضمها الاتحاد السوفييتي لأراضيه تشكل العقبة الكأداء في إبرام البلدين معاهدة للسلام، أسوة بالمعاهدات التي وقعتها روسيا مع الدول التي شاركت في الحرب بما ذلك الدولة المعتدية ألمانيا الغربية. وضمت موسكو الجزر الأربع كنتيجة من نتائج الحرب العالمية الثانية، وتعويضا عن الخسائر التي لحقت به واعتبارها أراضي روسية مقتطعة.

ومرت سبل البحث عن التسوية عن حلول لهذه المشكلة المعقدة التي تخيّم على علاقات البلدين في متعرجات كثيرة، واشتدت أو خفت حدتها تبعا لأجواء الساحة السياسة الدولية، والأوضاع في الساحة الداخلية في كلا البلدين واصطفاف القوى المحلية وصراعاتها على السلطة. وأثرت أجواء الحرب الباردة التي سادت في النصف الثاني من القرن العشرين على إمكانات الحل. وانعكست تلك الأجواء سلبا على الخيارات التي توصل لها البلدين في ظل حكم الزعيم السوفييتي الأسبق نيكيتا خروشوف عام 1956 والتي تمحورت على إرجاع جزيرتين من جزر كوريل لليابان تمهيدا للتوقيع على معاهدة السلام بين الدولتين. بيد أن انضمام اليابان للمعسكر الغربي الذي تأسس بعد الحرب بمبادرة رئيس الوزراء البريطاني حينها ونستون تشيرتشل والرئيس الأمريكي هاري ترومان، بدد آمال توصل البلدين إلى التسويات المقبولة. فضلا عن أن اليابان تخلت عن موقفها بإعادة جزيرتين وحسب، وراحت تصر على استعادة الجزر الأربع بأكملها.

وبعد عقود أنعشت عملية البيريسترويكا التي اطلقها الزعيم السوفييتي السابق ميخائيل جورباتشوف في ربيع 1985 ودعوته لإقامة نظام عالمي جديد، آمال طوكيو في تخفيف حدة موقف الروس من إعادة جزر الكوريل إليها، ولكن سرعان ما خيبت آمالها مواقف المتشددين في الكرملين ومؤسسات القوة من الحرس القديم. وتزمنا مع الانهيار الشامل وضعف روسيا دوليا وسريان ميول الاحتجاجات الشعبية على نتائج الإصلاحات الداخلية، بدت مسألة التنازل الروسي لليابان عن الجزر، كمسألة تمس الكرامة الوطنية. ولم تصغ السلطات لدعوة الكاتب والمفكر الروسي الحائز على جائزة نوبل الكسندر سولجينيسين بإعادة الأراضي المختلف عليها لليابان مقابل الحصول على أموال واستثمارات كبيرة. ولكن للساسة حساباتهم التي قد تكون بعيدة عن البراجماتية.

وتشهد الفترة الأخيرة حراكا سياسيا واقتصاديا متواصلا بين طوكيو وموسكو على مختلف المستويات. ورغم شحن كبار المسؤولين في البلدين خطبهم بمفردات عسلية تعبر عن التفاؤل وتلمس طريق الحلول المقبولة، الآن انهم يعودون ويؤكدون في محافل أخرى أن الهوة ما زالت واسعة والطرق وعرة لبلوغ هدف التسوية للتوقيع على اتفاقية السلام المنتظرة. والخيارات المطروحة ما زالت نفسها القائمة. روسيا تدعو إلى تطوير التعاون الاقتصادي وفي المجالات الأخرى من اجل تعزيز الثقة، ومنح امتيازات للجانب الياباني للدخول إلى الجزر وتوظيف الاستثمارات فيها، كما يطفو على السطح أيضا خيار إعادة جزيرتين. اليابان من جانبها تربط إطلاق التعاون على مصراعيه مع روسيا باستعادة الجزر الأربع. ولكن بعض المصادر باتت تتحدث عن أن طوكيو قد توافق على استعادة جزيرتين من الأربع، من دون الإفصاح عن الشروط الأخرى.

وعلى خلفية برودة العلاقات الحادة في العلاقات بين الغرب وروسيا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، تتحرك اليابان احد دول مجموعة «السبعة الكبار» ليس على غرار الأعضاء الأخرين. وقامت في الآونة الأخيرة بتكثيف الاتصالات مع روسيا، حيث التقى رئيس الوزراء شينزو آبي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مايو وسبتمبر ومؤخرا على هامش قمة دول آسيا /‏‏ المحيط الهادي للتعاون في بيرو.

في غضون ذلك تتطلع اليابان باهتمام إلى الزيارة التي قام بها في شهر ديسمبر الحالي الرئيس فلاديمير بوتين لطوكيو والتي أجرى خلالها مباحثات مكثفة مع رئيس وزراء اليابان شينزو آبي. واستبعد مصدر مطلع في وزارة الخارجية الروسية أن تسفر الزيارة عن حدوث انعطاف حاد في العلاقات بين البلدين. وقد تركزت المباحثات في الأغلب حول الاستثمار المشترك لجزر الكوريل. والكلام يدور بهذه الحالة عن الجزر الأربع.

وكان وزير الخارجية الروسية سيرجي لافروف قد أشار بعد التقائه نظيره الياباني فوميو كيتشيدا الذي زار موسكو وحمل رسالة للرئيس بوتين من رئيس وزراء اليابان: انه ليس من السهل تجاوز الهوة في مواقف البلدين. موضحا انه «من الصعوبة تقريب مواقف الطرفين المبدئية». وحسب تقييمه فمشكلة عائدية الجزر معقدة وجرى النظر فيها خلال المباحثات بين البلدين. ولكن الطرفين يبديان الاستعداد للتقدم في حل القضايا ذات الطبيعية العملية، لتطوير التعاون بين الدولتين، ومواصلة السير على سبيل تطوير التعاون في كافة المجالات من دون استثناء، وتنسيق الخطوات السياسية وقد كانت زيارة بوتين لليابان خطوة مهمة في هذا المجال.

ومع ذلك فإنه من غير الممكن تجاهل أن ما عكر الأجواء في الفترة الأخيرة كان قرار روسيا بنشر أنظمة صاروخية للدفاعات الجوية في جزر الكوريل. وقد عبر رئيس وزراء اليابان عن أسفه لخطوة موسكو التي جاءت قبيل زيارة بوتين لطوكيو. وقال: إن «هذه الجزر جزء لا يتجزأ من أراضينا. وأبلغنا عبر القنوات الدبلوماسية: أن هذا القرار مؤسف ولا يتناسب مع مواقف بلدينا» ومع ذلك قام بوتين بزيارته وبدأ بالفعل خطوة على طريق بناء تعاون ملموس مع اليابان يمكن أن يقود إلى تفاهم حول مستقبل جزر الكوريل لصالح البلدين في النهاية.