الملف السياسي

استكمال المنظومة الديمقراطية ..ودعم خطط التنمية

26 ديسمبر 2016
26 ديسمبر 2016

د.أحمد سيد أحمد  -

التجربة التنموية والحضارية والسياسية العمانية تسير في هدوء وتقدم من عام لأخر بعيدا عن أي صخب أو ضجيج، ولذلك شكلت انتخابات المجالس البلدية لبنة جديدة في بناء التقدم والنهوض العماني.

هذه الانتخابات البلدية في المحافظات شهدت تنافسا بين 731 مرشحا منهم 708 من الرجال و23 من النساء على 202 مقعد، وجرت وسط أجواء إيجابية تعكس التجربة الديمقراطية الحضارية العمانية وارتفاع مستوى الوعى السياسي لدى المواطن، ووسط تنافس محمود بين المرشحين بعيدا عن أجواء الصخب والتنافس أو الصراع. ويمكن القول ان انتخابات المجالس البلدية العمانية للفترة الثانية (2017-2020) تحمل العديد من الدلالات والتداعيات المهمة :

أولا: عكست تجربة المجالس البلدية فلسفة الدولة العمانية في جعل المواطن الهدف من التنمية وهو أداتها في ذات الوقت، والعمل على تدعيم المشاركة المجتمعية وتعظيم دور المواطن في عملية التنمية وفي كل مجالات العمل العام، وأن تكون التنمية عاكسة لرغبات وتطلعات وطموحات المواطنين وترجمة لمطالبهم واحتياجاتهم اليومية، ومن هنا فإن المجالس البلدية تعد أهم صيغة في العملية السياسية والديمقراطية، فهي تمثل قنوات الاتصال المباشر بين السياسات العامة واتخاذ القرارات وبين حاجات المواطن وقضاياها على أرض الواقع بحيث تكون السياسات انعكاسا مباشرا لهذه الحاجات، وفي الوقت الذي يرسم فيه مجلس عمان، الذي يضم مجلسي الدولة والشورى، السياسات العامة الاقتصادية والتنموية فإن المجالس البلدية تقوم بدور تكاملي وتناغمي معه في نقل متطلبات المواطن والمناطق المختلفة، والتي تختلف من منطقة لأخرى، بما يستهدف الارتقاء بمستوى معيشة المواطنين وتلبية حاجتهم.

ثانيا: تضيف المجلس البلدية لبنة جديدة في صرح التجربة الديمقراطية العمانية والتي تتسم بخصوصية تميزها عن الدول الأخرى، حيث ترتكز على التدرج وأن تتواءم الديمقراطية مع الخصوصية الثقافية والاجتماعية العمانية، وأن الديمقراطية ليست غاية في ذاتها بل هي وسيلة لتنظيم وتحسين حياة الناس بعيدا عن صراع المنافسات الانتخابية التي تشهدها الدول الأخرى ويسقط فيها الكثير من الضحايا من القتلى والمصابين أحيانا، بينما تقوم الديمقراطية العمانية في أجواء حضارية وتنافسية تعكس نضج الإنسان العماني، وسعي القيادة العمانية إلى ترسيخ قيم المشاركة والتنافس الحميم من أجل مصلحة عمان، ولذلك جرت انتخابات المجالس البلدية وقبلها انتخابات مجلس الشورى العام الماضي في أجواء إيجابية شكلت نموذجا ملهما لكثير من دول العالم.

ثالثا: أن المسار السياسي وترسيخ الديمقراطية السياسية سواء في مجلس عمان أو المجالس البلدية لا ينفصل عن المسار الاقتصادي والتنموي، فكلاهما متلازمان ومتكاملان في إطار تحقيق إستراتيجية 2020 واستراتيجية 2040، وخطط التنمية الخمسية التي شكلت نقلة نوعية في إطار تحقيق التنويع الاقتصادي والحد من الاعتماد على النفط والغاز كمصدر وحيد للدخل القومي، ولذلك فإن مجلس عمان والمجالس البلدية تمارس دورا فاعلا في تدعيم وتسريع وتنفيذ خطط التنمية المتتالية، من خلال المساعدة في رسم السياسات وتحديد الأولويات وعرض الفرص الاستثمارية والتنموية المختلفة في كل أنحاء السلطنة. وبالفعل شكلت التجربة التنموية العمانية نموذجا رائدا في تحقيق التنمية المستدامة والتنويع الاقتصادي وتحقيق التنمية البشرية وعلى مستوى التعليم والخدمات الأساسية وكلها أمور ملموسة تعكسها لغة الأرقام في مختلف المجالات، ولذلك فإن المجالس البلدية شكلت استحقاقا تنمويا في إطار تكامل وتزامن المسارات من أجل تحقيق النهضة العمانية.

رابعا: شهدت الفترة الثانية لانتخابات المجالس البلدية العمانية، والتي بدأت فترتها الأولى عام 2012، نقلة نوعية مهمة سواء على صعيد التنظيم وإدارة العملية الانتخابية والتي اعتمدت بشكل أساسي لأول مرة على التكنولوجيا الحديثة سواء في التصويت أو في إعلان نتائج الانتخابات من خلال الصندوق الإلكتروني الذي يقوم بعملية الفرز الآلي للأصوات، وهو ما أوجد سهولة كبيرة لدى المواطنين في الإدلاء بأصواتهم ومعرفة النتائج، كما تميزت الحملات الدعائية والبرامج الانتخابية بالهدوء والابتعاد عن الصخب والالتزام بقواعد اللجنة الرئيسية للانتخابات، وأصبحت الانتخابات في عمان سواء مجلس الشورى أو المجالس البلدية تجرى وفقا لأحدث النظم الإلكترونية الانتخابية في العالم. كما شهدت إقبال العمانيين المقيمين في دول مجلس التعاون الخليجي وتمت الانتخابات بشكل حضاري وسلس.

لكن رغم ذلك فمن أبرز التحديات ان تكون اختيارات الناخب للمرشحين على أساس الكفاءة والخبرة ومضمون البرنامج الانتخابي الذي يقدمه المرشح، وهو أمر يحتاج إلى مزيد من التوعية ودور أكبر للإعلام والمجتمع المدني في تحفيز المواطنين على اختيار المرشحين على أسس مهنية وعلمية ومستوى الكفاءة وليس على أسس أخرى . وعلى الرغم من المكاسب الكبيرة التي حققتها المرأة العمانية في السنوات الأخيرة وأنها أصبحت ركيزة أساسية في المجتمع العماني وتلعب دورا فاعلا في عملية التنمية والمشاركة السياسية، وتحظى بدعم كبيرة من القيادة العمانية التي تتخذ كل السياسات التي تساعد على تمكين المرأة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. فإن عدد المرشحات في انتخابات الفترة الثانية للمجالس البلدية كان 23 مرشحة فقط ولذا فانه من المهم العمل على زيادة الوعى لدى المواطنين بأهمية دور المجالس البلدية في التنمية، ومعرفة صلاحياتها وإسهاماتها المجتمعية وتحفيز المواطنين على المشاركة الإيجابية سواء في الترشح أو الانتخابات وفي رشادة الاختيار لأن المجلس البلدية تختص فيما يتعلق بكل تفاصيل الحياة اليومية للمواطن من قضايا ومشكلات تمس واقعه المعيشي المباشر.

خامسا: في الوقت الذي تعيش فيه أغلب دول المنطقة العربية حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني وكثير من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، فإن سلطنة عمان تشكل نموذجا ملهما ورائدا حيث تسير فيها خطط التنمية والتجربة الديمقراطية بثبات واستمرارية وتراكمية تستهدف كل عام إنجازات كبيرة على مختلف المستويات.

فاقتصاديا حققت عمان طفرة كبيرة في طريق التنمية الشاملة وجذب الاستثمارات الأجنبية وإنشاء العديد من المشروعات القومية الكبيرة في الدقم وصلالة وصحار وغيرها، وشهدت نقلة نوعية على صعيد الخدمات الصحية وعلى مستوى التعليم وتأهيل المواطن العماني لدخول سوق العمل. وسياسيا شكلت تجربة مجلس الشورى والانتخابات البلدية نموذجا مهما في توظيف وجعل الديمقراطية التمثيلية أداة لخدمة المجتمع وتحسين حياة المواطن وجعله محور التفاعلات السياسية والاقتصادية، وليست أداة صراع وخصام كما يحدث في الكثير من الدول الأخرى.

وبالطبع لم تكن لتتحقق تلك الإنجازات الاقتصادية والسياسية إلا في إطار شامل يرتكز على ثلاثة أمور: أولها حكمة القيادة العمانية ورغبتها وقيادتها لعملية الإصلاح والتنمية في إطار أهداف محددة للارتقاء بالمواطن العماني وبالدولة العمانية ووضع عمان في مركز متميز على الخريطة الاقتصادية والتنموية العالمية، ولذلك ترجمت هذه الإرادة في المراسيم المختلفة سواء بإنشاء مجلس الشورى ومجلس عمان وتوسيع صلاحياته وتفعيل دوره، أو بإنشاء المجالس البلدية في المحافظات، وأن تجرى تلك الانتخابات بكل شفافية ونزاهة ووفقا لأحدث المعايير العلمية والتكنولوجية. وثانيها حالة الاستقرار السياسي والاجتماعي التي تعيشها عمان وجعلتها جاذبة للسياحة والاستثمارات وتوفير المناخ المواتي للتنمية والتقدم، وثالثها، السياسة الخارجية العمانية التي تقوم على الاعتدال والوسطية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام مبادئ القانون الدولي والوساطة الفاعلة في تسوية الأزمات والصراعات وهو ما جعلها تحظى بالمصداقية والقبول من كل دول العالم.

ويمكن القول ان التجربة التنموية والحضارية والسياسية العمانية تسير في هدوء وتقدم من عام لأخر بعيدا عن أي صخب أو ضجيج، ولذلك شكلت انتخابات المجالس البلدية لبنة جديدة في بناء التقدم والنهوض العماني.