867252
867252
إشراقات

الجمـال.. في المفهوم الإسلامي تصـورات تنطلـق من وحـي الكتــاب العزيز.. وهدي النبي الكريم

16 ديسمبر 2016
16 ديسمبر 2016

مفهوم فطري .. محاط بسياج الأدب الرفيع -

د. ناصر بن علي الندابي -

الجمال كلمة تهواها النفوس وتعشقها القلوب، الجمال مفهوم يهيم فيه البشر وينشده الكل، الجمال بكل مفاهيمه ومعانيه جبلت الفطرة البشرية السوية على السعي من أجل الحصول عليه والتمذهب بمذهبه.

وما أكثر ما ظلم الجمال في الحضارات السابقة عبر الأزمان والعصور مع اختلاف المفاهيم بين جاحد متزمت وصاحب هوى مسرف، وما أكثر ما تغنى به الشعراء ومدحه الأدباء ووصفه الخطباء، ولكن لم يصل إلى كنهه وإلى جوهره ووازن في مفهومه سوى رب الجمال وخالقه.

ولذلك فخالق البشر أعلم بما يحبه خلقه؛ فهو بهم أعلم وبنفوسهم أخبر؛ لذا فقد أقر الدين الإسلامي الحنيف ما تتطلبه هذه النفس البشرية من سرور وفرح وبهجة ومرح وأشواق وجمال، وأحاط كل ذلك بسياج من الأدب الإسلامي الرفيع؛ لتبلغ النفس البشرية حظها الوافر من الجمال بعيدًا عن الخنا والحرام والظلم والعدوان والغل.

ولقد أورد رب العزة والجلال في كتابه الكريم بعضًا من صور الجمال فيما خلق من كائنات وساغها سبحانه وتعالى في قالب من الكلام الرباني تجعل النفس تتناغم مع ذلكم الوصف، وتنتشي حب الجمال وتذوق حلاوته وتعيش معه واقعًا ملموسًا، من ذلك وصفه تعالى لخلق النباتات والحدائق المبهجة؛ فقال عز من قائل عليما: «أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ»، وقوله سبحانه وتعالى: «انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»، وقال تعالى: «وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ»، وذكر سبحانه الجمال في خلق الحيوان فقال: «وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ».

وذكر كذلك الجمال في أبهى صوره وأجمل رونقه حين ذكر السماء وزينتها والأرض وجمالها فقال سبحانه وتعالى:«وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ»، وقال: «أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ، وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ».

ولكي يتسق هذا الجمال الرباني في المخلوقات التي سخرها رب الكون للبشر فقد أمر عباده بأن يحبوا الجمال ويعملوا من أجله وأن ينشدوه، بل وخصص ذلك بأن يكون المسلم حريصا عليه حين يمثل بين يديه في أسمى عبادة وأعظمها فقال سبحانه وتعالى: «يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ».

وحين نتصفح سيرة نبينا الجميل وحبيبنا الوحيد بعد الواحد الأحد نجد أنه مثال في الجمال وآية في الحفاظ عليه؛ فقد روي عنه صلاة ربي وسلامه عليه قوله: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال له رجل: إنه يعجبني أن يكون ثوبي حسنا ونعلي حسنة؟، قال رسول الهدى: «إن الله جميل يحب الجمال ولكن الكبر من بَطَرَ الحق وغَمَصَ الناس».

وأضفى الإسلام على كل شيءٍ صبغة الجمال حتى الابتلاء الذي يظن الإنسان أن فيه إيذاء ومشقة للنفس البشرية، فقد جعله جميلا؛ إذ قال سبحانه وتعالى: «فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا» وقال: «وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا»، وقال:«فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ»، فتعلم السلف الصالح من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم في المدرسة المحمدية كيف يكون الصبر جميلا وكيف يكون الصفح جميلا بل وكيف يكون الهجر جميلا.

فالمسلم بفطرته السليمة وحسه المرهف عنده حب وميول إلى الجمال يفوق أي شخص آخر، فما المانع من أن يجعل حياته كلها جمالا وسعادة، فالإسلام لا يوجد فيه عبوس ولا كآبة ولا ترى فيه سوداوية، المؤمن مرح بل نبينا صلى الله عليه وسلم كان يمزح ولا يقول إلا حقا، كان إذا دخل بيته دخله بسّاما ضحاكا يؤنس أهله ويعينهم على الخير وعلى شؤون الحياة، تقول له زوجته السيدة عائشة يوما: كيف حبك لي؟ فيقول عليه السلام هو كعقدة الحبل، فتقول له من حين لآخر: كيف القعدة؟ يقول: لها على حالها.

خلاصة ما أريد أن أصل به القارئ الكريم في مقالي هذا هو أن الإسلام نظيف يسعى إلى النظافة ويدعو إليها في كل شيء، فيا أيها المسلم كن نظيفا في حياتك، يؤلمني كثيرا عندما أجد بلدة مسلمة أطهر مكان فيها وسخا، فتجد بيوت الله مليئة بالتراب، خالية من أبسط أنوع النظافة والنظام، فإذا كان هذا حال مساجدها فما عسى أن تكون منازلها وبيوتها حتما ستكون أسوأ.

كيف تريدون للإنسان الكافر بدين الله أن يتبع دينا أصحابه لا يهتمون بنظافتهم ولا يولون بدور عبادتهم اهتماما، بل كيف تريد أن يعيش المجتمع المسلم قوي البنيان جسديا وعقليا وأهله لا يعرفون النظافة ولا يؤمنون بها.

وما ذكرته آنفا هو جانب من جوانب النظافة المهم، ولكنه ليس الوحيد فالتمسك بالأخلاق الحميدة مع الآخرين هو جمال في الأخلاق والصفات، تبسمك في وجه أخيك هو نوع من الجمال، تفكرك في خلق الله وإعجابك بها هو جمال وذكر لله وتسبيح له، علاقتك مع أهلك وإدخالك السرور إليهم هو نوع من الجمال الإسلامي، حفاظك على مواعيدك بصورة دقيقة هو من أنواع الجمال الذي يتصف به ديننا الحنيف. إن محاولات نشر فكرة أن هناك صراعًا بين الدين والجمال هي في الحقيقة مؤامرة ودسائس لإظهار دين الله بأنه يعادي الجمال ويعادي النظافة وما درى هؤلاء أنه دين النظافة ودين النظام ودين الجمال ودين الفرح والمرح والسعادة ودين أوله طمأنينة وراحة بال وآخره جنة ذات أنهار وثمار. وختام هذا الجمال وآخر مكان يحط رحاله فيه كأعظم جزاء لذلك الذي آمن به وطبقه وسار على نهج حبيبه المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه هو جنة الله عز وجل تلك الجنة التي يتجسد فيها الجمال بأروع حلله بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فهي نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطّرد وفاكهة جميلة وحور عين وحلل كثيرة في دور عالية بهيّة بهيجة؛ قال سبحانه جل في علاه: «مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا، وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا، وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا، قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا، وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا، عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا، وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا، وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا، عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا، إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا.(الإنسان).