إشراقات

ميلاد المصطفى أنار فجرا جديدا من القيم والصلاح والعدل والمساواة

15 ديسمبر 2016
15 ديسمبر 2016

الاحتفاء بالمناسبة تذكير بما قدمه الرسول وصحابته الكرام من تضحيات -

أجرى اللقاءات: سالم بن حمدان الحسيني -

عبّر عدد من الدعاة والمرشدين عما اختلج في نفوسهم فجادت قرائحهم بكلمات معبرة عما تحمله ذكرى ميلاد المصطفى الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم من معان سامية ورسائل تحمل النور والهدى للبشرية جمعاء حيث تركز الحديث عن السيرة العطرة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ووجوب التخلق بخلقه العظيم والتمسك بفضائله العظيمة وتمثل تضحياته وصبره في سبيل نشر هذا الدين القويم وتبليغ رسالته الداعية إلى السلم والسلام للخلق أجمعين.. حيث تحدث يحيى بن مسعود الراشدي – الواعظ بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية فقال: إن الاحتفالات بالمناسبات الدينية كميلاد المصطفى والهجرة والإسراء هي تذكير بسيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليعلم الناشئة ما قدمه الرسول وصحابته الكرام من تضحيات، كما أن أمثال هذه المناسبات مدعاة لأن يجعلها الإنسان محطة محاسبة للنفس لينظر ماذا قدم لحياته في عامه المنصر ليعيش عامه الجديد بميلاد همة ونشاط وعزيمة ساعيا لرفعة نفسه وبلده.

التحلي بالفضائل

وأضاف: إن المسلم عندما يتذكر أن ميلاد النبي غير مجرى التاريخ وانه -صلى الله عليه وسلم- استطاع تغيير العالم؛ فهذا يبعث في نفس المرء العزيمة والأمل على السعي قدما للإصلاح وللسعي لرفعة وطنه وبلده جاعلا من شخص النبي صلى الله عليه وسلم قدوة له متناسيا كل العقبات والصعاب.

وأوضح: إن الرسائل التي جاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- من أجلها بعد توحيد الله عز وجل هي بث الأخلاق الفاضلة ومحاربة الأخلاق الذميمة فكانت بعثته صلى الله عليه وسلم إتمامًا للنقص في جانب الأخلاق فقد جاء في الحديث عنه عليه افضل الصلاة والتسليم انه قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وهذا دليل واضح على أهمية الأخلاق في الإسلام، فعلى الإنسان أن يجاهد نفسه للتمسك بالأخلاق الفاضلة واجتناب الأخلاق الذميمة، فالتخلي قبل التحلي أي على المسلم أن يتخلى عن الذمائم أولاً، ثم يتحلى بالفضائل.

وأشار إلى أن من أعظم الأسس والأسباب والعوامل التي ضمنت للمسلمين الأوائل التقدم هو حرصهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ).. فنحن خير أمة ما دمنا آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر وإلا فإننا سنفقد هذه الخيرية، وكما هو معروف لا يتأتى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالعلم وأعلاه العلم الشرعي وأوله بعد العلم بالله تعلم القرآن الكريم فقد قال صلى الله عليه وسلم: «علموا أولادكم القرآن فانه أول ما ينبغي أن يتعلم من علم الله هو» فعلى الأمة ان تهتم بالعلوم عامة والعلم الشرعي خاصة وان تكون أمة آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر، أمة متناصحة حتى ترتفع وترتقي فوق الأمم.

رسائل عديدة

أما الشيخ سالم بن سعيد النعماني فقال: تمثل ذكرى ميلاد النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- مرحلة فاصلة في تاريخ العالم اجمع، ومحطة تحول في مسار التاريخ الإنساني فهناك الكثير من المعاني والعبر يستشعرها المؤمن وهو يعيش هذه الذكرى التي تعد مرحلة فاصلة بين الحق والباطل وبين الضلالة والهدى وبين الخير والشر، ذلك أن الله سبحانه وتعالى ارسل الرسل وانزل الكتب ليقيم الحجة على عباد الله سبحانه وتعالى حينما يقول: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)، وقال سبحانه: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)، حيث الناس كما قال سبحانه: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)، فكانت تلك نقطة تحول من حال إلى حال، عاشها الناس قبل وبعد بعثته صلى الله عليه وسلم، ومن هنا يجدر بالمسلمين أن يشكروا الله سبحانه على هذه النعمة وذلك من خلال الاستمساك بالدين الحنيف والدعوة إليه والدفاع عنه، والاعتزاز به.

وأوضح أن هناك عدة رسائل صاحبت بعثته صلى الله عليه وسلم أولها الرحمة بكل ما كان آيةً ودليلاً على وجود الله (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) فيكون الإنسان رحيما بنفسه أولا، ورحيما بأبويه وبأهله وأولاده وجيرانه وبالناس أجمعين، بغض النظر عن مشاربهم ومعتقداتهم فالراحمون يرحمهم الله، بل حتى الدواب والنبات تصلها رحمة الله تعالى من خلال عباده والله سبحانه وتعالى هو السلام فارسل رسوله بالسلام ودعا الناس إلى إفشاء السلام ورده وجعله من أوثق وسائل المحبة بين الناس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَ لَا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» وكذلك الأخوة (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) والمسلم اخو المسلم، وثانيا التعاون (وتعاونوا على البر والتقوى) والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، ونبذ كل ما يؤدي إلى الشقاق (ولا تنازعوا فتفشلوا) ورابعا ميزان التفاضل هو التقوى (لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود، إن أكرمكم عند الله اتقاكم)، واختتم النعماني بالقول: إن غرس القيم المحمدية في الناشئة تكون بمحاسبة الأنفس والشعور بالخطأ لأجل التصحيح ويكون ذلك القدوة فالقدوة قبل الدعوة، كذلك يكون بتسهيل الخطاب الديني الذي يفهمه عامة الناس.

عهد جديد

من جانبه أشار د. جميل بن خلفان الغافري المحاضر بكلية العلوم الشرعية إلى أن بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم أذن الله سبحانه بفجر جديد من القيم والصلاح والعدل والخير عم المجتمع وسعدت به البشرية، ولذا التف أصحاب هذه القلوب حول الرسول -صلى الله عليه وسلم- بمجرد وصول خبر نبوته إليهم فكانت بداية التحول في تاريخ الإنسانية، فالانتماء للأفضل طبع العقلاء وقد سارع أهل عمان للدخول في الإسلام بل حرصوا على أن يكونوا من قادة التغيير وأهله فقد كان لأهل عمان من التميز والفخر والاعتزاز ما لم يدانيه احد إلى قيام الساعة ولذا توجوا بتاج الأخلاق وقلدوا وسام القيم على أيدي سيد الأولين والآخرين وخاتم النبيين والمرسلين، على مرأى ومسمع من الصحابة الكرام خير القرون، ولذا قد حفظ الصحابة هذا الثناء وهذه المكانة لأهل عمان، ولا أدل على ذلك من خطبة خليفة رسول الله أبو بكر الصديق رضي الله عنه في وفد أهل عمان عندما قدموا لمبايعته وإرجاع أمانة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان على رأسهم عبد بن الجلندى أحد ملكي عمان ‏وجعفر بن جشم العتكي وأبو صفرة سارق بن ظالم وعندما قدموا على مجلس أبي بكر ‏الصديق قام سارق بن ظالم وقال: يا خليفة رسول الله ويا معشر قريش هذه أمانة كانت ‏في أيدينا وفي ذمتنا ووديعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد برئنا إليكم منها، ‏وخاطبهم الصديق في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة حضور قائلاً: معاشر أهل عمان إنكم أسلمتم طوعاً لم يطأ رسول الله ساحتكم ‏بخف ولا حافر ولم تعصوه كما عصاه غيركم من العرب، ولم ترموا بفرقة ولا تشتت ‏شمل، فجمع الله على الخير شملكم ثم بعث إليكم عمرو بن العاص بلا جيش ولا سلاح ‏فأجبتموه إذ دعاكم على بعد داركم وأطعتموه إذ أمركم على كثرة عددكم وعدتكم فأي ‏فضل أبر من فضلكم وأي فعل أشرف من فعلكم كفاكم قوله عليه السلام شرفاً إلى يوم ‏الميعاد ثم أقام فيكم عمرو ما أقام مكرما ورحل عنكم إذ رحل مسلما وقد من الله عليكم ‏بإسلام عبد وجيفر أبني الجلندى وأعزكم الله بهما وأعزهم بكم ولست أخاف عليكم أن تغلبوا ‏على بلادكم ولا أن ترجعوا عن دينكم، جزاكم الله خيرا.‏

وأوضح أن ذلك تشريف نبوي يحمل في طياته تكليفا لأهل عمان بوجه خاص على التمسك بالقيم والأخلاق ودعوة الناس إليها كافة فهي مجال التقاء جميع الأديان والأجناس لتعيش بسلام ووئام، ولقد ضرب أهل عمان في ذلك الانسجام والتعايش أروع الأمثلة فقد كانوا محط تقدير واحترام من الجميع فهذا إمبراطور الصين في القرن الثالث الهجري يقلد التاجر الشيخ عبد الله بن القاسم البسياني من بلدة بسيا بولاية بهلا، يقلده وسام الإمبراطورية العظمى وسام إمبراطور الأخلاق الحميدة وهكذا يكون الحق مطلبا للقلوب المحبة للحق الساعية إليه.

بين عهدين

كذلك تحدث حسن رشاد حسن - الواعظ بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية فأكد أن ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت مرحلة فاصلة بين عهدين عهد ساد فيه الظلم وأهينت فيه المرأة وتفشت فيه الأنانية والكبر وسفك الدماء لأتفه الأسباب وعهد عاد فيه تكريم الإنسان فالناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح الزكي فيجلس أبو ذر الغفاري بجوار بلال الحبشي حيث طبق الحبيب صلى الله عليه وسلم هذا عمليا فكان أحسن الناس خلقا وأكرمهم وأتقاهم، فعن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت: «ما رأيت أحسن خلقا من الرسول صلي الله عليه وسلم» ولما سئلت السيدة عائشة عن خلقه قالت: «كان خلقه القرآن». وإليكم نماذج من أخلاقه ورحمته التي تريكم الفرق الشاسع والبون الواسع بين عهد الظلمات وعهد العدل والخيرات فكانت المرأة تباع وتشترى بل دفنت وهي حية وتعامل الرجل مع زوجته كالخادمة تؤمر فتطيع فجاء الرحيم صلى الله عليه وسلم فغير المفاهيم وأعاد إليها كرامتها فلننظر كيف كان يتعامل مع أهله، قال صلي الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» فكان يحسن لأهله ويرأف بهم ويتودد إليهم فكان يمازح أهله ويلاطفهم ويداعبهم ينادي عائشة رضي الله عنها «يا عائش- بالترقيق) ويا حميراء ويا ابنة الصديق توددا وتعطفا وكان يعين أهله ويساعدهم في أمورهم ويكون في حاجتهم. ولما سئلت السيدة عائشة ما كان النبي صلي الله عليه وسلم يصنع في بيته قالت: «يكون في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج إلى الصلاة». رواه مسلم، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم» رواه أحمد.

وعن أنس رضي الله عنه قال: خدمت النبي صلي الله عليه وسلم عشر سنين والله ما قال أف قط ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا. وعن عائشة رضي الله عنها قالت ما ضرب رسول الله صلي الله عليه وسلم خادما ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ما خير رسول الله صلي الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه وما انتقم صلى الله عليه وسلم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فتأملوا هذه الرحمة العامة الشاملة خلق الرحمة ولنقف أمامه لنأخذ منه العظة والعبرة فو الله لو طبقناه في حياتنا لسعدنا في الدنيا والآخرة وإذا أخذنا خلق الرحمة وطبقناه لحقنت الدماء واجتمع الشمل والتأم الجرح. فعلينا أن نعتز بهذه القيم التي غرسها فينا سيد البشرية صلى الله عليه وسلم إذا أردنا التقدم والنجاح والفلاح ولنعلم أولادنا خلق الرحمة الجامع الشامل وبهذا الخلق أسس الرسول صلى الله عليه وسلم دولته فتقدمت وارتفعت رايتها في كل أرجاء المعمورة وعمت المحبة والوفاء واندثر الظلم وساد العدل وعم الأمن وظهر الإيثار وهذا ما جاء به المختار وحث عليه وعمل به وفي هذه المناسبة العطرة ندعو الله العلي القدير أن يحقن دماء الأمة ويلم شملها ويشرح صدور شبابها لما فيه الخير والصلاح والرشاد.

أعرق الجامعات

كما عبر عيسى بن سعيد المسعودي – الواعظ بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية عما تمثله هذه الذكرى النبوية الشريفة فقال: تمثل ذكرى ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ميلادا للإنسانية في كرامتها وعزها وشموخها وشممها وكبريائها إنها مدرسة أسعدت البشرية بروحانياتها وسلوكياتها وتعاملاتها وأخلاقياتها جمعت العلم والطهر والتزكية والتربية والتنشئة في رياض الجنان، فأخرجت خير أمة للناس، وقادت الأمم في ربوع البسيطة ففتحوا قلوب الناس قبل أن يفتحوا بلدانهم وقد استطاع صلى الله عليه وسلم أن يربي في مدرسته الأرقمية؛ وأن يتخرج من هذه الجامعة الشامخة عظماء الرجال، وصناديد الدعاة، وأفذاذ الأبطال، الذين حملوا شعلة الإسلام، ومبادئه السمحة في حياتهم، فدانت لهم الجزيرة العربية، وفتحوا البلدان، وأقاموا أكبر إمبراطورية عرفت في زمانها في نصف قرن . فقد كانت الجامعة الأرقمية من أعرق الجامعات في الإسلام، ﻷن المربي والمعلم الأول فيها محمد صلى الله عليه وسلم يتلقون منه تعاليم الدين غضة طرية من فم أطهر خلق الله كلهم فكانت هذه الدار مصنع الرجال الأوائل الأفذاذ، وسادة البشرية الذين حملوا هم الدين على عاتقهم ، فبهم وببركتهم المباركة انتشر الإسلام في أصقاع المعمورة . وكانت الدار الأرقمية من أعظم الدور في التربية والتعليم والتزكية؛ ففي رياض أحضانها التقى المربي الأول بالصفوة المختارة من الرعيل الأول السابقين الأولين تربية وتزكية وتهذيبا وتدريبا على مفهوم الجندية الإسلامية، وعلى السمع والطاعة، وفيها يشحذ القائد الأعلى الملهم أتباعه بالثقة الربانية، والعزيمة الجبارة، والهمة الكبيرة، والإصرار المتواصل .