إشراقات

العوفي: «العوذ بالله» سر نجاح الإنسان في أدواره في الحياة مع تعددها واختلاف ما يحتاج إليه كل عمل

15 ديسمبر 2016
15 ديسمبر 2016

للنبي الكريم محطات مع نفسه عند آيات القرآن -

هدايات الرحمن .. وقفات مع آيات القرآن -

متابعة: سيف بن سالم الفضيلي -

بين الشيخ إسماعيل بن ناصر العوفي في حلقة دروس «هدايات الرحمن.. وقفات مع آيات القرآن» التي يقدمها كل أربعاء بجامع الإمام السالمي بالخوير أن في مخاطبة الرسول الكريم وعوذه بالله من شر الوسواس قد تكون دالة على أن سر نجاح الإنسان في أدواره في الحياة مع تعددها واختلاف ما يحتاج إليه كل عمل هو العوذ بالله، فقد كان النبي الكريم حاكمًا ناجحًا، وقائدًا عسكريًا ناجحًا، وزوجًا ناجحًا، وأخا لأتباعه ورحمة للعالمين، أحبه أهل الإيمان والناس جميعا، فكأن هذه السورة الشريفة وقعت جوابا لسؤال يخطر في ذهن كل متأمل في الحياة النبوية الشريفة، وهو: ما سر نجاح النبي الكريم؟.. وإلى ما جاء في الدرس.

للنبي الكريم محطات مع نفسه عند آيات القرآن: وقد كان النبي الكريم له وقفات مع نفسه عندما يقوم من نومه مباشرة، فيمسح النوم عن وجهه بيده الشريفة، ثم يقرأ خواتيم آل عمران (إِنَ فِي خَلْقِ السَمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَيْلِ وَالنَهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، الَذِينَ يَذْكُرُونَ اللَهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَرُونَ فِي خَلْقِ السَمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَارِ، رَبَنَا إِنَكَ مَنْ تُدْخِلِ النَارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ، رَبَنَا إِنَنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِكُمْ فَآَمَنَا رَبَنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِرْ عَنَا سَيِئَاتِنَا وَتَوَفَنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُهُمْ أَنِي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِرَنَ عَنْهُمْ سَيِئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَهُمْ جَنَاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَهِ وَاللَهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَوَابِ، لَا يَغُرَنَكَ تَقَلُبُ الَذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ، لَكِنِ الَذِينَ اتَقَوْا رَبَهُمْ لَهُمْ جَنَاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَهِ وَمَا عِنْدَ اللَهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ، وَإِنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِهِمْ إِنَ اللَهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ، يَا أَيُهَا الَذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَقُوا اللَهَ لَعَلَكُمْ تُفْلِحُونَ) آل عمران: ١٩٠ - ٢٠٠، لقد كان النبي الكريم يرحل رحلة روحية مع هذه الآيات الكريمة في ملكوت الله؛ فيذكر خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار منبها المؤمنين أن يستحضروا عند القيام من نومهم أن الذي أقدرهم على القيام من نومهم هو الذي خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار، ولو شاء الله لجعل النائم على حاله، ولم يرد إليه روحه (اللَهُ يَتَوَفَى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًى إِنَ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَرُونَ) الزمر: ٤٢، وحسب الإنسان هذه النعمة فكيف بغيرها من النعم، وقد قلت: (بِسْمِ اللَهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ) كفيلة بتربية النفس البشرية على الاستقامة (لمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) ق: ٣٧، نعم، لـــمــن كان له قلب واع وكان مصغيا وهو حاضر الذهن.

الآية (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِ النَاسِ): (قُلْ) دلالة خطاب النبي الكريم بالعوذ بالله من الوسواس: هذا الخطاب للنبي الكريم، وفي ذلك إشارة إلى أن النبي الكريم مع جلالة قدره وعظيم قربه من الله يحتاج إلى العوذ بالله واللجوء إليه والاعتصام به، فكيف بغيره من العالمين.

أساليب الوسواس في محاربة الأنبياء

فالأنبياء عليهم السلام يتعرض لهم الشيطان بالوسوسة، والمعنى أن الشيطان يدعو كل أحد إلى حزبه حتى الأنبياء (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍ إِلَا إِذَا تَمَنَى أَلْقَى الشَيْطَانُ فِي أُمْنِيَتِهِ فَيَنْسَخُ اللَهُ مَا يُلْقِي الشَيْطَانُ ثُمَ يُحْكِمُ اللَهُ آَيَاتِهِ وَاللَهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) الحج: ٥٢، وقد تكون عداوة الشياطين للأنبياء بإلقاء الوسوسة في صدور المدعوين، فيقوم بعضهم على الأنبياء ويعادونهم ويقفون في طريقهم، وقد يكون ذلك بإلقاء الوسوسة في قلوب الأتباع، فيكون أحدهم من خواص أتباع النبي، فيوسوس له الشيطان، فيتحول إلى عدو لدود، ولنا في قارون عبرة، فقد (كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ) القصص: ٧٦، فالأنبياء يتمنون صلاح أممهم، والشيطان يوسوس لأفراد أمم الأنبياء بعكس مراد الأنبياء.

الإنسان لا يعجبنه صلاحه وتقواه

والإنسان لا يعجبنه صلاحه وتقواه، فقد جعل الله لنا عبرة في قصة آدم عليه السلام التي تكرر ذكرها في القرآن، فتلك القصة تدل على خطورة الشيطان، وعظيم كيده ومكره وتطور شبكة التواصل والاتصال عنده؛ فإبليس حسد آدم، ولم يستجب لأمر الله بالسجود لآدم زاعما أنه خير من آدم؛ لأنه مخلوق من نار، وآدم مخلوق من طين، فتوعد إبليس بإغواء النبي آدم وذريته والكيد لهم بكل وسيلة، وجعلهم غير شاكرين، فأهبط الله آدم من الجنة بسبب وسوسة الشيطان، وقد حذر الله آدم من إخراج إبليس له من الجنة التي خلق الله فيها لآدم نعما لا تحصى، ولا تحد ولا تستقصى، (إِنَ لَكَ أَلَا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى، وَأَنَكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى) طه: ١١٨ – ١١٩، فكل شيء في الجنة كان مباحا لآدم وزوجه إلا شجرة واحدة (وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَالِمِينَ) البقرة: ٣٥، فآلاف الأشياء مباحات لآدم وزوجه، وقد يكون الـمـباح أكثر من ذلك بكثير، والمحرم شيء واحد فقط، وهو الشجرة التي نهيا عن الاقتراب منها، والعجب العجاب أن إبليس كان خارج الجنة مطرودا منها، فطرده منها كان قبل قول الله لهما: (وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَالِمِينَ) البقرة: ٣٥، ومع ذلك استطاع الشيطان أن يوسوس لهما، ويجعلهما يأكلان من الشجرة، ويتركان تلك المباحات كلها التي أباحها الله لهما، وهذا يدل دلالة واضحة على خطورة هذا العدو وهو الشيطان، وأن له أساليب ووسائل لـجر الإنسان إلى المخالفة، وأن عنده وسائل تواصل واتصال من القوة بمكان؛ فقد جر آدم إلى النسيان، وجعله يأكل من الشجرة المحرمة مع عظيم مقامه في الإيمان، وثبوت قدمه في مقام الإحسان، وإباحة أشياء كثيرة له في الجنة، فكيف يتعامل الشيطان مع غير آدم من المخلوقين، ولكن الله جعل سبيلا للتخلص من شر وسوسته وكيده، سبيلا لا يستطيع الشيطان مقاومته، ولا اختراقه، تبينه لنا هذه السورة الكريمة سورة (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِ النَاسِ) الناس: ١، فمخاطبة الرسول الكريم بعوذه بالله من شر الوسواس يدل على خطورته، فالنبي في حاجة إلى العوذ بالله منه فكيف بغيره من العالمين!.