أفكار وآراء

مسلمو أمريكا.. المآلات والتحديات

11 ديسمبر 2016
11 ديسمبر 2016

إميل أمين -

كاتب مصري -

[email protected] -

يلزمنا بداية الإشارة إلى أهمية توضيح تصنيف المسلمين في الداخل الأمريكي، ويبلغ عددهم بحسب آخر إحصاء لمركز بيو في أواخر العام الجاري نحو 3.3 مليون نسمة بينهم مسلمون من أصول إفريقية أمريكية والغالبية من باكستان والهند، والبقية من دول الشرق الأوسط والعالم العربي، ما يعني أنهم من فروع عرقية مختلفة.

خلال حملته الانتخابية تحدث دونالد ترامب بقسوة بالغة عن تعاطي مع المسلمين إذا وصل إلى المقعد الرئاسي، ومنعهم من دخول البلاد، غير أن مستشاريه تحدثوا لاحقا بالقول إن تصريحات ترامب تمت إساءة فهمها، فالرجل لم يكن يتحدث عن عموم المسلمين حول العالم، لكنه كان يقصد تحديدا كل الفئات التي ترتبط بالعنف المسلح، لاسيما الجماعات الجهادية والقاعدية، وكل من يثبت أن له صلة بتنظيم «داعش» في امريكا.

على أن السؤال الجوهري هل يمكن أن يكون مصير المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية اليوم قريبا أو شبيه بمصير اليابانيين الأمريكيين في زمن الحرب العالمية الثانية؟

السؤال ومن أسف شديد يعيد التذكير بإشكالية التخوين التي تعرض لها الأمريكيون من أصل ياباني غداة قصف اليابان ميناء «بيرل هاربور» عام 1941 عندما تم احتجازهم في معسكرات غير آدمية، تشبه المعازل الصحية، واعتبار كل ياباني مشروعا إرهابيا، وهو ما ذهب إليه عدد من غلاة اليمين الأصولي في أمريكا في العقد ونصف المنصرمين سيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ومن أسف فإن أحد أشد هؤلاء تعصبا «فرانك جافني» يعد مصدر معلومات دونالد ترامب عن الإسلام والمسلمين في أمريكا... ماذا عن ذلك؟

مصدر معلومات ترامب بحسب الـ CNN هو فرانك جافني، مؤسس مركز أبحاث هامشي يدعي «مركز السياسة الأمنية»، وسبق له العمل لأربع سنوات في وزارة الدفاع الأمريكية بحقبة الرئيس الأسبق، رونالد ريجان، ويصفه اليوم مركز «ساوند بوفرتي» المعني بمراقبة الدعوات والنزعات العرقية المتشددة بأنه أحد أعتى دعاة الإسلاموفوبيا بأمريكا.

هل لمسلمي أمريكا أن يقلقوا من ترامب أم من جافني؟

تعلمنا كلاسيكيات السياسة العالمية أن الذي يوسوس في إذن الملك عادة ما يكون أخطر من الملك، بل ويشكل عادة اتجاهاته الفكرية والذهنية، والخوف عند مسلمي أمريكا طبيعي ومقبول عقلا وعدلا، فقد اشتهر جافني بين أوساط القوى اليمينية الأمريكية خلال السنوات الماضية بتعصبه المقيت، وشارك في تأليف كتاب يحذر فيه من وصفه بـ «تسلل الشريعة» إلى أمريكا والغرب مع ترويج «نظريات مؤامرة» معادية للإسلام. وقد قام المركز الذي يديره جافني بنشر الدراسة المزعومة حول ميول المسلمين في أمريكا، والتي جاء فيها أن 51% من المسلمين بأمريكا يعتقدون بأن من حقهم المطالبة بتطبيق أحكام الشريعة عليهم، وأن ربعهم يؤيد استخدام العنف ضد أمريكا في سياق الجهاد العالمي.

يتساءل البعض اليوم في الداخل الأمريكي :» هل ترامب المرشح للرئاسة سيكون هو ترامب عينه الرئيس أم أن الأوضاع ستختلف بصورة أو بأخرى، باختلاف الواقع الذي تفرضه عملية المنافسة الانتخابية والمآل الذي يتمثل في مقعد الرئيس؟

بعض الأحداث جرت بها المقادير في الأيام القليلة المنصرمة سببت حالة من الارتباك للمتابعين والمشاهدين للمشهد، فقد أزال فريق الرئيس المنتخب، تصريحا له على موقعه يدعو إلى منع كل المسلمين من دخول الولايات المتحدة، وذلك في نفس الليلة التي انتخب فيها الملايين عملاق العقارات الذي صار سياسيا، بحسب صحيفة الإندبندنت البريطانية، كما اختفت أيضا قائمة بالمرشحين المحتملين لمنصب قاض بالمحكمة العليا في حالة فوز ترامب وتفاصيل معينة عن خططه لإصلاح الاقتصاد والدفاع.

هنا بدأ البعض يشعر بنوع ما من الأمل في أن تكون الأمور ماضية في سياق التصحيح، غير أن الأمل في واقع الأمر كان زائفا، والسبب هو أن حملة ترامب أعادت رابط منع دخول المسلمين إلى أمريكا، وقال «ستيفين تشيونغ» المتحدث باسم ترامب في رسالة بالبريد الإلكتروني :» كان الموقع يعيد توجيه كل الصفحات التي تحمل بيانات صحفية خاصة بموضوعات محددة إلى الصفحة الرئيسية بصورة مؤقتة وعادت الروابط الخاصة بمقترحات ترامب السياسية، بما في ذلك حظر دخول المسلمين، للعمل مرة أخرى، الأمر الذي أشعل مخاوف مسلمي أمريكا من جديد.

والشاهد أن مسألة التصنيف على مسلمي أمريكا وإن كانت تخصهم هم بالدرجة الأولى، وقبل أي أحد آخر، إلا أنها وفي كل الأحوال تتصل كذلك بأحوال الحريات المدنية في البلاد، وهذا شأن يهم جميع الأمريكيين، لا المسلمين فقط، ولذلك كان من الطبيعي أن نجد أصواتا ومؤسسات أمريكية تدافع عن حق تواجد المسلمين في البلاد، وعدم النظر إليهم بمثل هذه النظرة الدونية أو التخوينية.

في حديثها إلى مجلة «أنترسبت» الأمريكية، تقول «ميساء الحسن» باحثة بدرجة الدكتورة في الدراسات الأمريكية والعرقية بجامعة جنوب كاليفورنيا :» على الأمريكيين أن يفهمونا أنه عندما تم تصوير المسلمين على أنهم يمثلون تهديدا على الأمن القومي، من أجل سن القوانين ضدهم، واتخاذ تدابير مثل تمرير قانون باتريوت، وقانون إقرار الدفاع الوطني، كانت النتيجة هي فقدان الجميع لحريتهم المدنية، وليس نحن فقط وأضافت «إنه بتصويرنا علي أننا مجتمع منفصل عن القيم الأمريكية سهلت الحكومة علي الأمريكيين التصويت ضد مصالحهم الخاصة».

هل هناك مخاوف من إحياء فترة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر مرة جديدة؟ الشاهد أنه في فترة الرئيس جورج بوش الابن، قامت إدارته بتوسيع سلطات الحكومة، بما في ذلك المراقبة وقوائم الترقب المحلية، وواصلت إدارة أوباما ترشيح تلك الإجراءات التي تم قبولها من قبل الكثيرين على أساس علاقتها المزعومة بالأمن القومي، وبشكل عام كانت أهداف السياسات الأمنية الأكثر حدة تتعلق بالمسلمين، وكان ضمن هذه النماذج برنامج مراقبة شرطة نيويورك، الذي يراقب ويشرف على الأحياء المسلمين في نيويورك ونيوجيرسي، والبرنامج الوطني الذي يسمح بمراقبة قادة المجتمع المدني الأمريكي المسلم. وإذا كانت الحقيقة هي أن مثل تلك البرامج تم الكشف عنها إلى حد كبير من خلال إدارة ديمقراطية شعبية، قلل كثيرا من الانتقادات الشعبية، لكن في ظل وجود رئيس من الحرب الجمهوري، يمثل الانقسام والتهديدات والولع بالقتال، قد تكون هناك فرصة للضغط التنسيقي، ضد مثل هذه السياسات. على أن الموضوعية تقتضي أيضا التأمل في الوجهة الأخرى التي ترى أبعادا مغايرة لتصريحات ترامب، فالبعض من النخبة العربية الفكرية، يري أن ترامب لا يقصد المسلمين فقط، لكنه تحدث عن عدائه لكل الأقليات في واقع الأمر بوجه عام، ولكن من منظور اقتصادي، أو منظور ثقافي حضاري، أو من منظور أمني ».

وجهة النظر هذه تذهب إلى أن ترامب، يتحدث عن مصالح العمال الأمريكيين، فالعولمة أدت إلى نقل مصانع أمريكية للخارج للاستفادة من العمالة الرخيصة وحرية التجارة العالمية التي أيدتها الإدارة الأمريكية أدت إلى الأضرار بالعمال البيض الأمريكيين، وكذلك أضرت الهجرة إلى أمريكا بهم، ومن هذا المنظور أعلن ترامب مواقفه، ولكنه ليس ضد الأقليات على وجه عنصري، وهنا يجب أن ندرك أنه ليس ضد العرب والمسلمين لأنهم عرب ومسلمون، ولكنه ضدهم من خلال منظور أمني فهم من وجهة نظره قد يأتون إلى أمريكا وبين صفوفهم إرهابيون، فهو هنا ضد الإرهاب وليس ضد العرب.

لكن هذا الحديث يجد ردودا عليه، ذلك أن البعض يرى أن ما قاله ترامب ليس مجرد وعود انتخابية، بل كانت تصريحات تعبر عن قناعات أيديولوجية وسياسية متزايدة الانتشار لدي فئات واسعة من مجتمع البيض الأمريكيين الذي يجدون أنفسهم مطمورين تحت كثافة ملونة متزايدة الإعداد، تختلف عنهم في معتقداتهم وسلوكياتهم ومواقفها، وتبدو في نظرهم كاختراع خارجي لمجتمعهم الذي فقد تجانسه وكخطر داخلي لابد من مواجهته.

الرأي الأخير في واقع الحال له نصيب بالغ من الصحة، سيما وأن أجواء الإسلاموفوبيا تملأ أرجاء أمريكا في الأعوام الأخيرة، بل أن «جافني» مستشار ترامب هو الذي روج ولا يزال لفكرة أن الهدف الرئيسي للمسلمين في أمريكا هو «تدمير الحضارة الغربية من الداخل»، وعليه فإنه يمكن الجزم بأنه وحتى لو لم يقدر لترامب تفعيل قوانين دستورية لمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة الأمريكية أو طرد المسلمين المقيمين في الداخل الأمريكي، فإن تداعيات خطابه الكارهة للإسلام والمسلمين أصبحت واضحة بالفعل، فقد ارتفعت جرائم الكراهية ضد المسلمين، كما أن انسياق الملايين وراء ترامب أمر أزعج دعاة التصالح والتعايش، إذ لم يكن أحد يتوقع من الأمريكيين أن هذا النوع من العنصرية والإسلاموفوبيا وكراهية الآخر، لاسيما الأمريكيين من أصول لاتينية وإفريقية ومسلمين يمكن أن يحظى بهذا الدعم الشعبوي الكبير للغاية من الأمريكيين. هل على مسلمي أمريكا التسليم أو الاستسلام لمآلات الأحداث وتداعياتها وتفاعلاتها أم أن عليهم خوض المعركة بطرق إنسانية وحضارية خلاقة للدفاع عن مكتسباتهم الدستورية؟

حسنا فعل مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية «كير»، أكبر منصة تمثل المسلمين في الولايات المتحدة، عندما طالب الرئيس الجديد باحترام حقوق وحريات المواطنين كافة بمن فيهم المسلمون، مع الإشارة إلى أن مسلمي أمريكا لن يغادروا الولايات المتحدة الأمريكية وسيواصلون البقاء فيها، ولن يعبأوا بمن فاز أو خسر الانتخابات ولن يخضعوا للإقصاء وتكميم الأفواه، وأن المسلمين في أمريكا سيواصلون كفاحهم ضد التعصب، وعدم احترام القوانين، وسيدافعون عن حقوق وحريات جميع الأمريكيين.

هل المعركة هي معركة المسلمين في أمريكا أم أنها معركة الدفاع عن الروح الأمريكية والحق في العيش وحرية اختيار المذهب الديني، والعلمانية التي لا تفرق بين أتباع أي دين؟... أسئلة كثيرة جوهرية، تبقى مفتوحة، أمام التجربة والحكم، وغدا لناظره قريب.