859856
859856
إشراقات

المنهج النبوي دستور أخلاق عالمي جاء ليخلص الإنسانية من المشاكل الأخلاقية التي تعيشها

08 ديسمبر 2016
08 ديسمبر 2016

غرس حب الرسول في نفوس الناشئة.. واجب الدعاة والمربين والمعلمين -

حاورهما: سالم الحسيني وعبدالرحمن المسكري -

دعا أمين الفتوى بمكتب الإفتاء فضيلة الشيخ‏ إبراهيم بن ناصر الصوافي إلى تمثّل أخلاق النبي الكريم التي يجسّد من خلالها القرآن الكريم وإلى التمسك بسنته الشريفة.. كما دعا إلى وقفة صادقة مع النفس الإنسانية عشية الاحتفاء بذكرى ميلاده العظيم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.. وقال فضيلته في لقاء معه لـ(ملحق إشراقات) بهذه المناسبة العطرة: إن الاحتفاء بذكرى المولد الشريف يبقى احتفاء شكليا ما لم يصحبه تعميق لحب الرسول صلى الله عليه وسلم وتجديد العزم على التمسك بسنته والسير على نهجه.

وأشار إلى أنه ينبغي على الدعاة والخطباء والمعلمين والمربين أن يستغلوا مثل هذه المناسبة العطرة ليغرسوا في نفوس الناشئة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتدون به في الأقوال والأفعال ويجعلوه مثلهم الأعلى في كل شيء، مشيرا إلى أن ما جاءنا به صلى الله عليه وسلم يصلح أن يصاغ منه دستور أخلاق عالمي يقود الإنسانية جمعاء الى ما فيه سعادتها وإلى ما يخلصها من المشاكل الأخلاقية العميقة التي تعيشها في هذا العالم.. ولا يكون ذلك إلا باعتزازنا بالدين الحنيف وتمسكنا بأخلاق نبينا الكريم.

من جانبه قال الدكتور أحمد بن مهني مصلح المدرس بكلية العلوم الشرعية: إنّ هذه الذكرى الشريفة ليست مجرد مناسبة لمولد «إنسان عظيم» فحسب، بل إنها ذكرى «مولد أمة» فبولادته عليه الصلاة والسلام ولدت أمة؛ لتقود العالم وتنشر الفضيلة والعدل والسلام، وتحارب الظلم والطغيان. وبيّن أن الاحتفاء بذكرى المولد إحياء لمعنى النبوة وتذكير بما جاء به من الهدى وهو موسم تربوي لدروس هداية من سيرته وأخلاقه.

بداية يقول فضيلة الشيخ إبراهيم الصوافي: ان ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من المبشرات لبعثته عليه الصلاة والسلام فهو خير مولود بل هو خير الله أجمعين أرسله الله سبحانه وتعالى على حين فترة من الرسل وانقطاع من الوحي برسالة جامعة تحمل في تعاليمها وأحكامها الرحمة للإنسانية قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) وفي الحديث النبوي الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وقد تجسد في شخصه الكريم كل خلق نبيل فقد كان صلى الله عليه وسلم معدن الأخلاق الكريمة كيف لا، والله عز وجل يقول في وصفه: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، فلم يقل الله سبحانه «انت على خلق»، وإنما أكد هذا الخُلق بثلاثة مؤكدات المؤكد الأول «إن» الدالة على التوكيد والمؤكد الثاني «اللام» في «لعلى» والمؤكد الثالث وصف خلقه بأنه عظيم، وهذه الآية من جوامع الآيات مع قصر حروفها ذات دلالة عظيمة على خلقه الرفيع، ولهذا لما سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله قالت: «كان خلقه القرآن»، لأنها علمت أنها مهما حاولت أن تذكر وتعدد من أخلاق وصفات رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها ستبقى عاجزة عن الإحاطة بها، وسيفوتها شيء منها فآثرت أن تأتي بهذه الكلمة الجامعة لتدلل وتبين أن كل الأخلاق العظيمة التي جاء بها القرآن الكريم كانت متجسدة في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما من خلق حسن دعا إليه القرآن الكريم إلا ورسولنا صلى الله عليه وسلم من أسبق الناس إليه، وأكثرهم تمسكا به، وما من خلق ذميم نهى عنه القرآن الكريم إلا والرسول صلى الله عليه وسلم من أبعد الناس عنه، وأربأهم بنفسه عنه، كما هو شأن الأنبياء والمرسلين الذين جعلهم الله قدوة لأقوامهم فما كانوا يأمرون أقوامهم بشيء إلا وكانوا أسرع الناس إليه ولا نهوهم عنه إلا كانوا أسبق الناس إلى تركه، وفي هذا رسالة تربوية للآباء والمعلمين والمربين في أن خير ما نعظ به من نربيهم أن نكون لهم قدوة صالحة للخير، فلا نأمرهم بشيء إلا ونحن قدوتهم في فعله لا في قوله فقط ، ولا ننهاهم عن شيء إلا ونكون أيضا قدوة لهم في تركه والابتعاد عنه، ولا نكتفي بالنهي باللسان فحسب، ورسولنا صلى الله عليه وسلم نشأ نشأة صالحة وتولى الله عز وجل تربيته وإصلاحه فنشأ على عين الله محفوظ بحفظ الله فنشأ على الأخلاق والقيم ونبيل الصفات وشهد له بذلك العدو قبل الصديق، والبعيد قبل القريب، والبغيض قبل الحبيب حتى انه كان مشهورا مع أهل مكة بالصادق الأمين وكانوا يأتمنونه في حفظ أموالهم ويقبلونه حكما بينهم ولم يعدوا عليه في صغره مسلبة أو خلقا ذميما ولو ظفروا بشيء من ذلك لعيروه به، وعدوه منقصة في حقه، ولكن الله حفظه عن ذلك لأنه يراد له ان يكون إماما للعالمين وقدوة للناس أجمعين.

وقفة مع النفس

ونحن المسلمين اذ تمر بنا هذه المناسبة الطيبة ينبغي ان تكون لنا وقفة صادقة مع النفس نسألها عن مدى قربها أو بعدها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخلاقه ونسألها عن مدى عملها وتطبيقها بما أمر به الرسول الكريم اذ لا فائدة من الاحتفاء بمناسبة المولد النبوي الشريف ما لم يصحبها تعميق لحب الرسول صلى الله عليه وسلم وتجديد العزم على التمسك بسنته والسير على نهجه وإلا فان الاحتفاء يكون شكليا صوريا لا تترتب عليه الآثار المراد ترتبها على مثل هذه المناسبات المباركة.

وينبغي للدعاة والخطباء والمعلمين والمربين ان يستغلوا مثل هذه المناسبة العطرة ليغرسوا في نفوس الناشئة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء به في الأقوال والأفعال وأن يجعلوها مثلهم الأعلى الذين يحتذون به بدلا من تعلقهم بشخصيات لا صلة لها بديننا وقيمنا، كما هو واقع للأسف لدى بعض شباب وفتيات المسلمين كما ينبغي لهم ان يقصوا لهم من قصصه وأخباره ما تعظم به مكانته عندهم لأن النفس مجبولة على التعلق بأصحاب المقامات العظيمة ممن اثروا في تاريخ البشرية والإنسانية والرسول صلى الله عليه وسلم اعظم مؤثر في التاريخ، بل هو أعظم شخصية عرفها التاريخ، وعلينا ونحن في غمرة فرحتنا بهذه المناسبة الجليلة أن نتذكر الآيات الكريمة في كتاب الله تعالى التي تحثنا على الاقتداء بالرسول وتأمرنا بطاعته وتحذرنا من مخالفة أمره، فالله سبحانه وتعالى يقول: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) ويقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) ويقول عز وجل: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

دستور أخلاقي

وأشار إلى أن أعظم ما جاءنا به رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم القيم والأخلاق فانه قد جاءنا بما يصلح أن يصاغ منه دستور أخلاق عالمي يقود الإنسانية جمعاء إلى ما فيه سعادتها والى ما يخلصها من المشاكل الأخلاقية العميقة التي تعيشها في هذا العالم، وهذا لا يكون ولا يتأتى إلا اذا اعتز المسلمون بدينهم وتمسكوا بأخلاق نبيهم وكانت أقوالهم مطابقة لأفعالهم فلا يرى من يخالفهم انهم يقولون ما لا يفعلون، فان ذلك سيعطي فكرة سيئة لدى الغير عن الإسلام والمسلمين بخلاف ما لو حصل التمسك بالأخلاق الإسلامية قولا وفعلا، فان ذلك ادعى إلى قبولها واقتناع الأخر بها.

وأوضح الصوافي ان الرعيل الأول رباه الرسول صلى الله عليه وسلم على حب الله وحب رسوله وعلى التمسك بما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية ورباه على التضحية والبذل والأخلاق في الإخلاص في القول والعمل وعلى ان يجعل الآخرة هي غايته وهدفه وما هذه إلا حياة الدنيا إلا قنطرة عبور توصلها إلى دار الاستقرار الدائم فيجعل الحياة الدنيا دار عمل وجد ومثابرة فلا يعرف المسلم الكسل أو التواني أو الركون إلى الدنيا وشهواتها وملذاتها على حساب الآخرة التي خلق من اجلها، ولابد ان يكون لدى المسلم هدف يعيش من اجله وبه لكي يحقق أسمى ما يرجو ان يصل إليه مستعينا بالله ومخلصا لهم.

مولد أمة

وقال الدكتور أحمد بن مهني مصلح : تمر بنا ذكرى عطرة تحيي القلوب وتغمر النفوس بالسكينة إنها ميلاد أحمد نبيّ الرحمة وسيّد الأمة صلى الله عليه وسلم .

نبيّ الهدى هزّني ذكــــركم فرحت أغنّي بشوق ظمي

وأشدو بفضلك بين الرجال جهارا نهارا بملء الفــــم

وأضاف: ان بمولده الزكيّ وطلعته البهية استنار الكون وأشرقت الأرض بالنور، كيف لا وهو الرحمة المهداة، والنعمة العظيمة، والأمل المنتظر وهذه الذكرى الشريفة ليست مجرد مناسبة لمولد (إنسان عظيم) فحسب، بل إنها ذكرى (مولد أمة) فبولادته عليه الصلاة والسلام ولدت أمة.. لتقود العالم وتنشر الفضيلة والعدل والسلام.. وتحارب الظلم والطغيان.. لقد كانت ولادته صلى الله عليه وسلم نقطة تحول في تأريخ البشرية، فاستطاع صلى الله عليه وسلم أن يؤلف القلوب وينير الأبصار وينقي العقول ويشحذ العزائم ويرفع الهمم. ونحن مطالبون بأن نجعل من ذكرى المولد النبوي الشريف مناسبة لجمع الشمل والتوحد من أجل مصلحة البلد ومستقبل الأمة وأن ننبذ الخلافات. وهذه بعض الدروس والعبر من البحار الزاخرة للسيرة العطرة : لقد سلك الرسول - صلى الله عليه وسلم- طريق التغيير: بالسنن الكونية ، واستغل كل جمع وكل موسم وكل قرابة وكل صلة وكل موقف، وعرف الواقع فتعامل معه، ووعى التقاليد فاستوعبها، وفهم العقول فأرشدها وحاجَّها، وقدَّر المصاعب، وعرف العقبات، وأعدَّ العدَّة، وعرف أن أساس التغيير هو إعداد الرجال فرباهم حتى كانوا أكرم الناس نفسًا، وأتقاهم قلبًا، وأفضلهم سريرةً، وأطهرهم يدًا، وأوصلهم رحمًا، وأصدقهم لهجةً. فما على الأمة إلا أن تحيي رسالته إذا رغبت أن تعيش عزيزةً مُهابةَ الجانب.

وقال الدكتور أحمد مصلح : إنه لما ولد صلى الله عليه وسلم تهاوت أركان الظلم، وتساوت الحقوق بين الناس، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، لا يفرقهم إلا العمل الصالح والصادق، وانتشر العدل . وإنّ محبتنا له تدعونا إلى تجديد ذكراه كل عام. فمولد محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلّم حدث ما زال يهزّ الدّنيا، فهو بُشرى للقلوب، وفرحة للأرواح، وبداية لإنقاذ البشريّة من رمضاء التّيه والضّلال المهلكة، وطريق لتحويل النّاس إلى النّبع الصّافي والمورد الكافي . ففي مناسبة الاحتفاء بمولد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم نستذكر حال الأمة زمن بعثته كما ورد على لسان جعفر بن أبي طالب أمام النجاشي: «كنَّا قومًا أهلَ جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل المَيْتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القويُّ منَّا الضعيف، فكنَّا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منَّا، نعرف نَسَبَه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحِّده ونعبده، ونخلع ما كنَّا نعبد نحن وآباؤنا منَ الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة، فصدَّقناه وآمنا به». وبيّن الدكتور أحمد مصلح انّ الاحتفاء بذكرى المولد إحياء لمعنى النبوة وتذكير بما جاء به من الهدى وهو موسم تربوي لدروس هداية من سيرته وأخلاقه. ومن أهم المرتكزات التي ربى عليها النبي صحبه: التخلية قبل التحلية، والتعهد بالموعظة، وتغليب المصلحة العامة، وتناسي الخلاف الذي يفرق الكلمة ويصدّع الوحدة ويوجد ثغرة للشرّ، والدعوة إلى التآزر والتآلف، والتحلي بالصبر في نصرة الحق، والتسلح بالعلم والعمل والحكمة، وتقديم القدوة الحسنة لترسم الخطى واقتفاء الأثر، والتربية على الطهر والنقاء، وإذكاء ما خبا من العزائم، والمتابعة في الدعوة وإقامة الحجة، والتدريب على تحمل المسؤولية وحمل الأمانة، أليس هو السراج المنير والمنقذ من الفقر والجهل والمرض والظلم.

وأشار إلى إن احتفال المسلمين في الثاني عشر من شهر ربيع الأول من كل عام في مشارق الأرض ومغاربها، بذكرى مولد فخر الكائنات، نبي الأمة والرحمة المهداة للبشرية جمعاء (سيدنا محمد) صلى الله عليه وسلم، سيد ولد آدم وخاتم الأنبياء والمرسلين، هو فرصة لتعهد النشء وتأكيد محبة رسول الله واتباع هديه واقتفاء سيرته . ويذكّر المولدُ الأمّةَ الإسلامية بأنها خير أمة أخرجت للناس، وأنها أمة الوسط والاعتدال، وأنها الأمة التي نالت الشرف العظيم بأن جعلها الله آخر الأمم، وأمة خاتم الرسل.. وهو شرف لا يطاول، لقد بعث عليه السلام ليتمم مكارم الأخلاق، وما أحوج الجيل إلى الالتزام بقيم الإسلام، ففي هذه المناسبة يركز الدعاة على: إحياء ضوابط السلوك النبوي ويسردون تفاصيل سنّته وتعداد أخلاقه من تواضع وورع وحلم وعدل ورحمة وجود.

علوت فليس يدركــــك الثناء فأنت النور يسطع والضياء

وأنت الشمس ليس لها حجاب

وأنت الـــبدر ليس به خفاء