إشراقات

الدين

08 ديسمبر 2016
08 ديسمبر 2016

د. سعيد بن سليمان الوائلي -

«الإعلام بمختلف ما له من وسائل وأدوات، وما أوتي من طاقات وقدرات، وما بحوزته من طاقم ومفردات ومخرجات، إنما وضع ليكون له دور رائد في الإنسانية التي يتعامل معها فيكون فاعلا وإيجابيا ويراعي من يتفاعل معه على أعلى قدر وبأحسن مستوى».

الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية، المطبوعة منها وغير المطبوعة.. أنواع مختلفة ومتباينة لوسائل الإعلام في أجهزته وهيئاته، ودور كل منها في الفكر والثقافة لا يخفى.. كما لا يخفى على أحد أهمية الإعلام ودوره في بناء الفكر وتكوين الشخصية، حيث يكون بناء الفكر بتوفير ما يبني قوى الفكر والعقل، والتحذير من كل ما يؤثر به تأثيرًا سلبيًا من مواد حسية ومعنوية، وهذه القوى الفكرية أساس في تكوين شخصية الفرد وركن من أركان كيانه.

وإن علمنا دور الإعلام البالغ وأهميته الكبيرة في ذلك بصفة عامة، فإن تلك الأهمية تتأكد في المقاصد الكلية التي أتى الشرع ليؤكد المحافظة عليها بصورة صريحة، وقد تولى العناية بها من كل جوانب الحياة وجودا وعدما. ومن أبرز تلك المقاصد الكلية: حفظ الدين، وهو أساسها وعلى رأس قائمتها. فقد شرعت الأوامر والنواهي ووضعت الحدود والأركان وحددت التكاليف الشرعية بأحكامها؛ من أجل المحافظة على الدين في حياة الإنسان باعتبار أن الدين ضرورة لا بد منها في الحياة، وأمر لا غنى للفرد عنه في الواقع، فأرسيت دعامته بتشريع كل ما يثير وجوده، وصانه بمنع وتحريم كل ما يفقده ويضر به.

ويأتي الإعلام بوسائله المتنوعة فيبرز دوره من جانبه ليسهم في تحقيق هذا المقصد الشرعي، وهو المحافظة على الدين الذي ارتضاه الله تعالى للإنسانية، فيسطر حروفه لكل من يقرأ، ويعلي كلمته لكل من يسمع، ويعرض مشاهده لكل من يدرك ويرى، مادة تكون في إطارها ذات إعلام بما يتعلق بشؤون الدين ومبادئه ومقتضياته، أو بأحكامه وأخلاقه وقضايا سننه وآياته، كل ذلك في وسائل ووسائط مادية ومعنوية، وبطرائق صريحة ومباشرة وغير صريحة وغير مباشرة، وبمختلف المستويات للجمهور المتلقي من مقصود وغير مقصود.

وعلى كل حال يتحقق الدور في الإسهام بحفظ الدين للمكلفين في أعلى درجات الحفظ له، بتوفير مساحة كافية لعرض مادته من زاوية الإيجاد، هذا من ناحية. وبنقد ورد لما يخالفه بطريقة فنية مقبولة لدى الجمهور حفاظا على روح الدين من زاوية العدم، هذا من زاوية أخرى.

ولعل من أبرز الأمثلة التي تظهر لنا ما للإعلام من دور مشهود في هذا المجال لحفظ الدين، ما يمكن أن يوضع في إطار عام، نعبر عنه بالكلمة الطيبة. تلك الكلمة التي ضرب الله تعالى لها المثل في كتابه العزيز بالشجرة الطيبة التي لها أصل ثابت في الأرض لا يتزعزع، ولها فرع ضارب إلى عنان السماء، هذا في وضعها، وأما من حيث الأثر والنتاج فإنها تأتي أكلها في كل وقت وحين، قال الحق سبحانه وتعالى: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» وإن كان النص القرآني لم يحدد لنا مجالات الكلمة الطيبة، فإن للعلماء دورهم في استنباط واستظهار تلك المجالات المتعددة.

فمما يسطر للإعلام في دوره لحفظ الدين: إلقاء الكلمة الطيبة، في شتى المجالات وتنوع الأحوال، بداية بمادة القرآن الكريم فيما يتعلق بتلاوته وتجويده، وفي ذلك ما يربط الجمهور من قارئين أو مستمعين بالكتاب العزيز الذي أنزله الله تعالى ليحقق الدين بمنهجه ومعانيه في حياة الناس. ومما يرتبط بكلام الله تعالى تفسير القرآن الكريم الذي يبين المراد من نصوص الآيات، سواء ألقيت على المسامع أو سطرت لمن يقرأ ويطالع، فيكون في ذلك إثراء.

ومن ذلك: المحاضرات والدروس الدينية في المناسبات العامة أو الذكريات الإسلامية، بإلقاء سمعي في الإذاعة أو مقاطع مرئية في التلفزة أو مشاهد معروضة أو ما يدون للقراءة، فحين يقوم الإعلام ببثها إنما يكون لذلك أثر لا يخفى يتحقق للجماهير ممن يتابعها.. ولا شك أن الإعلام يكون بذلك قد أدى دوره في المحافظة على الدين.

ومن أبرز البرامج المثبتة لدور الإعلام في المجال الديني وما يخدم شريحة كبيرة من الجمهور المتابعين: برامج الإفتاء التي فيها الإجابة على أسئلة المستفتين في الوسائل المختلفة أيضًا، مثل برنامج سؤال أهل الذكر في التلفاز، وما يبث منه في الإذاعة وعمود الفتاوى في الجرائد والمجلات والوسائل المختلفة، وهذا في ذاته له أثره في ربط الناس بدينهم، فكيف إن كان في قالب متميز من تنوع مشايخ العلم وبإدارة في تفنن في الطرح والعرض لما يهم المجتمع من القضايا والمسائل، فلا شك أن ذلك الدور سوف يعلي من مكانة القائمين على ذلك الأمر.

وهنالك أشياء أخرى تكون مرتبطة بأداء العبادات من أركان الإسلام، لا يغفلها الإعلام ولا يغفل عنها: كالصلاة وإقامتها في أوقتها بإعلان وقتها برفع الأذان مثلا، وصوم رمضان وما فيه من برامج مرتبطة بكيفية أدائه وما يتبعه من فوائد وحكم، والزكاة وإخراج الصدقات بإعلان لجانها وتيسير وضعها، والعمرة والحج، وما يبث من تأدية المشاعر لا سيما في موسم الحج الأكبر، وتغطية الإعلام لما فيها، وغير ذلك من الأمور الملازمة والمصاحبة لشيء منها، وفيها كلها يكون الإعلام حاضرًا بدوره وما يقوم به أفراده، وهو دور متميز ومحمود.

ومما ينبغي الإشارة إليه أن الدور الإعلامي في خدمة الدين وأهله لا يقتصر على ما ذكر من نقاط تم ربطها بالدين مباشرة، أو أضيفت مادتها إلى ما يتعلق به بصورة مباشرة.. بل أكثر البرامج المبثوثة والتي يمكن بثها قد تجعل في دائرة هذا الاهتمام المقصود من قبل الإعلاميين الذين لهم عناية بحفظ الدين وجوانبه.

ولعل من ذلك ما يكون من البرامج الثقافية التي تخدم الثقافة الإنسانية في أي جانب ثقافي أو فكري أو حيوي، ويمكن أن تكون في صورة مسابقات ثقافية بجوائز تشجيعية أو بدونها، إلا أن فكرتها قائمة على ما يخدم المجتمع المسلم في المجال الثقافي، فلا شك أن في ذلك تأثير في صالح حفظ الدين بقدر ما يحققه من جانب معرفي للمتلقين من مادة ثقافية.. وكذلك البرامج العلمية التي تظهر أدوارًا علميةً لشخصيات في مجالها العلمي أو لشيء من البرامج التعليمية التي يهتم بها طلبتها وتلامذتها، وإن كان توجيهها لفئة خاصة من الجمهور والمتلقين، غير أن للإعلام دوره في ربط تلك المادة العلمية بفئة معينة من جمهوره. وباعتبار أن الدين الإسلامي يحث على العلم والتعلم فإن هذا الدور الإعلامي ينضم إلى ما يقوم به الإعلام في المحافظة على الدين وإن كان بصورة غير مباشرة، حيث ندرك أن الله تعالى قد فضل الذين أوتوا العلم على غيرهم بما يحملونه من أنوار الهدى والمعرفة، (قُلْ هَلْ يَسْتَوِيْ الَّذِيْنَ يَعْلَمُوْنَ وَالَّذِيْنَ لاَ يَعْلَمُوْن) فالعلم من أكبر الدعاة إلى الإيمان، ذلك بما يحمله من معطيات موجهة للمدركات بمختلف حواسها. وهذه العلوم الحديثة تتفق مع دلالات النصوص الشرعية من قرآن وسنة فيما يخدم الإنسانية في الإطار الشرعي.. وإذا ما نظرنا إلى التأثير الإيجابي لنتائج العلم الحديث بأدواته ومراحل تطوره في جانب الإيمان، نجده يقوي الإيمان ويثبت صاحبه ويرسخ اليقين بالاطمئنان إلى إدراك معاني الآيات الدالة على مقتضيات الإيمان. ومما يؤثر بصورة كبيرة في الجماهير ما يكون عرضه في قالب فني يأخذ بمسامع الفؤاد إلى أبعد آثاره، إنه فن الإلقاء للشعر والقصائد والإنشاد، وصار هذا الباب يطرقه كل من قصد كسب الآخرين إلى صفه، فلما يحسن الإعلام استغلاله بأحسن صورة فيما يخدم به الجوانب الشرعية، فإنه يكون بذلك الأمر قد ساهم بعمل كبير في حفظ الدين في الحياة العامة والخاصة.

هذا كله في جانب إيجابي واضح لدى من يفكر فيه، ولعل الجانب السلبي لا يكون ظاهرًا بقدره، إلا أن دوره حقيقي، وأبرز صورة له تتمثل في عرض مساوئ الكفر والظلم، وتحقير شأن الإجرام والتحذير من ارتكاب المخالفات الشرعية في قالب يدفع العاقل إلى رفضه وصده، وتنشئة الأولاد من مراحلهم الأولى على التخلي عن أصول ذلك وفروعه، بما يسهل معه غرس المعاني الطيبة من معاني الدين وأصوله. وقد يكون هذا العرض النقدي للصغار والكبار مبثوثًا بصورة مباشرة، وقد يتم عرضه بصورة غير مباشرة، المهم أن يوجه إلى هدفه المراد منه.

يبقى أن الدور الإعلامي في حفظ الدين لم يغفل عن جانب آخر ملازم لأصول الدين وما يؤدى من عبادات موجهة لله رب العالمين، إنه الجانب الخلقي. فالأخلاق الفاضلة غير منفصلة عن حقيقة الدين وأركانه، ومن أجل ذلك كانت العناية بها ظاهرة في وسائل الإعلام المختلفة، وينبغي أن يوضع ذلك في إطار المراعاة للدين الإسلامي الذي يهتم الشرع في مقاصده وكلياته بحفظه لأصحابه وأهله.

خلاصة الأمر: إن الإعلام بمختلف ما له من وسائل وأدوات، وما أوتي من طاقات وقدرات، وما بحوزته من طاقم ومفردات ومخرجات، إنما وضع ليكون له دور رائد في الإنسانية التي يتعامل معها فيكون فاعلا وإيجابيا ويراعي من يتفاعل معه على أعلى قدر وبأحسن مستوى، فلئن كان الدين أساس أمر الإنسانية من عند ربها، فلابد من حفظه لها بما يوفر مادته ومعناه، ويثبت أصوله ومبناه، ويحقق شرائعه ومقاصده.. ويتحقق هذا الدور في حفظ الدين للناس بطرق مختلفة مباشرة وغير مباشرة كما يدرك ذلك العالمون العاملون، والحمد لله رب العالمين.