860934
860934
إشراقات

تكرار البسملة في القرآن الكريم.. يدعو إلى التفكر في معانيها العظيمة

08 ديسمبر 2016
08 ديسمبر 2016

هدايات الرحمن .. وقفات مع آيات القرآن -

قال المحاضر إسماعيل بن ناصر العوفي في دروس «هدايات الرحمن.. وقفات مع آيات القرآن» التي يقدمها كل أربعاء بجامع الإمام السالمي بالخوير إن القارئ لكتاب الله العزيز لا بدّ أن تكون له وقفة عظيمة مع معاني البسملة الواردة في سور القرآن الكريم، وأوضح أن الحكمة من تكرار البسملة مائة وأربع عشرة مرة حتى يقف القارئ لكتاب الله العزيز مرّات ومرّات على معانيها ودلالاتها العظيمة.

وقال العوفي: نجد المشتغلين بالتّفسير يقولون عند الإتيان إلى« بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» : تقدّم تفسيرها، أو تقدّم الحديث في معناها، أو يسكتون عن الكلام عنها، وليس مراد الله من ذكر « بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ » مائة وأربع عشرة مرّة أن نقول: تقدّم ذكرها، أو مضى تفسيرها، بل يريد الله منّا أن نقف مرّات ومرّات عليها؛ لأنّ القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه، كما أنّ الله طلب منّا أن نقرأ الفاتحة في كلّ ركعة من ركعات الصّلاة لنقف وقفات جديدة في كلّ مرّة نقرأ فيها البسملة، ولنحيا الحياة التي عاشها ذلك الصحابيّ طول اللّيل مع سورة « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » لا لنمرّ عليها مرورًا من غير استشعار لعظمتها؛ فهي عظيمة عظمة بالغة؛ لأنه نزّلها العظيم؛ ولذلك كان القرآن عظيما «وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ».

وأضاف: قد يقرأ الإنسان السورة مرات كثيرة أو يسمعها مرات كثيرة، ولا يتنبّه لكثير من معانيها، وتأتي عليه مرة يقرأ السّورة، أو يسمعها فيلامس قلبه معنى عجيب ما كان قد تنبّه له فيما تقدّم من عمره، وقد كنت أصلّي خلف إمام قبل أيام، فقرأ الإمام «إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا» فمرّ القارئ على الآية الكريمة «يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ»، فأخذتني الآية الكريمة إلى الوقوف مع صفة الله (السّتّار)، فمن ستر الله على العبد أنّه يأتي وحده ليرى عمله، لا يطّلع على عمله أحد غيره، ثمّ أخذني الفكر إلى سورة الحاقّة «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤوا كِتَابِيَهْ، إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ، فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ، قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ، كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ» وهناك اتضح لي المشهد أكثر فأكثر، فقد رأى عمله وحده، فوجده خيرا، فقال لأهل الموقف: «فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه»، والمعنى: خذوا كتابي اقرؤوه.

ثلاثة أمور

وبين العوفي ان الوقوف عند البسملة يذكّر بثلاثة أمور يحصل بها استشعار عظمة الله، وقد ذكرت «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، مرة أخرى لتكون لنا وقفة معها تعيننا على استحضار القلب لما بعد «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، لنتذكّر في الوقفة ما تذكّرنا به «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ».

فالأمر الأوّل: هو أن «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» تذكّر الإنسان بأمور عظمى، فـ «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» تذكّر الإنسان أنّ الله أوصله إلى حالته التي هو عليها، فكان إنسانا سويّا ولم يكن قبل ذلك شيئا مذكورا، فاستطاع الانتفاع بما سخّره الله له في السماوات والأرض. الأمر الثاني هو أن «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» تذكّر الإنسان أنّ هذه المسخرات سخّرت له بأمر الله وقوّته، والإنسان لا حول له ولا قوة إلا بالله، ولينظر الإنسان إلى الصقر والديك والثّور والأسد، فمن الذي جعل الصّقر جارحا والدّيك مذلّلا، ومن الذي جعل الأسد مفترسا والثّور مذلّلا، مع أنّ الدّيك قد يفوق الصّقر وزنا والثّور قد يفوق الأسد وزنا، ولينظر الإنسان إلى طعامه وشرابه، فاللّقمة التي يضعها الإنسان في فمه مرّت بمراحل ومراحل حتّى وصلت إلى فمه «فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ، أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا، ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا، فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا، وَعِنَبًا وَقَضْبًا، وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا، وَحَدَائِقَ غُلْبًا، وَفَاكِهَةً وَأَبًّا، مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ»، وشربة الماء مرّت بمراحل ومراحل حتّى وصلت إلى فم الإنسان «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ» وأضاف: أما الأمر الثالث فهو أن «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» تذكّر الإنسان بلزوم استعمال هذه المسخّرات من النّعم في طاعة الله؛ لأنّها من الله، وسخّرت باسم الله، فإن حدّثته نفسه باستعمال شيء منها في معصية الله قالت له: «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم»: لا، كاستعمال اليد أو الرّجل أو اللسان أو الأذن أو غير ذلك من الأعضاء في غير مرضاة الله.

«بسم الله» استفتاح لكل عمل

وقال العوفي: لقد علّم النبيّ الكريم الصغير أن يقول عند إرادة أكل الطعام: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» حتّى تتربّى عليها نفسه ويتعوّد عليها قلبه؛ فيقولها عند إرادة فعل أيّ شيء، فإذا أراد فعل مخالفة لله قالت له: «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم» لا تفعل، وهذا سرّ عظيم من أسرار التربية النبويّة، فـ(من شبّ على شيء شاب عليه).