أفكار وآراء

قوة المستهلكين

07 ديسمبر 2016
07 ديسمبر 2016

مصباح قطب -

[email protected] -

في كل لحظة وليس في كل يوم يدور حوار داخل كل بيت في مصر حول الأسعار وارتفاعاتها غير المنطقية وكيفية مواجهتها، وتبدو الإجابة الأقرب طوال الوقت هي ضرورة تشديد الرقابة أو يتم طرح الأمر في صورة تساؤل استنكاري: أين دور الدولة وأين الرقابة؟ أين أجهزة الضبط والإحالة إلى النيابات؟ أين جهاز حماية المستهلك؟ أين مباحث التموين؟ إلخ... وفي كل نقاش يشاء القدر أن أكون طرفًا فيه حول هذه القضية فإن ردي غالبًا ما يكون أيضا هو أن الأهم ليس أين الدولة؟ وأين الأجهزة؟ بل أين نحن؟ . ذلك أنه في اعتقادي الشخصي أن الركون إلى الأجهزة الرسمية بترهلها وبطء خطواتها، وما عليها من قيود وضعف إمكانياتها وعدم استقامة بعض العاملين فيها لن يفيد كثيرًا في ردع جشع التجار وألاعيب أطراف السوق ضد المستهلكين، خاصة أنه لا توجد تسعيرة جبرية، حيث إن السوق مفتوحة كما لا توجد أدوات مما يستخدمه المتقدمون مثل المعلومات الفورية عن حركة ونقل وتداول وأسعار السلع محليا وعالميا، وبإتاحة لحظية للمستهلكين، كما لا يوجد مجتمع مدني قوي رغم أن عدد جمعيات حماية المستهلك قفز من 19 قبل يناير 2011 إلى 89 حاليًا ولا يزال يزيد... مؤسسات المجتمع المدني هذه ما زالت هي الأخرى ضعيفة وتحتاج إلى تدعيم مالي وفني والمعروف أن القانون يحظر عليها الحصول على أي تمويل من الموردين الذين يفترض أنها رقيب عليهم. الأمل كل الأمل في أن يكتشف المستهلكون قوتهم هذا هو الأمر الذي لم يحدث في مصر أو في أي بلد عربي، ومثلما توجد اتحادات للتجار والصناع يتعين أن يكون هناك اتحاد قوي أيضا للمستهلكين، وفي المرات النادرة التي حاول فيها المستهلكون أن يستعرضوا قوتهم، كما جرى عند التهديد بعدم الشراء يوم الأول من ديسمبر الجاري أو التهديد بالامتناع عن شراء حلوى المولد النبوي ، ثبت فاعلية هذه القوة، لكن لا يزال “نفس” المستهلكين قصيرًا بينما السباق طويل طويل، ليس سرا أبدا أن منظومة التجارة الداخلية في مصر، وفي بلاد كثيرة تعاني اختلالات شديدة ربما يأتي على رأسها أن الجزء المنظم من التجارة الداخلية -أصلا- قليل للغاية. ورغم النجاح الجزئي الذي تحقق في مصر والنجاح الأكبر الذي تحقق في دول عربية فما يزال الطريق طويلا للوصول إلى أسواق تنافسية بالمعنى الحقيقي يحصل فيها المستهلك على كامل حقوقه بلا جور أو تعسف. ولم يكن متصورًا أن تخلق الإصلاحات الاقتصادية والتي أدت إلى زيادة متوقعة كبيرة في معدل التضخم.. توجِد حافزًا قويًا لأن يعمل كل طرف بأقصى ما لديه سواء كان الحكومة أم المجتمع المدني أم المستهلكين الأفراد والجماعات من أجل الحد من هوامش الربح التي لا يوجد مثيل لها في أغلب دول العالم، وقمع الغش والتدليس، وحيث لا مناص من فعل ذلك بعد أن فقد الجنيه أكثر من نصف قيمته أمام الدولار.

إن معالجة اختلالات الأسواق يمكن أن تؤدي وفقا لكل التقديرات إلى انخفاض في الأسعار يصل إلى 20 - 30 % كما أن الوقت يمضي والناس تعاني جراء التضخم وتأكل الدخول ولابد من عمل سريع وحاسم. فمن أين يأتي الحسم في ظل كل ما قدمته ؟. دعونا أولا نعترف أن مصر أقامت في 2006 جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية أعقبه قيام جهاز حماية المستهلك وللجهازين سمعة جيدة محليًا ودوليا رغم أنه ينقصهما الكفاءات كما قلنا كما يحتاجان إلى مزيد من الدعم التشريعي والتنسيقي . ومن تجارب عملية فان جهاز حماية المستهلك يقوم بدوره تجاه المستهلكين على قدم المساواة فلا فرق بين مستهلك كبير مليونير أو صغير يشتري بقروش قليلة، كما يتعامل مع الشركات التي ترتكب مخالفات بنفس المنطق فلا فرق بين شركة كبيرة أو عالمية أو صاحبة “براند”  مشهور وبين شركة صغيرة تبيع منتجات محلية محضة، ما دامت قد ارتكبت ما يستوجب المحاسبة.

كما أن جهاز حماية المستهلك لا يعتمد على تلقي البلاغات من المواطنين فقط بل يقوم في كثير من الحالات باستخدام الضبطية القضائية المخولة لأفراده طبقا للقانون في ملاحقة المخالفات التي يعلم بها وإحالة مرتكبيها إلى النيابة لتقدمهم بدروها إلى المحكمة، وإذا وقعت المخالفة في مكان بعيد - حيث إن فروع الجهاز لا تغطي إلا واحدا إلى 5 من عدد المحافظات بمصر-، فإنه يكلف جهة لها وجود محلي بالتحقيق في الواقعة ورد الحق للمستهلك الشاكي إن كان له الحق وإلزام المخالف باتخاذ إجراءات لا يعود بعدها إلى ارتكاب المخالفة نفسها مرة أخرى في حق آخرين.

كما أن الجهاز يطلق تحذيرات من أنواع من السلع المعمرة أو غير المعمرة أو الغذائية حين يعلم أن بها عطبا أو عيبا أو غشا وكمثال إطلاق التحذيرات عند إعلان أخطار بوجود عيوب معينة في ماركة سيارة بعد اكتشاف الشركة المنتجة لها وتعهدها بسحب السيارات المعيبة حيثما وجدت في كل أرجاء العالم حيث لا يجوز في هذه الحالة للمستورد /‏‏‏ التاجر أن يبيع هذا النوع إلى أي مشتر.

وتلعب تطبيقات تكنولوجيا المعلومات دورًا قويًا في مساعدة الجهاز على أداء مهامه وكسب احترام الجمهور.

كما يجري العمل على تأسيس شبكة إنذار مبكر بالتعاون مع جهاز الاحتكار حتى تتم مواجهة المشاكل قبل اندلاعها أكد اهتمام الجهاز بسلامة المواصفات. الطريف أن أكبر تحد يواجه الجهاز في مصر هو الإعلانات المضللة عن شيوخ أو شيخات يعالجن بالدجل والشعوذة حيث يقع في حبائلهم آلاف المصريين والمصريات ويتحصلون على كسب حرام يبلغ مليارات الجنيهات. وسبب تعقيد الموقف أن تلك الإعلانات يتم بثها من قنوات مقرها تركيا أو قبرص أو سلوفينيا وغيرها وثم لابد من إجراءات معقدة لتعديل هذا الوضع المؤسف ولابد أيضا من توعية مستمرة للذين ما زالوا يصدقون هؤلاء الدجالين رغم كل ما يوصف به عصرنا من انه عصر المعلومات والشفافية والتواصل الاجتماعي الواسع وصحافة المواطن الخ.

ذات مره سأل رئيس جهاز حماية المستهلك في مصر وزيرة روسية عن خبرة روسيا في مجال حماية المستهلك فردت قائلة: وأين حمايتكم للسائحين كمستهلكين في بلدكم عند

وجودهم وعلى أثر ذلك تم تأسيس وحدة لحماية المستهلك السائح، كما تم تأسيس أخرى لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة.

هذا إذن جهد طيب للغاية لكن هل يمكن لأحد أن يتعهد بأن تكون الأجهزة الحكومية كافة العاملة في مجال الرقابة على الأسواق على نفس المستوى ؟ في الواقع أشك وأرى أن المسافة لا تزال طويلة لذا أعود إلى تأكيد أهمية قوة المستهلكين، ومن جهة أخرى تبلغ مساحة المراكز التجارية التي تعمل بمعايير عالمية بمصر حاليا 1.8 مليون متر، ومن المخطط الوصول بالرقم إلى 3.6 مليون متر في 2020 ويبلغ نصيب الفرد من المراكز التجارية المنسجمة مع المعايير العالمية في المتوسط  16 سم عالميا ووصلت مصر حاليا إلى نحو 18 سم وتسعى إلى أن يكون نصيب الفرد 50 سم بحلول 2030 . مرة ثالثة لا يزال المشوار طويلا للوصول إلى أسواق عصرية تنافسية، ويزيد من التحديات أن رجال الأعمال المصريين قليلو الهمة في تطوير التجارة الداخلية و لا يقبلون بالشكل المطلوب على الاستثمار في مثل تلك المشاريع رغم أهميتها وربحيتها، وقد تَرَكُوا الساحة للشركات الأمريكية والفرنسية أو العربية وبالتالي سننتظر طويلاً لتحقيق الاستثمارات المطلوبة لتحديث الأسواق.

مرة أخيرة فإن تفعيل القوة الكامنة لدى المستهلكين وبخاصة الشباب واستخدام أدوات التواصل الاجتماعي والمقاطعة والامتناع والتشهير المعنوي بالجشعين كفيل بأن يحقق معجزات، أعطوا الحصان أجنحة كما يقول المثل الصيني.