أعمدة

رماد: أثر الوجود

07 ديسمبر 2016
07 ديسمبر 2016

عبدالله المعمري -

[email protected] -

كان بالأمس القريب يجلس على ذات المقعد الذي أجلس عليه الآن، كان يمسك بقلم الرصاص يرسم لوحة بها قارب يتوسط النهر الذي هو الآخر يتوسط اللوحة التي يرسمها، لكنه لم ينتبه أن يرسم مجدافا لهذا القارب، اقتربت منه لأحدثه عن جمالية ما يرسم، ولكن ما إن وصلت بقربه إلا ومزق اللوحة، لأفيق أنا بذلك من حلم الذكرى، أتذكره بكل تفاصيله، في الكلمات التي ينطق بها، وملامح وجهه التي تعبر عن حزنه أو فرحه، وصوته وهو يتحدث عن ما يريد تحقيقه، بل وحتى تلك الصورة التي يضعها على مكتبه لا أزال أنظر إليها لوجودها بعد رحيله.

أدركت حينها ليس بالمهم أن تمتلك قاربا، لكن الأهم أن يكون لهذا القارب مجداف أو شراع ينقلك من مكان إلى آخر إذا ما أردت الوصول بسلام وأنت تعبر نهر الحياة، فالرحيل ذات يوم أمر محتوم، قد حسم منذ الأزل، لن يبقى أحد منا في مكانه، سنتحول إلى ذكرى في ذات المكان الذي سيأتيه من كانوا معنا فيه أو من نجهل أو يجهلون وجودنا في هذا المكان، حتى وإن تعددت الأماكن التي رحلنا عنها أو التي سنرحل عنها ذات يوم، فمصير وجودنا فيها مؤقت بإطار زمني، يمضي بتلقائية وإن لم نشعر به، أو نستشعر نهاية الوقت عنده.

تبقى في المكان آثارنا، التي هي الأخرى لربما لن تكون دائمة، بل مصيرها الزوال، لتستبدل بآثار من سيأتون بعدنا، فهل ترانا ندرك هذه الحقيقة أينما وجدنا في خارطة الأمكنة، وهل نسعى إلى تعميق آثار وجودنا بأعمالنا، بأفعالنا، وأقوالنا، أم أن الرحيل سيكون بلا أثر؟ وهل لمعنى الوجود في المكان ذكرى بعد الرحيل تطيب بها النفس، أم سيكون لهذا المعنى ذكرى تعكر صفو النفس من جراء ما اكتسبت؟، الأسئلة كثيرة، إجاباتها نملكها نحن دون سوانا قبل الرحيل، ومن سيأتي بعدنا سيؤكد هذه الإجابات عنا، كما فعلت أنا مع من سبقني في هذا المكان.