أفكار وآراء

سوريا .. الثورة أم الحرب الأهلية؟

06 ديسمبر 2016
06 ديسمبر 2016

■  عماد عريان -

«سوريا الثورة».. هذا الوصف بات من الأخطاء الكبرى التي لا يزال البعض يقع فيها في تعامله مع المأساة السورية التي بلغت مستويات مؤسفة من الصراع والدمار والخراب، فوسط هذه المشاهد العبثية المؤلمة لم يعد هناك محل للحديث عن «حالة ثورية» أو «ربيع عربي» على الأراضي السورية فالأحداث التي تفجرت في مطلع عام 2011 غداة نجاح الثورتين المصرية والتونسية -نتيجة عوامل وظروف يطول شرحها- سرعان ما تحولت إلى مواجهات مسلحة دامية مما نزع عنها صفة الثورية السلمية لتتحول بشكل درامي سريع إلى حرب أهلية تحت مظلة «رعاة الدم» عالميًا وإقليميًا، وقد يتساءل البعض وما الفرق في اعتبار ما يجري حالة ثورية مسلحة أو حربا أهلية ؟ الواقع أن هناك أهمية كبرى للتفرقة بين الحالتين لأن الوصول إلى قناعة بأن ما يجري على الأراضي السورية هو حرب أهلية ضخمة تورطت فيها قوى عالمية وإقليمية سوف يسهل كثيرا من وضع الأسس النظرية والعملية لتسوية الأزمة، ومن ثم فهو ليس صراعًا بين نظام ومعارضة وإنما تناطح إرادات كبرى في ساحة مفتوحة على كل الاحتمالات.

وبغض النظر عن «طبيعة» النظام السوري، وهي قضية جدلية من الأساس في منطقة تنوء بمظاهر الفشل السياسي في كثير من ربوعها، فقد جاء الصراع على سوريا كاشفًا لحقيقة التكالب الدولي والإقليمي الشرس على هذا البلد سعيا لتحقيق مصالح ذاتية، ولو أن هذا التكالب تم منذ بداية الخلافات بشكل سياسي ودبلوماسي مخلص لأسفر في الغالب عن تسويات تحفظ لمختلف الأطراف الداخلية حقوقها ومصالحها وللدولة السورية بقاءها وسلامتها بدلا من تلك المشاهد التي تحرق أصابع الجميع وتزهق أرواح الملايين من المدنيين الأبرياء، والمؤسف أنه حتى هذه اللحظة لا تبدو في الأفق أي أسس أو منطلقات لتسوية هذا الصراع و إسكات صوت المدافع وتبدبد رائحة البارود، على الرغم من كثرة المبادرات التي تنطلق من هنا وهناك ولكنها لا تحمل أي مؤشرات على تسويات قريبة، بل هناك مؤشرات أخرى على وجود تصعيد عسكري من جانب أطراف معينة لتحقيق مصالح ومكاسب سريعة بالنسبة للبعض أو لتحقيق نتائج على الأرض تحسن من فرص فرض التصورات التفاوضية لفريق آخر.

فالأنباء المتواترة من العاصمة الروسية على سبيل المثال تتحدث عن أن الاستيلاء على الأحياء الشمالية لشرق حلب يدل بوضوح على القوة المتزايدة للتحالف المؤيد للرئيس السوري بشار الأسد بقيادة روسيا، وأن استمرار زخم الهجوم على حلب بالمعدلات الحالية سيعني تحرير المدينة بالكامل قريبًا جدًا من «المسلحين والإرهابيين» وهذا سيعني أيضا لحظة تحول حاسمة بشأن تسوية الوضع بمشاركة حلفاء موسكو، بينما تتردد أنباء أخرى عن اتصالات روسية مكثفة مع أطراف إقليمية على رأسها بالقطع تركيا وإيران، تكشف أن بوتين وروحاني اتفقا على مواصلة التعاون الوثيق بينهما بهدف تطبيع دائم ووطيد للوضع في سوريا. وسط أنباء عن أن النجاح العسكري في شمال شرق حلب كان في الأساس بفضل وحدات «شيعية وكُردية» جرى إعدادها وتدريبها بواسطة العسكريين الروس والإيرانيين، وأن هذه الوحدات تم تسليحها بأسلحة روسية حديثة وتدريبها على طُرق القتال في ظروف المدن (حرب العصابات)،ومن ثم تمكنت من كسر المسلحين في حلب باستخدام أنواع حديثة من ذخائر روسية الصنع تعمل على إحراق المباني، ومن بداخلها من المسلحين والإرهابيين ويفسر استخدام هذه الذخائر تحديدا فزع المسلحين وفرارهم من مناطق حلب الشرقية أثناء تقدم القوات الحكومية السورية.بينما تحدثت تقارير روسية أخرى عن أن أنقرة تخلت عن دعم المسلحين في شرق حلب، ما سهل طردهم من شمال شرق المدينة.

وفيما يتعلق باتصالات موسكو وأنقرة تتحدث التقارير عن أن بوتين حاول خلالها إقناع أردوغان بالانضمام إلى التحالف الذي تقوده روسيا والكف عن الدعوة إلى إنشاء منطقة لحظر الطيران في الشمال السوري.وفي هذا السياق تتسرب معلومات عما أطلق عليه «خطة موسكو» المقبلة في سوريا وتتضمن القيام بعمليات لحفظ السلام وإدخال قوات لهذا الغرض إلى الأراضي السورية، تشارك فيها بلدان أخرى من حلفاء روسيا وسوريا. ولا تستبعد هذه التسريبات مشاركة الصين وصربيا وأذربيجان وأرمينيا وبعض الدول السوفيتية السابقة الأخرى في قوات حفظ السلام في سوريا، بالطبع بجانب إيران وتحت قيادة روسيا وتتضمن كذلك إزالة الألغام وتقديم المساعدات الإنسانية حيث أرسلت صربيا مؤخرًا مساعدات إنسانية إلى دمشق، وطلبت وزارة الدفاع الروسية من أذربيجان المشاركة في عملية إزالة الألغام في الأراضي السورية.لكن السؤال الحائر والذي لا يجيب عنه أحد حتى اليوم يتمحور حول ما إذا كانت «خطة موسكو»التي ستقودها روسيا بالطبع سوف تروق بالكامل لطهران أو لتركيا أو للدول الغربية الأخرى،خاصة أنها قد تكون مصحوبة بمحاولة للتسوية السياسية وفق الرؤية الروسية ووفق نتائج المعارك على الأرض.

وتكشف هذه التفاصيل أو هذه التسريبات، أيا كانت التسمية، عن سعي موسكو والقوى المتحالفة معها إلى تحقيق أكبر قدر من المكاسب الميدانية على أرض الواقع مستفيدة في ذلك مما يبدو أنه ارتباك في الطرف الأخر أو فراغ ناجم عن الانتخابات الأمريكية وما أسفرت عنه من نتائج وتوقعات، وتطور آخر مهم يؤكد أن شيئا ما مختلفا يتم إعداده في المطبخ الأمريكي بخصوص الأزمة السورية حيث كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية عن محادثات أجراها دونالد ترامب جونيور نجل الرئيس الأمريكي المنتخب في باريس الشهر قبل الماضي حول شراكة وتعاون واشنطن مع موسكو لإنهاء النزاع السوري.

وتحدثت الصحيفة عن اللقاء الذي تم في فندق «الريتز» وسط باريس بحضور نحو 30 شخصًا وكان من بين الحضور بحسب ما نقلته الصحيفة رئيسة حركة المجتمع التعددي السورية رندة قسيس التي كتبت في صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» حول الاجتماع: أعتقد أن دونالد الابن عملي جدا ومرن وانه مع فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية أصبح لدينا أمل كبير بتحريك الحل السياسي والوصول إلى اتفاق روسي-أمريكي حقيقي بخصوص الملف السوري،وهذا ليس فقط اعتقادا أو أملا بل إنه نابع مما لمسته من دونالد ترامب الابن عندما التقيته في باريس في أكتوبر الماضي.

يحدث هذا وسط مؤشرات بانقسام كبير بين الفصائل المقاتلة في ما تبقى من أحياء شرق حلب،حيث يبدو أن عددا كبيرا منها سلمت بالأمر الواقع وبدأت تحزم أمتعتها لتسليم مواقعها للجيش، قابلها تحرك عاجل لـ«توحيد القتال» تحت راية جديدة حملت هذه المرة اسم «جيش حلب»تولت فصائل تابعة لتركيا تنظيمه للقتال ضد الجيش السوري في وقت بدأت مدينة إدلب بتجهيز المنازل التي ستستقبل المسلحين الذين سيخرجون من حلب في نهاية المطاف.بينما تابعت فرق الهندسة العسكرية الروسية والسورية عملها في تفكيك الألغام وتأمين المناطق والأحياء التي سيطر عليها الجيش منذ بدء عملياته الأخيرة شرق المدينة. ويتكون «جيش حلب» من عشرة فصائل معظمها تابعة لتركيا مباشرة، أبرزها «الجبهة الشامية» و«أحرار الشام» و«نور الدين الزنكي» ويقودها القيادي في «الجبهة الشامية» أبو عبد الرحمن، وفور الإعلان عن تشكيل «الجيش» أصدرت قيادته بياناً دعت فيه لـ«النفير العام» في مدينة حلب، وطالبت «كل من يستطيع حمل السلاح بالتوجه إلى القتال» في حين قلل مصدر عسكري سوري من أهمية «جيش حلب»، ورأى أن هذا التشكيل للاستهلاك الإعلامي فقط، ويهدف إلى إطالة فترة بقاء المسلحين في الأحياء بهدف الحصول على أكبر قدر من المكتسبات قبل خروجهم ولكنهم سيخرجون مما تبقى من أحياء وهم يعرفون ذلك، على حد قوله.

وأغلب الظن أن جل هذه التطورات إذا ما سارت في الاتجاه المعلن فأنها تعني أن المفاوضات سوف تأخذ منحى آخر يستجيب للحقائق الجديدة على الأرض في ضوء نتائج معارك حلب التي توقعنا منذ بداياتها أن تكون حاسمة في الصراع السوري، وعلى وجه التقريب لن يسفر اجتماع سوريا الذي دعت من خلاله فرنسا أطرافا دولية وإقليمية للاجتماع في باريس في العاشر من ديسمبر الجاري لبحث الأوضاع في سوريا وحلب على وجه التحديد عن أي تحولات جوهرية على صعيد الأزمة، فقد سبق أن عقد العديد من الاجتماعات المماثلة، في باريس على وجه التحديد، واكتفت بإصدار مجموعة من التوصيات أو النداءات أوالمطالبات العامة، ينتظرها في الغالب مؤتمر باريس المقبل، وليس أدل على ذلك من تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن اجتماع باريس المرتقب للدول الداعمة للمعارضة السورية هو «انحراف» عن مسار التسوية السياسية في سوريا وأنه سيشتت الجهود عن الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي 2254 الداعي إلى بدء محادثات سورية - سورية في أسرع وقت ممكن بين جميع أطياف المعارضة والجانب الحكومي، محذرًا من أن حضور الدول الداعمة للمعارضة فقط في اللقاء المرتقب سيعطي إشارة للمعارضة بأنه ما من داع للاستعجال في خوض المفاوضات. وبغض النظر عن تصريحات لافروف إلا أنه بات على مختلف الأطراف أن تغير من رؤيتها لطبيعة الصراع في سوريا حتى تتمكن من صياغة حلول عملية بدلا من تلك المتصلبة التي ما زالت تعتقد أن ما يجري في سوريا هو ثورة في أطوار تفاعل متعاقبة.