أفكار وآراء

التنمية البشرية تبدأ بالتعليم الأساسي

03 ديسمبر 2016
03 ديسمبر 2016

د. محمد رياض حمزة -

التقرير الأمريكي الشهير الذي حمل عنوان «الأُمة في خطر- أمر إلزامي لإصلاح التعليم» الذي صدر في عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريجان عام 1983 والذي وضعته اللجنة الوطنية للتميز التربوي. وسجل التقرير توجها نقديا لتطبيقات نظم التعليم. فأحدث هذا التقرير تغييرا في أساليب تقييم وإصلاح التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية (ولا يزال متبعا) بعد إن أدركت المؤسسات الحكومية والخاصة الأمريكية إنها متخلفة عن نظم التعليم في أوروبا وروسيا، فاستحدثت لجان لتقييم نظم التعليم بمراحله كافة على المستوى الاتحادي والولايات. وخلص التقرير إلى أن أسس التنمية البشرية هي التعليم الأساسي.

يعتبر التعليم الأساسي في الدول الصناعية المتقدمة الأساس الممهد للتنمية البشرية لذلك فإن حكومات تلك الدول أولت عناية خاصة بالتمويل وبالمتابعة لتطوير مكونات التعليم الأساسي من مناهج وتلاميذ ومعلمين ومستلزمات مادية. وتتشارك هذه الدول بأهداف التعليم الأساسي التي تبدأ بتنمية المهارات العقلية لدى الأطفال وتشجيعهم على البحث، وتطوير قدراتهم على السؤال والمناقشة بصورة منطقية وإعداد الأطفال واليافعين حسب قدراتهم ومساعدتهم على استخدام اللغة بكفاءة واقتدار، قراءة وكتابة وتحدثاً، ودعم وتطوير النزعة إلى المعرفة والاستيعاب في جميع المواد الدراسية.

من خلال استعراض نظم التعليم الأساسي في كل من فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية يمكن معرفة الأهمية التي توليها حكومات تلك الدول للتعليم الأساسي . بل يمكن القول إن نظم التعليم الأساسي في بريطانيا من أهم نظم التعليم الأساسي تطورا وعناية وتطبيقا:

- المرحلة ألأولى: يبدأ التعليم الأساسي ما قبل المدارس الابتدائية حيث يوضع الأطفال من عمر (3ــ5) سنوات في مرحلة مجانية ولكنها غير إلزامية تتنوع من حيث الجهة المشرفة عليها والمؤسسات الملحقة بها. ومزودة بمناهج مرنة متنوعة بهدف تهيئة الطفل للتعلم وتدريبه على ممارسة السلوك الاجتماعي السليم. لا يزيد عدد الأطفال في مدارس الأطفال عادةً عن أربعين طفلاً مع وجود عدد كبير من المختصين المؤهلين.

- المرحلة الثانية التعليم الابتدائي: وينقسم إلى قسمين: مدارس الأطفال (5-7) سنوات، ثم مرحلة المدارس الابتدائية (7-11) سنة، وهي مرحلة مجانية وإلزامية وهي بداية المرحلة الإلزامية في نظام التعليم البريطاني. تتضمن برامج دراسية منوعة ولا توجد كتب ملزمة، وتحدد المَدْرسة والمعلمون الكتب المدرسية وطرق التدريس ويعتمد التدريس على طريقة تشجيع البحث والابتكار لدى الطلاب، وليس على مجرد الحفظ والتلقين.

- المرحلة الثالثة التي تنتهي باختبار يعرف (11) سنة.

بموجب هذا النظام الذي يسمى «نظام اليوم الكامل» حيث يقضي الطفل في المدرسة حوالي سبع ساعات يومياً. يبدأ من الساعة التاسعة صباحا حتى الثالثة والنصف عصرا. وتتحمل المدرسة المسؤولية الكاملة عن التعليم حيث يتم تخفيف الامتحانات لتقليل الضغط النفسي على الأطفال، كما يتم كذلك تخفيف الواجبات المنزلية بدافع احترام حقوق الطفل. فضلا عن أنشطة غير صفية. وتختتم هذه المرحلة بما يعرف بالترفيع الآلي للطلاب، إذ لا يوجد رسوب وإن كان مستوى الطفل أقل من مستوى أقرانه يتم نقله معهم مع العناية الخاصة به. وتعتمد كل مدرسة منهجها الخاص، والمناهج عموماً تركز على البحث وتشجيع القراءة وخصوصاً قراءة القصص الهادفة.

- المرحلة الرابعة: التعليم الثانوي: تمتد فترة الدراسة في المرحلة الثانوية من سن الحادية عشرة حتى الثامنة عشرة، وتنقسم إلى قسمين:

1. الثانوية العادية: مدتها خمس سنوات، وتنتهي عندها مرحلة التعليم الإلزامي.

2. الثانوية الرفيعة.. مدة الدراسة لها سنتين، ويشترط الحصول عليها للدراسة الجامعية. ويتكون التعليم الثانوي في بريطانيا من أربعة أنواع من المدارس تختلف فيما بينها من حيث سياسة قبول الطلاب وتأتي حسب الترتيب

1- المدرسة الثانوية العامة (الأكاديمية): وهي أقدم أنواع المدارس الثانوية في بريطانيا وتحظى بمكانة اجتماعية كبيرة لأسباب تاريخية.

تقوم على سياسة الانتقاء حيث تقبل الصفوة من الطلاب الذين يمثلون تقريبا 20% من عدد الطلاب الذين يدرسون المواد ذات الطابع الأكاديمي. ويحصل الطالب على الشهادة الثانوية بمستواها العادي إذا توقف عند السنوات الخمس الأولى، وعند إكمال السنتين التاليتين يحصل الشهادة الثانوية بمستواها الرفيع.

2- المدرسة الثانوية التقنية: وتحظى أيضا بمكانة كبيرة وتحصل على نسبة من أحسن التلاميذ الناجحين في امتحان القبول، يلتحق بها الطلاب ذوو الميول التقنية التطبيقية العملية. وتقدم المدرسة المواد النظرية بالإضافة للمواد المهنية والفنية الخاصة بالصناعات والحرف، وتؤهل هذه المدرسة طلابها للدراسات الفنية العالية.

3- المدرسة الثانوية الحديثة: أنشئ هذا النوع من المدارس بموجب قانون سنة 1944، ويلتحق بها الطلبة العاديون في مستوياتهم الذهنية. ويجمع المنهج بين المواد النظرية والمهنية، بالإضافة للمواد الخاصة بأعمال السكرتارية والإدارة.

4-المدرسة الثانوية الشاملة: يمثل هدا النوع حاليا الصورة الحديثة المطورة في التعليم الثانوي البريطاني والتي تبنى إنشاءها حزب العمال.

تقبل المدرسة الشاملة جميع الطلاب دون تمييز مع اختلاف ميولهم وقدراتهم ومستوياتهم. وتقدم المدرسة الشاملة برامج دراسية أكاديمية ومهنية متنوعة. وبذلك تحقق المدرسة الشاملة تكافؤ الفرص للجميع وتقضي علي الفوارق الاجتماعية.

*في السلطنة حددت وزارة التربية والتعليم رؤيتها ورسالتها في موقعها على شبكة الإنترنت بالتزامها «بتطوير عمليتي التعليم والتعلم على نحو يكفل بناء جيل مجيد ومخلص لوطنه قادر على التعلم المستمر وعلى التعايش مع الآخرين في إطار من الالتزام والمسؤولية» كما تعمل الوزارة على إعداد جيل يحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع من خلال تجويد عمليات التعليم والتعلم في الإدارة المدرسية، وتوفير موارد بشرية ومناهج دراسية ومبان وأدوات تقويم ذات جودة، ورعاية متميزة لمختلف شرائح الطلبة في سنوات التعليم المدرسي، مع توظيف عالٍ للتقانة بما يتواكب مع مجتمع عمان الرقمي، وتفعيل أكبر لدور القطاع الخاص والمجتمع المحلي في تعزيز الخدمة التعليمية.

وحددت الوزارة أهدافها بتأهيل وإعداد المواطن العماني بحيث يكون قادرا على التعامل مع الحياة العصرية ومعطياتها التقنية والرقمية. وتوفير جميع الآليات التي تساعد على تحقيق الهدف الأول كهدف استراتيجي لوزارة التربية والتعليم.

وإنشاء المدارس على امتداد السلطنة والعمل على الصيانة الدورية لها، وتجهيزها بكافة مستلزماتها من الأثاث وغيره. وتوفير الكادر التعليمي والإداري اللائقين والعمل على تنميتهما باستمرار حتى يقفا على آخر المستجدات التربوية والتعليمية. والعمل على تأليف المناهج الدراسية المناسبة وتطويرها باستمرار مواكبة للمستجدات الحديثة والعصرية في وقت يتسم إيقاعه بالسرعة الشديدة. وتزويد المدارس والمؤسسات التعليمية بالوسائل التعليمية الحديثة بمختلف أنواعها، في عصر يتسم بتقدم تقنية المعلومات وسرعة الاتصالات. ومد شبكة المعلومات العالمية الإنترنت إلى المدارس وتوفيرها كرافد يتزود منه الطالب. والمساهمة في مجتمع عمان الرقمي وذلك من خلال ربط المدارس بالمناطق التعليمية ومن ثم بالوزارة من خلال “البوابة التعليمية الرقمية” وتوظيفها في جميع مجالات الشؤون المدرسية والإدارية على حد سواء. وإجراء دراسات وبحوث متقدمة وعلى مستوى عال من المهنية واختيار أنظمة تعليمية مناسبة للمجتمع العماني وفق متطلباتها ورؤاها الشاملة وتحترم خصوصية المجتمع العماني وتراعي سماته. والتطوير والتحديث المستمر للعملية التعليمية بما يتوافق مع متطلبات العصر ومنجزاته، حتى يستطيع الإنسان العماني الحديث التعامل مع معطيات العصر الحديث والاستفادة منها.

*مؤشرات مهمة: تتكرر تلك المؤشرات سنة بعد أخرى والتي تستدعي الوقوف عندها ومناقشتها لإحداث التطوير المناسب للتعليم الأساسي في السلطنة. تلك هي نتائج اختبارات تحديد المستوى التي تُجرى للطلبة المقبولين في الكليات التقنية السبع البالغ عددهم سنويا (10) آلاف طالب وطالبة من خريجي الدبلوم العام،ويجرى اختبار تحديد المستوى باللغة الإنجليزية، ذلك على اعتبار أن لغة التدريس في الكليات التقنية، كلها، باللغة الإنجليزية.

صمم ذلك الاختبار المبسط في ضوء مناهج اللغة الإنجليزية التي درسها الطالب في مرحلة التعليم الأساسي، وتم تحديد أربعة مستويات تتوزع عليها نتائج اختبارات الطلبة وفق النسب المئوية لأداء الطالب. في الاختبار. فالمستوى الأدنى من صفر إلى 20، والمستوى الثاني من 21 إلى 50، والمستوى الثالث من 51 إلى 70، والمستوى الرابع 71 إلى 85. ومن يحقق درجة أعلى من درجة المستوى الرابع عليه اجتياز اختبار متقدم يؤهله للتخصصات مباشرة دون الحاجة للسنة التحضيرية. وتؤكد النتائج السنوية أن نسبة الذين يجتازون الاختبارات من أصل (10) آلاف طالب وطالبة أقل من 1%. وأن النتائج تؤكد أن معظم الطلبة هم من الذين حققوا 20% فأقل. ولا تختلف نتائج عن أداء الطلبة في إخبار تحديد المستوى من خريجي الدبلوم العام والملتحقين بجامعة السلطان قابوس عن نتائج أقرانهم المقبولين في الكليات التقنية. فالدراسات التي تخصصت في التنمية الشاملة تؤكد أن التعليم الأساسي هو المنطلق الأول للتنمية البشرية.