إشراقات

تــصحــــيح المفاهــــيـم

01 ديسمبر 2016
01 ديسمبر 2016

حمود بن عامر الصوافي -

بعض الأفكار المغالية الموجودة في بعض كتب التراث أو تتبناها بعض المذاهب أو الجماعات التي تنسب إلى الإسلام لها دور كبير في إذكاء التطرف والغلو بين المسلمين لذلك حري بالعلماء العاملين أن يحرروا هذه المسائل ويصححوا الأخطاء في هذه الكتب فربما ظهرت سابقا نتيجة لصراعات مذهبية وقومية وفئوية قديمة فلا ينبغي أن تبقى حجر عثرة في سبيل تنقية مجتمعاتنا من براثن الإرهاب والتطرف.

وينبغي أن نذكر جيلنا بالمبادئ العامة والطرق الصحيحة التي تجعلهم بعيدين كل البعد عن التأثر ببعض الفتاوى الشاذة والكتب المملوءة تعصبا وكرها وتكفيرا. كما أننا لا يجوز لنا كذلك أن نغذي أتباعنا ونبث فيهم الكراهية للآخرين فالله تعالى جاء بالسلم والسلام ولم يفرض الحروب إلا دفاعا عن الأنفس والأموال والديار.

لم يُسمَّ الإسلام إسلاما إلا لأنه خضوع واستسلام لأمر الله تعالى، ولا ينبثق عن الله تعالى إلا ما يدعو إلى صلاح حال البشرية وسلامتها واستقامتها من كل زيغ وانحراف وتطرف فكم من آيات دعت إلى السلم وإسلام الوجه لله تعالى، وكم من أحاديث نبوية حذرت من مغبة الغلو وتجاوز الحد وذلك لأن دنيا الناس لا تخلو من بعد عن شرع الله وتحكيم للأهواء، واتباع للسادة والكبراء دون روية أو انتباه أو إعمال عقل فوقعوا في مطاب الجهل والتجاهل، فقلة الوعي وشيوعه قد يؤولان إلى جهل مركب شنيع، قال الشاعر:

ومن عجب الأيام أنك جاهل وأنك لا تدري بأنك لا تدري

والتطرف لا يمكن أن يتلاقى مع مفردات السلام والسلم والإسلام فهو على النقيض منها، البعيد عنها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

لذلك حاربت الشرائع والأديان التطرف، ومجته وأبعدته عن محيطها، وقد نعى القرآن الكريم على طائفة من أتباع نبي الله عيسى عليه السلام تأليههم له، فقال: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا).

فهم لم يكتفوا بما أمروا به من اتباع النبي عيسى والسير على نهجه وخطاه واقتفاء أثره بل تجاوزوا ذلك وزعموا أنه إله أو ابن إله.. إنه غلو في الدين، وتقديس خطر للمخلوق، فالنبي مهما بلغ شأوا وعلا رتبة لا يمكن أن يرفع إلى مقام الألوهية، فهناك فرق شاسع بين مقام العبودية والألوهية، بل العبودية لبني الإنسان تكريم وللأنبياء تشريف، قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)

والنبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن المغالة في الدين، فقال: (إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق)، وأمرنا أن نقرأ القرآن ونتدبره وألا نغالي ونتزيّد في أحكامه، فقال: «وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه)، كما أرشدنا إلى وجوب الاقتصاد في مهور الزواج خوفًا من انتشار العنوسة، وتصعيب الزواج على الشباب وتفتت المجتمع وانحرافه بل قد يصبح رفع المهر مغالاة لا ينبغي وأثرا سلبيا سيئا على المجتمع لا يجوز لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تغلوا في صدقات النساء»؛ لأن الغلو فيه مجاوز للحد فهو خطر أيا كان نوعه وسببه وظرفه فمضرته كبيره ومفسدته عظيمة لذلك علينا أن ننزه أنفسنا من الولوج في حياضه أو الركون إليه والاستمراء فيه.

وقد دعا الإسلام أصحابه إلى الوسطية فهي حصن منيع من الوقوع في مزالق التطرف، وفرصة سانحة للنظر والتأمل فيما يعرض من أفكار واعتقادات ومبادئ، قال تعالى: (وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا).

وهذه الوسطية لم تكن كلامًا عابرًا أو ألفاظًا جوفاء بل حدد الإسلام المبادئ والقيم والأطر التي ترتكز عليها هذه الوسطية ليمايز الجميع بين من يعيش بها، ومن يسلك غيرها مسلكَ التطرف!. وربما كان العدل أهم ميزة يمكن أن تحافظ على فكر الإنسان ومسيرته في الحياة وهدوئه وتجعله بعيدًا عن انفراط العقد والانحراف في الفكر؛ لأن الظلم من شأنه أن يعكر صفاء النفوس، وجمال الحياة فيقضي على رونقها وبهائها.

بل إذا شعر الإنسان بالظلم والإهانة في بلده فقد يدفعه ذلك إلى التطرف والغلو في الأمور كلها ومن هنا حث الإسلام على العدل في كل شأن من شؤونه فقال: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ). فقد أنزل الله الشريعة والأحكام وأرسل الرسل والكتب لإقامة العدل في هذه الأرض لأن العدالة من شأنها أن تجعل كل واحد يركن إلى زاوية قصية بعيدًا عن الاعتداء على الآخر أو محاولة النيل منه أو ظلمه أو تحقيره ليعيش الناس أمناء سعداء على هذه البسيطة.

وقد أعلن النبي -صلى الله عليه- مبدأ العدالة والمساواة وطبقه على مجتمعه فلم يخص شريفا، ولم يغمط حق ضعيف بل جعل الحق ديدنه في حكمه وتعامله، فيروى أن امرأة مخزومية قرشية سرقت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يهملها النبي -صلى الله عليه وسلم- أو يعفو عنها لكونها من شريفات قريش بل جازاها بما فعلت، فقد جاء في الرواية: «إن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكلمه أسامة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (أتشفع في حد من حدود الله؟)، ثم قام فاختطب ثم قال: (إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».

إنه شعار الإسلام «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» وأرقى صورة من صور المساواة والعدالة يجب أن نتمثله في كل سبل عيشنا، ومختلف نواحي حياتنا سيما في الصحة والتعليم وتوزيع الثروة وغيرها من الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطن كإنجاز المعاملات والاحترام المتبادل والتقدير والمعاملة باللطف والحسنى؛ لأن هذه الأمور تقوي في المواطن الانتماء، وتزرع فيه حب الوطن والتضحية من أجله، وتجعله في منأى عن التطرف والغلو. فلو نظرنا على سبيل المثال في واقعنا لوجدنا كثيرا من المتطرفين موجودين في الأنظمة المستبدة أو الأنظمة التي لم تهتم بمواطنيها أو التي احتقرتهم وسحقتهم وجارت في حقهم أو التي أهملتهم ولم تقبل على مصالحهم وحاجاتهم لذلك كانت هذه البيئات مادة خصبة، وبؤرة نتنة لتغذية الخلايا النائمة والمتربصة في المجتمعات بل هذه الممارسات تجعل المجتمعات مؤهلة لدفع عجلة التطرف إلى الأمام دون هوادة أو توقف.

فالمهان كالميت سيّان والتطرف طريق إلى الموت، فإذا أهملت الحكومات وتركت المواطنين يواجهون مصائرهم بأنفسهم لا شك أن الإرهاب والأفكار الهدامة قد تستشري فيهم وتخرجهم من ملاجئهم جوعى ومتشددين وقتلة وسفاحين يحرقون الأخضر واليابس.

وربما تكون بعض الأفكار المغالية الموجودة في بعض كتب التراث أو تتبناها بعض المذاهب أو الجماعات التي تنسب إلى الإسلام لها دور كبير في إذكاء التطرف والغلو بين المسلمين لذلك حري بالعلماء العاملين أن يحرروا هذه المسائل ويصححوا الأخطاء في هذه الكتب فربما ظهرت سابقا نتيجة لصراعات مذهبية وقومية وفئوية قديمة فلا ينبغي أن تبقى عائقا وعالقا من اتحاد المسلمين واتفاقهم، ولا يجوز كذلك أن تكون حجر عثرة في سبيل تنقية مجتمعاتنا من براثن الإرهاب والتطرف. بل إن بعض الإرهابيين قد استندوا إليها في تطرفهم فماذا ننتظر بعد هذا كله؟ وهل يمكن أن نقول لهم اقرأوا ما شئتم وطبقوه؟ بل ينبغي أن نذكر جيلنا بالمبادئ العامة والطرق الصحيحة التي تجعلهم بعيدين كل البعد عن التأثر ببعض تلكم الفتاوى الشاذة والكتب المملوءة تعصبًا وكرها وتكفيرًا.

كما أننا لا يجوز لنا كذلك أن نغذي أتباعنا ونبث فيهم الكراهية للآخرين فالله تعالى جاء بالسلم والسلام ولم يفرض الحروب إلا دفاعا عن الأنفس والأموال والديار قال تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).